من مقهى صغير يقدم مشروبات ساخنة محدودة، تحول “بيت حبوبه” في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان إلى ملتقى جامع لرواد الفن والثقافة الفارين من الحرب المحتدمة بالخرطوم، ليخلق حالة من الصخب الإبداعي شكلت بدورها محطة توقف لسكان هذه البلدة.
أغنيات واعمال درامية ومعرض تشكيلي ومؤنسات في الفكر والثقافة ترسم ملامح المشهد اليومي في “بيت حبوبه” وهو ما شكل متنفس للألاف من ضحايا الحرب الذين وصلوا الى مدينة ود مدني بحثاً عن الأمن.
ولم يحتوي المقهى الفارين من نيران الحرب نفسياً فحسب، لكنه شكل مساحة لكسب الرزق لأكثر من 60 شاباً وشابة من خلال بيع المشروبات الباردة والساخنة وبعض المعجنات، والمأكولات بعد أن فقدوا أعمالهم الرئيسية في العاصمة السودانية بسبب الحرب، حيث من بينهم أطباء وقانونيين وحملة شهادات علمية رفيعة.
ويقول مدير ومؤسس “بيت حبوبه” عصام الخواض لموقع “سكاي نيوز عربية” إنه غادر الخرطوم في اليوم الرابع لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفور وصوله راودته فكرة عمل مشروع يساهم به إيجابياً في درء آثار الصراع عن الشباب وتوفر فرص لهم لكسب الرزق.
فكان بيت حبوبه الذي بدأه بمقهى متواضع يقدم الشاي وبعض الفطائر الخفيفة، بعد أن اختار له اسماً ذو مدلول اجتماعي راسخ في التراث السوداني، فعند الحبوبة (الجدة) يجد الأحفاد الدفء والاحتواء والحكايات المشوقة.
تقدم سريع
ويضيف “بعدها قمت بفتح الفرص لكل شخص صاحب موهبة في مجالات الأكل والشرب ليؤسس موقعا داخل الفناء الكبير ببيت حبوبه على أن يقوم بتقديم ما لديه للزبائن مع وضع هامش ربح محدود مراعاة للوضع الاقتصادي لضحايا الحرب”.
وخلال فترة قصيرة توسع بيت حبوبه وصار يقدم مأكولات ومشروبات متنوعة، وسط تفاعل جماهيري كبير، كما ترتاده العائلات خاصة القادمة من الخرطوم لتلبية شفقها بالحصول على بعض الأطعمة والتمتع بلحظات ترفيهية.
ويضم المقهى غالاري دائم بمعرض للفن التشكيلي يحوي أعمالاً فنية تراثية، وليالي غنائية ومسرحية، وفي يوم الخميس من كل أسبوع تقام ليلة “المايك المفتوح” والتي تتاح فيها الفرصة لرواد بيت حبوبه لتقديم مواهبهم في الغناء والعزف الموسيقي على الحضور في مشاهد ممتعة.
ويشير عصام الخواض إلى أنه “بجانب رغبته كرجل أعمال في تخفيف الأثر الاقتصادي على ضحايا الحرب، فإنه كان على يقين بأن الأثر النفسي على المواطنين يفوق الخسائر الأخرى، لذلك جاءت الأنشطة الفنية الثقافية المصاحبة في بيت حبوبه كجزء من العلاج النفسي للفارين من الصراع.
ويقول الكوميديان السوداني فخري خالد لموقع “اسكاي نيوز عربية” إن بيت حبوبه شكل ملتقى جامع لنجوم المجتمع في بلاده والذين دفعتهم ظروف الحرب للمجي الى مدينة ود مدني، فظل يرتاده بشكل يومي ليقابل أصدقائه، وتقديم ما يبسط الحضور.
ويقدم فخري إلى جانب دراميين آخرين في “فرقة البالمبو” أعمال مسرحية بشكل مستمر في بيت حبوبه منذ تأسيسه، ضمن جهود تخفيف الأثر النفسي على الفارين من الصراع المسلح في السودان.
ويضيف “لم يكن الكثيرون يتوقعون تطاول أمد الحرب فالجميع جاءوا إلى مدني ولم تكن أوضاعهم مرتبة بالشكل اللازم مما ألقى عليهم آثار معيشية ونفسية كبيرة، فنحن نحاول تخفيف هذه الأعباء من خلال أعمال فكاهية لكنها رسالية تحوي حب الوطن وتحث على التكاتف وتنبذ الجشع وتجار الأزمات وغيرهم”.
إعادة الأمل
من جهته، يقول محمد درة وهو شاب سوري يملك محالا في بيت حبوبه إنه “واجه محنة النزوح مرتين حيث أخرجته الحرب من بلاده وجاء الى العاصمة السودانية وتمكن من إعادة استقراره من خلال فتح محلاً للمأكولات والمشروبات واضطر لمغادرتها الى مدينة مدني، فاحتضنه بيت حبوبه”.
ويضيف “وصلت إلى هنا وكان يتملكني اليأس مما أحل بي، ولكن بيت حبوبه أعاد لي الأمل المفقود، فقد أسست محلي المحمصة السورية وأباشر حياتي الآن، وأمنيتي الحالية أن يعم الأمن والسلام السودان وسوريا وسائر البلدان العربية”.
وليس ببعيد، وجد “أسماء” وهي طبية حديثة التخرج فرت من حرب الخرطوم إلى مدني ملاذاً أماناً في “بيت حبوبه” والتي شكل لها مصدر للكسب المادي تساعد عبره عائلتها الفارة من نيران القتال.
وقالت لموقع “سكاي نيوز عربية” إنها “وصلت إلى مدني بعد اندلاع الحرب وكان قد فقدت كل أوراقها الثبوتية بما في ذلك الشهادات التي تثبت انتماءها للحقل الطبي، فالتحقت ببيت حبوبه الذي اعتبرته فرصة للتعرف على مجال جديد وتوسعة علاقاتها الاجتماعية، الى جانب كسب الرزق الحال” – حسب وصفها.
سكاي نيوز