كيف تحولت الرائحة لـ”خيط رفيع” بين الحياة والموت وسط السودانيين؟

لعدة أيام، عجز مواطنو الثورة الحارة العاشرة عن التوصل لأسباب انبعاث الروائح الكريهة، وعبثاً جابوا شوارع وأزقة الحي، كما نقبوا بيوتهم وأمتعتهم، لكنهم لم يتبيّنوا مصدر الروائح.

مواطنو الحي الأم درماني العريق، انصرفت شكوكهم بأن فئراناً نافقة خلف أبواب جيرانهم الموصدة منذ أشهر بعد أن هجرها أصحابها إلى مناطق بعيدة عن المعارك المستعرة والقصف المتبادل، ولم يدر بخلدهم أنّ تلك الروائح الكريهة تخفي وراءها كارثة إنسانية مُروِّعة.

المفاجأة المزلزلة تمثلت أنّ الروائح التي أزكمت أنوف مواطني الحي السكني انبعثت عن جثة إحدى النساء القاطنات بالحي.

صدمة شديدة
بدوره، يروي أحد مواطني الثورة الحارة العاشرة لـ”العربية.نت”، قائلاً إن المرأة المنكوبة تسكن المنزل بمفردها قبل اندلاع الحرب بوقت طويل ولم يسترعِ اختفاؤها عن الأنظار انتباه القلة القليلة المتبقية من سكان الحي المذكور. وجاءت الطامة الكبرى عند دخول بعض الجيران لمنزلها بعد فض الأقفال للاطمئنان عليها، إلا أنّهم فوجئوا بها جثة هامدة، وأظهرت المعاينة الأولية مرور عدة أيام على وفاتها. مشاعر الصدمة والذهول ألجمت ألسن الحاضرين، خاصة أن الجثة كانت تصدر روائح لا تُطاق بعد أن انتفخت بفعل ارتفاع درجات الحرارة. ولم يجد السكان القريبون مفراً من استدعاء شرطي لتكملة الإجراءات القانونية. لاحقاً رُفعت الجثة، وتمت مواراتها الثرى بالمرتبة التي وجدت ممددة فوقها منتصف الأسبوع الماضي.

كما روى مواطن ثان لـ”العربية.نت”، قصة مشابهة لمواطن عثروا عليه ميتاً بذات الكيفية، الأحداث المرعبة بدأت عندما فقد ذووه الاتصال به، وعلى الفور دوّنوا منشوراً مشفوعاً بصورته وأوصافه، طالبين معاونتهم للعثور عليه. بعد أيام وردت إلى ذويه أنباء متضاربة بالعثور عليه بمستشفى أم روابة بولاية شمال كردفان. ليلة الأربعاء الماضية، نقل إليهم جيرانه بحي الثورة الحارة الثامنة النبأ الحزين بأن الرجل تمكن من العودة إلى أم درمان وتوفي قبل ثلاثة أيام. الجيران اشتموا الروائح الكريهة وأبلغوا الشرطة التي دخلت إلى المكان لتجد الرجل جثة هامدة.

الخيط الرفيع
في السياق ذاته، ذكر أحد المواطنين لـ”العربية.نت” بكلمات مـؤثرة تبكي الحجر، أن الجيران صاروا لا يعرفون أن بعضهم أحياء أو أموات إلا بالرائحة. وأضاف أن عدم انبعاث الروائح النتنة وحدها من ينبئك أن جيرانك بخير أو أصابهم مكروه. فعنف القصف المدفعي والصاروخي والجوي واحتدام المعارك قد ينسيك تفقُّد أهلك الأقربين، ناهيك عمن يسكنون جوارك، لذلك فانبعاث الروائح أو عدمها تحول لما يشبه الحد الفاصل والخيط الرفيع ما بين الموت والحياة بتلك الأنحاء.

تلك الحكايات الحزينة، واحدة من عشرات القصص والحكايات المأساوية لضحايا بأحياء الخرطوم السكنية، واجهوا مصيبة الموت جوعاً أو عطشاً أو فزعاً أو قصفاً بمفردهم منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل الماضي.

تفشي الأوبئة والأمراض
منذ ذلك الحين، صار لا رائحة فوق رائحة الجثث المتعفنة والمتحللة لضحايا بشرية أو لحيوانات وطيور نافقة. إزاء هذا، دقّـت مصادر طبية بالسودان ناقوس الخطر، وحذرت مصادر من مخاطر انتشار الجثث بالشوارع والمنازل، وتوقّعت ارتفاع معدلات انتشار الأوبئة والأمراض الفتّاكة الشديدة العدوى والخطورة كالطاعون والكوليرا بالبلاد.

العربية نت

Exit mobile version