تقاتل بجانب الجيش… ما قصة “كتيبة البراء” السودانية؟

في خضم الحرب المستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي دخلت شهرها السادس، تزايد الاهتمام بميليشيا مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش تعرف باسم”كتيبة البراء”، وذلك وسط جدل واسع حول دور تنظيم الإخوان في إشعال الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 7 آلاف شخص وشردت نحو 5 ملايين في السودان حتى الآن.

ما هي كتيبة البراء؟ ولماذا تزايد الاهتمام بها خلال الفترة الأخيرة؟

تداول مستخدمون لمنصات التواصل الاجتماعي فيديوهين اثنين، أحدهما يظهر عناصر مسلحة من الكتيبة، وهي تحاصر أحد مقرات قوات الدعم السريع جنوبي الخرطوم قبل ساعات قليلة من اندلاع القتال في صباح 15 أبريل الماضي.

ويظهر الفيديو الثاني عناصر تتبع للكتيبة أثناء وجودها داخل القيادة العامة للجيش في لحظة اندلاع القتال.

وتزايد الجدل أكثر، بعد أن زار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أواخر أغسطس، قائد الكتيبة المصباح أبو زيد طلحة في مستشفى الشرطة بمدينة عطبرة (380 كيلومترا شمال الخرطوم)، حيث كان يتلقى العلاج هناك بعد إصابته في إحدى المعارك مع الدعم السريع.

وجاءت الزيارة بعد ساعات من خروج البرهان من أحد مباني القيادة العامة للجيش في الخرطوم.

تساؤلات

وأثارت مقاطع الفيديو تساؤلات عدة بشأن علاقة الجيش بالكتيبة، وأسباب وجودها داخل القيادة في لحظات القتال الأولى.

ويأتي ذلك على الرغم من عدم قدرة عدد من ضباط الجيش الكبار الوصول إلى مقر القيادة ووقوع العشرات منهم أسرى في يد الدعم السريع في ذلك اليوم.

تنظيمات إخوانية

ويعتقد على نطاق واسع أن “كتيبة البراء”، هي إحدى أكثر الكتائب الإخوانية إعدادا وتدريبا وتسليحا، وتتكون من مجموعات شبابية تتراوح اعمارها بين 20 و 35 عاما.

ويأتي معظم عناصرها من خلفيات تنظيمات طلابية كانت تعمل تحت مظلة الأمن الطلابي والاتحاد العام للطلاب السودانيين، أحد أهم الأذرع التعبوية والأمنية لنظام الإخوان السابق.

وطوال الأعوام الـ30 من حكم الإخوان الذي استمر منذ يونيو 1989 وحتى إسقاطه في أبريل 2019؛ تمتعت كتائب التنظيم المسلحة ومن بينها الأمن الشعبي والطلابي وقوات الدفاع الشعبي ومجموعات إخوانية أخرى بامتيازات عالية حتى ولو على حساب القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى.

ارتباط مع داعش

وذكرت مصادر أن لدى الكتيبة ارتباطات وثيقة مع مجموعات متطرفة مؤيدة لتنظيم داعش الإرهابي، من بينها حزب دولة القانون الذي يتزعمه محمد علي الجزولي، الموالي علنا لتنظيم داعش، علما بأن الجزولي محتجزا لدى الدعم السريع بعد اندلاع القتال بأسابيع.

ونشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أيام، مقطع فيديو آخر يظهر قائد “كتيبة البراء” المصباح أبو زيد طلحة، وهو يستقبل عناصر تابعة للحركة الإسلامية، وكان اللافت في المقطع ظهور أشخاص بملامح أجنبية.

سجل قمعي

وأدت الكتيبة دورا بارزا في قمع المظاهرات التي اندلعت عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021 من خلال زرع عناصرها داخل شرطة الاحتياطي المركزي المتهمة بقتل العشرات من المتظاهرين.

كما تشير تقارير إلى تورطها في تصفية ضابط برتبة عميد في شرطة الاحتياطي المركزي في يناير 2022 بعد رفضه استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.

ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع القتال، ظل السودانيون يتجادلون حول دور الكتائب التابعة لتنظيم الإخوان في إشعال الحرب بعد تهديدات علنية لعدد من قادتهم قبل أيام قليلة من اندلاعها وتعهدهم بقطع الطريق أمام أي اتفاق لنقل السلطة للمدنيين.

وسربت قوات الدعم السريع قبل بضعة أسابيع مقاطع فيديو لكل من الجزولي وأنس عمر القيادي بحزب المؤتمر الوطني والمعتقلان لديها، وهما يقران بتورط عناصر الحركة الإسلامية في التنسيق مع قيادات في الجيش للتحشيد للحرب قبل اندلاعها بعدة أيام.

نفوذ كبير

وأكد ضابط كبير في القوات المسلحة لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “كتيبة البراء” تتمتع بنفوذ كبير على قيادات الجيش، وهي من تدير المعارك في مواقع حساسة مثل سلاح المدرعات وقبله قيادة الاحتياطي المركزي التي سقطت في يد الدعم السريع.

وقال الضابط، الذي فضل حجب اسمه لحساسية الموضوع، إن عددا من ضباط الجيش ظلوا طوال الفترة الماضية يحذرون من خطورة ربط اسم الجيش بأي ميليشيات مسلحة، لكن تلك الدعوات كانت تقابل بصلف شديد من قيادات سياسية إخوانية تتحكم في الجيش والأجهزة الأمنية، مثل علي كرتي وأحمد هارون وأنس عمر المعتقل حاليا لدى الدعم السريع.

وأشار الضابط إلى أن الطبيعة المتطرفة للكتيبة تتسبب في مشكلات فنية وميدانية كبيرة لقيادات القوات المسلحة في مناطق العمليات، مما أدى إلى انتكاسات كبيرة خلال الأشهر الخمس الماضية.

ترويج دعائي

ووفقا للضابط، فإن الكتيبة تعمل حاليا تحت مظلة ما يعرف بـ “قوات العمل الخاص”، التي تحظى عملياتها بتوثيق دعائي مكثف من قبل أجهزة الإعلام الرسمية على غرار ما كان يحدث مع الكتائب التي كانت تقاتل إلى جانب الجيش في حرب الجنوب التي انتهت بانفصال الجنوب في العام 2011.

وعبر الضابط عن اعتقاده بأن تركيز الإعلام الرسمي على عمليات الكتيبة ينطلق من هدف سياسي مخطط له بعناية من قبل القيادات السياسية الإخوانية التي تدير شأن الحرب من على البعد؛ بحسب تعبيره.

ونفى قائد الجيش في أكثر من مناسبة اي مشاركة إخوانية في الحرب الحالية.

كشف التورط الإخواني

لكن المحلل السياسي الجميل الفاضل أشار إلى أنه ومع امتداد أمد الحرب وتقلب أطوارها، بدأت تتكشف أكثر فأكثر حقيقة المشاركة الإخوانية في الحرب وتأثير الوجود الإخواني على الجيش.

وقال الفاضل لموقع “سكاي نيوز عربية”: “بات الإخوان الآن أكثر حرصا علي ترك آثارهم ووضع بصماتهم في مشاهد هذه الحرب بصورة علنية متعمدة تمهد الطريق أمامهم لجني ثمار ما بعد الحرب”.

وأوضح: “يريدون انتزاع اعتراف بتأثيرهم المباشر على الحرب، بما يضمن لهم الحفاظ على مكتسباتهم التي نالوها خلال حقبة حكمهم التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود فضلا عن الحصول على قدر من المشاركة في محاصصة السلطة المحتملة سواء كانت سلطة مدنية انتقالية أو عسكرية انقلابية”.

من جانبه؛ يعبر الكاتب الصحفي وائل محجوب عن اعتقاده بأن سياسة الاستنفار التي لجا اليها الجيش وإشراكه ميليشيات وكتائب ومجموعات مسلحة غير نظاميه لتحارب معه؛ هي سياسة ترتبط بسناريوهات الحركة الإسلامية ومحاولاتها الدائمة لإعادة تشكيل المشهد بحيث تؤول إليها السلطة في آخر المطاف أو تكون في موقع المتحكم فيها وفي أي عمليه سياسية محتملة.

ويحذر محجوب من مخاطر مشاركة الكتائب الإخوانية بجانب الجيش.

ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الإشكاليات ستظهر لاحقا حينما يسعى التيار السياسي الذي تنتمي إليه تلك الكتائب إلى أحكام قبضتها والقفز فوق القوات المسلحة لعادة ترتيب المشهد إلى مثل ما كان عليه الحال قبل سقوط النظام السابق”.

ولا يجد محجوب مبررا للقوات المسلحة للاستعانة بكتائب حزبية؛ مشيرا إلى عدم استدعاء الجيش كامل وحداته النظامية والمقدر عدد افرادها بنحو 200 ألفا.

إشكالية جديدة قديمة

ويصف محجوب الاستعانة بالكتائب الحزبية بانها إشكاليه قديمة متجددة مسحت الخطوط الفاصلة بين القوات المسلحة والمجموعات غير النظامية التي كانت تقاتل معه مثل كتائب الدفاع الشعبي و”الدبابين” وغيرهم من المجموعات.

ويستند المعز حضرة المحامي وعضو هيئة الاتهام في قضية انقلاب يونيو 1989 التي كان يحاكم فيها الرئيس السابق عمر البشير وعدد من عناصر الحركة الإسلامية؛ في توصيفه للحرب بأنها “حرب إخوانية” بعد زيارة البرهان قائد “كتيبة البراء” بعد خروجه من مقر القيادة في نهاية أغسطس.

ويضيف: “إقحام مثل هذه الكتائب يؤكد ان هذه الحرب أصبحت حرب ميليشيات بين الإسلاميين والدعم السريع، والقوات المسلحة ليست لها علاقة بهذه الحرب وهذا ما يبرر وقوفهم ضد كل المحاولات الرامية لإيقاف الحرب التي يعتبرونه وسيلتهم الوحيدة للرجوع إلى لسلطة”.

وتتفق المحامية رحاب مبارك مع ما ذهب إليه حضرة وتقول لموقع “سكاي نيوز عربية”: “ظهور كتيبة البراء علنا يؤكد أن الحرب تهدف للعوة لمربع حكم الاخوان مجددا”.

سكاي نيوز

Exit mobile version