توقف سائق الأجرة السوداني أحمد الربيع عن العمل بسبب سوء الأوضاع الأمنية في أعقاب اندلاع الصراع المسلح في بلاده بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي، وبدأ رحلة البحث عن عمل آخر يساعده على إعالة أسرته.
ظلت مساعي الربيع، الذي يقيم في مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، دون جدوى بسبب تعطل الحياة وتوقف الناس عن التنقل، ونزوح الكثير من سكان العاصمة إلى ولايات أخرى، لكنه بعد طول انتظار حصل على عقد للعمل في وظيفة سائق خاص خارج البلاد.
ظن الربيع أن الحظ ابتسم له أخيراً، إلا أن جواز السفر وقف عقبة في طريق حلمه وضيّع عليه الفرصة، بسبب الرسوم المرتفعة، التي يقول إنه لا يستطيع تحملها في ظل الوضع الراهن.
رسوم “خرافية”
في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء العالم العربي “AWP”، وصف الربيع الرسوم التي حددتها إدارة الجوازات بوزارة الداخلية بأنها “خرافية” في ظل توقف الجميع عن العمل، وعدم صرف مرتبات الموظفين منذ 5 أشهر.
وقال: “انتظرت أكثر من 3 أشهر لاستخراج جواز السفر، وبعد إعلان وزارة الداخلية البدء في عمليات استخراج الجواز، صُدمت بالرسوم”، إذ حددت إدارة الجوازات سعر استخراج جواز السفر للكبار بقيمة 150 ألف جنيه (حوالي 245 دولاراً أميركياً) وللأطفال بقيمة 75 ألفاً.
وأعلنت وزارة الداخلية، الأربعاء، انطلاق العمل في استخراج الجواز الإلكتروني بعد استعادة بيانات السجل المدني وأنظمة المرور في ولايات سنار، والنيل الأزرق جنوب شرقي البلاد، والشمالية ونهر النيل شمال السودان، والنيل الأبيض، والجزيرة، وسط البلاد، وكسلا، والقضارف، والبحر الأحمر شرقاً.
لكن الوزارة قالت إن هناك إجراءات فنية متبقية لانطلاق العمل بذلك الجواز في ولايتي شمال دارفور وشمال كردفان.
غير أن الربيع أشار إلى أنه إذا أراد السفر من أم درمان إلى أي ولاية أخرى للحصول على جواز سفر، فإن هذا سيكلفه القيمة ذاتها، أي 150 ألف جنيه سوداني، متسائلاً: “من أين يحصل شخص متوقف عن العمل لخمسة أشهر على هذه المبالغ”؟
“إتلاف السجل المدني”
ولجأت وزارة الداخلية إلى لجلب مصنع جديد لتصنيع جوازات السفر، واتخذت من مدينة بورتسودان شرق البلاد مقراً له، بعد عمليات تخريب طالت المصنع الأساسي الواقع في مناطق الاقتتال جنوبي العاصمة الخرطوم.
وكشف الفريق شرطة خالد حسان، وزير الداخلية المكلف، في مؤتمر صحافي، الأربعاء، عن تنسيق كامل مع الأجهزة النظامية الأخرى، وأجهزة القضاء، والنيابة، والأجهزة التنفيذية “للتحقيق فيما تعرض له المواطنون من نهب وتخريب لأرواحهم ولممتلكاتهم، إضافة لنهب وتخريب مؤسسات الدولة الأخرى”.
واتهم محي الدين، قوات الدعم السريع بتعمد إتلاف قاعدة بيانات السجل المدني الرئيسية بغرض “طمس الهوية السودانية”، قائلاً إن استعادة أنظمة بيانات السجل المدني والمرور والجوازات “يعتبر ملحمة بطولية حافظت على الهوية السودانية، ويمكن لأي مواطن الآن استخراج أوراقه الثبوتية”.
وقال حسان بمناسبة الإعلان عن استخراج جواز السفر الإلكتروني من المصنع الجديد، “عمد المتمردون إلى إتلاف قاعدة بيانات السجل المدني الرئيسية بغرض طمس الهوية السودانية، إلا أن نفراً كريماً من أبنائكم في الشرطة استطاعوا نقل كل بيانات الهوية السودانية بنسبة 100%”.
وأعلن الناطق الرسمي باسم الشرطة، فتح الرحمن محمد، زيادة قيمة استخراج جواز السفر إلى 150 ألفاً، من 50 ألفاً بسبب ارتفاع تكاليف المصنع الجديد، بعد استيراد الأجهزة والمعدات الخاصة به من ألمانيا، فضلاً عن تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي.
“مراعاة لظروف المواطنين”
غير أن الرسوم التي حددتها وزارة الداخلية لاستخراج جوازات السفر قوبلت بانتقادات واسعة، واعتبر كثيرون أنها تزيد الأعباء على المواطنين، الذين أنهكتهم الحرب.
وعلى أثر الانتقادات الواسعة، وجّه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، الشرطة بمراجعة تكلفة جواز السفر “مراعاة لظروف المواطنين”، وقال خلال زيارة للشرطة بولاية البحر الأحمر، إن الكثير من الانتقادات وجهت لسعر تكلفة الجواز “ونحن بدورنا نرى أن على الشرطة ووزارة المالية أن تراجع سعر الجواز”.
وأبلغ شهود عيان وكالة “AWP” بأن مئات المواطنين توافدوا، الخميس، إلى مقر السجل المدني الجديد بمدينة بورتسودان للتقديم لإجراءات استخراج الجواز في أول يوم للعمل.
سعدية أبو مرين، التي تسكن مدينة الخرطوم بحري شمال العاصمة، كانت بين عدد كبير من السودانيين الذين اصطفوا في طابور طويل أمام مقر السجل المدني بمدينة بورتسودان لاستخراج وثائق سفر لابنتيها، أملاً في والخروج إلى عالم أرحب وأكثر أمناً.
وقالت أبو مرين إنها قررت الفرار مع أبنائها إلى خارج البلاد مع توسع الصراع، واندلاع الاشتباكات داخل الأحياء، لكن عدم امتلاك ابنتيها وثائق سفر أجبرها على البقاء داخل البلاد.
وأضافت: “بعد بداية الحرب بأيام، تحولت المنطقة التي نسكن فيها إلى ساحة للمعارك. الاشتباكات تدور في الشوارع والأزقة وفوارغ الرصاص تتساقط في فناء المنزل.. قررنا ترك بيتنا ومغادرة البلاد، لكن اثنتين من بناتي لا تملكان جواز سفر.. اضطررنا إلى النزوح مؤقتاً إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل وانتظرنا طويلاً حتى تمت معالجة مشكلة استخراج الجوازات”.
لكنها الآن تشارك غيرها من السودانيين انتقادهم الأسعار الجديدة لجوازات السفر تلك، التي قد تكون أملاً للكثير منهم في النجاة من جحيم الحرب.
المصدر: الشرق