تتصاعد ألسنة اللهب والدخان من برج شركة «النيل للبترول» أحد المعالم الرئيسية في السودان وسط قتال عنيف بين طرفي الصراع في العاصمة الخرطوم، والذي دخل شهره السادس.
والبرج الزجاجي الذي يطل على النيل ويضم المقر الرئيسي للشركة وتعلوه دوائر معدنية تم تشييده خلال طفرة نفطية قبل إعلان دولة جنوب السودان استقلالها عن السودان في 2011، وهو من بين أكثر البنايات تكلفة في السودان.
ويعد المبنى ذو الواجهات الزجاجية والتصميم الهرميّ، من أبرز معالم العاصمة. وأظهرت المقاطع احتراقه بشكل شبه كامل، إذ غطّى اللون الأسود طبقاته مع تواصل تصاعد الدخان منه. وتصاعدت ألسنة اللهب والدخان من البرج الشهير الذي يقع في حي للمال والأعمال في الخرطوم قرب تلاقي النيلين الأزرق والأبيض، وفي منطقة يتقاتل عليها الجيش السوداني مع قوات الدعم السريع. ولم يتضح ما الذي سبب الحريق الذي بدأ يوم السبت.
واتهمت قوات الدعم السريع الجيش باستهداف البرج وعدة مبان أخرى مهمة، في ظل مساعيه لطردها من مواقع سيطرت عليها في العاصمة في بداية الصراع، وفقا لوكالة (رويترز) للأنباء.
واندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل (نيسان) عندما تحول توتر مرتبط بخطة مدعومة دوليا للانتقال السياسي إلى صدام مباشر بعد أربع سنوات من الإطاحة بعمر البشير في انتفاضة شعبية.
وتسبب الصراع في اندلاع اشتباكات واسعة النطاق، بالإضافة إلى أعمال نهب وسلب، مما سبّب نقصا في الأغذية والأدوية في الخرطوم ومدن أخرى، ودفع ما يزيد على خمسة ملايين للفرار من ديارهم.
وكان سكان في العاصمة أفادوا السبت بتجدد المعارك في محيط مقر القيادة العامة بعد هدوء لأسبوعين. وأدت هذه الاشتباكات إلى اشتعال النيران في مبانٍ بوسط الخرطوم. وأكدت نوال محمد البالغة 44 عاماً لوكالة الصحافة الفرنسية أن معارك السبت والأحد كانت «الأعنف منذ بداية الحرب». وعلى الرغم من أنها تقيم على مسافة نحو ثلاثة كيلومترات من أقرب مناطق الاشتباك، تهتز نوافذ بيتها وأبوابه من جراء قوة الانفجارات. وقال بدر الدين بابكر المقيم في شرق العاصمة: «من المحزن رؤية هذه المؤسسات تدمّر على هذا النحو». وتساءل في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية «بعد كل هذا الدمار ماذا سيتبقى لهم لحكم البلاد؟».
ومنذ اندلاع المعارك في السودان قُتل نحو 7500 شخص، ومن المرجح أن تكون الأعداد الفعلية أعلى بكثير، بينما اضطر نحو خمسة ملايين شخص إلى ترك منازلهم والنزوح داخل السودان أو العبور إلى دول الجوار، خصوصا مصر وتشاد. وفرّ نحو 2,8 مليون شخص من الخرطوم التي تشهد قصفا جويا، وكذلك بالمدفعية الثقيلة، وحرب شوارع في مناطق سكنية. وقال حاتم أحمد البالغ (53 عاما) في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «وكأنهم يريدون تحويلها إلى مدينة رماد غير قابلة للسكن». ودمّر النزاع البُنى التحتية الضعيفة أصلا، وتسبب في إغلاق 80 في المائة من مستشفيات البلاد، وأغرق ملايين الأشخاص في وضع أشبه بالمجاعة الحادة. وغطى الدخان الأسود الكثيف سماء العاصمة السودانية. وأظهرت صور تمّ تداولها على مواقع التواصل، تهشّم نوافذ مبانٍ عدة في وسط الخرطوم، واختراق الرصاص لجدرانها. وقال شهود في حي مايو في جنوب الخرطوم إنهم «سمعوا دوي قصف مدفعي كثيف على مواقع قوات الدعم السريع في (منطقة) المدينة الرياضية» المجاورة.
وسقط 51 قتيلا على الأقل الأسبوع الماضي في قصف استهدف سوقا في حي مايو، وفق الأمم المتحدة.وأمس (الأحد) ندّدت لجنة للمحامين مؤيدة للديموقراطية بسقوط عشرات القتلى المدنيين في المعارك المستمرة منذ الجمعة.وفي ولاية شمال كردفان (350 كيلومترا غرب العاصمة)، تبادل الجيش وقوات الدعم السريع القصف المدفعي الأحد، بحسب ما أفاد سكان.ومنذ اندلاع الحرب، وقعت أشد المعارك في الخرطوم وفي إقليم دارفور بغرب السودان حيث شنت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها هجمات على أساس عرقي، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق جديد في جرائم حرب محتملة.وكان إقليم دارفور مطلع القرن الحالي مسرحا لنزاع دامٍ أوقع 300 ألف قتيل وأدى الى نزوح اكثر من 2,5 مليون سوداني، بحسب الأمم المتحدة.
الشرق الأوسط