اعتمد مجلس حقوق الإنسان بجنيف، الأربعاء، قرارا بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في السودان حول الانتهاكات والجرائم التي رافقت القتال العنيف بين الجيش وقوات الدعم السريع، ولاقى القرار ترحيبا من جهات سودانية عديدة.
واندلعت في السودان منذ 15 أبريل الماضي حرب عنيفة بين أكبر قوتين تسبب في قتل ما يزيد عن أربعة ألاف شخص وتشريد أكثر من سبعة ملايين شخص داخليا وخارجيا.
ولاحقت قوات الدعم السريع اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان شملت القتل والاعتقال والتهجير القسري والاغتصاب، كما تتهم بارتكاب جرائم تطهير عرقي طالت إثنية المساليت بولاية غرب دارفور.
وفي المقابل يواجه الجيش السوداني اتهامات بارتكاب انتهاكات عديدة شملت قصف الأحياء المأهولة بالسكان عن طريق الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة.
وتبنى مجلس حقوق الانسان القرار تحت البند السادس بعد أن قدمته أربع دول هي “المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية، النرويج، وألمانيا” بأغلبية 19 صوتا مقابل 16 صوتا رفض القرار فيما امتنعت 12 من الدول الأعضاء عن التصويت.
وتم تصميم بعثة تقصي الحقائق لإرسال رسالة إلى الأطراف المتحاربة مفادها أنه سيتم التدقيق وسيواجهون عواقب انتهاكاتهم وتماشياً مع الطلبات التي حددتها 120 منظمة من منظمات المجتمع المدني، ستشمل ولاية بعثة تقصي الحقائق التحقيق في الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة في السودان، وجمع الأدلة والحفاظ عليها، وتحديد المسؤولين عنها.
وتتألف البعثة وفقا للقرار من ثلاثة أعضاء من ذوي الخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، على أن يتم تعيينهم في أقرب وقت ممكن بواسطة رئيس مجلس حقوق الإنسان لفترة أولية مدتها عام واحد.
ومن بين أمور أخرى، تم تكليف البعثة الدولية بالتحقيق وإثبات الحقائق والظروف والأسباب الجذرية لجميع المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما فيها تلك المرتكبة ضد اللاجئين، والجرائم ذات الصلة في سياق النزاع المسلح المستمر الذي بدأ في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى الأطراف المتحاربة الأخرى.
وأعطى القرار البعثة الحق في تحديد الأفراد والكيانات المسؤولة عن الانتهاكات، أو غيرها من الجرائم ذات الصلة، في السودان، بهدف ضمان محاسبة المسؤولين.
وأشار إلى أن البعثة معنية بتقديم توصيات، لا سيما بشأن تدابير المساءلة، بهدف إنهاء الإفلات من العقاب ومعالجة أسبابه الجذرية، وضمان المساءلة بما في ذلك حسب الاقتضاء، المسؤولية الجنائية الفردية ووصول الضحايا إلى العدالة.
ودعا القرار أطراف النزاع إلى التعاون- بصورة كاملة- مع بعثة تقصي الحقائق في أداء عملها، كما دعا المجتمع الدولي لأن يقدم الدعم الكامل للبعثة في سبيل تنفيذ ولايتها.
ترحيب واسع
ورحبت قوى سياسية وحركات مسلحة وجماعات حقوقية في السودان، بالقرار الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء البعثة.
وقال رئيس الجبهة الثورية الهادي ادريس لسودان تربيون إن “القرار خطوة في طريق تحقيق العدالة” وتابع “هذا ما طالبنا به فى خطابنا الاخير للشعب السوداني بمناسبة الذكرى الثالثة لتوقيع اتفاق جوبا لسلام السودان”.
وأوضح بأن الجرائم التي ارتكبت في الحرب الأخيرة تستحق التحقيق الدولي المحايد لكشف المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ 15 أبريل، حتى الان حتى لا يفلت المجرمين من العقاب.
وشدد ادريس على ضرورة أن تتوقف هذه الانتهاكات إلى الابد واستدرك قائلا “تاريخنا ملئ بالانتهاكات سواء كان في جنوب السودان او المنطقتين او حرب الإبادة في دارفور كلها مرت دون عقاب او محاسبة لمرتكبي هذه الانتهاكات”.
من جهته قال القيادي بقوى الحرية والتغيير عروة الصادق إن قرار مجلس حقوق الإنسان “خطوة مهمة نحو إنهاء حالة الجدل والاتهام المتبادل والتنصل عن تحمل المسؤوليات باندلاع الحرب”.
واضاف لسودان تربيون أن القرار سيغلق باب الصراع والانقسام الذي تعاني منه البلاد لعقود طويلة وإرساء أسس السلام والديمقراطية التي طال انتظارها.
وافاد “لكن هذه الخطوة لن تكتمل إلا بتضافر جهود جميع المعنيين في الداخل والخارج، لإظهار الحقيقة وتحقيق العدالة”.
وأضاف عروة “نحن لن نرحب بالتحقيق فقط بل سنكون أول الممتثلين والمدلين بشهاداتنا، كما أننا مستعدين لأي قرار حتى إن أحالنا إلى محاكم دولية تقضي بإدانتنا إذا ثبت تورطنا في أي جرم”.
ونوه بأن البعثة تحتاج إلى موارد كافية وإمكانات فعالة لأداء مهامها بشكل مستقل وشفاف وشامل، كما أنها تحتاج إلى تعاون كامل من السلطات السودانية وعدم عرقلة أعمالها، بل يجب أن تفتح أبوابها أمام المحققين المحليين والاقليميين والدوليين وتوفر كل التسهيلات والضمانات والحماية.
إلى ذلك وصف المتحدث باسم حزب التحالف السوداني شهاب الطيب قرار مجلس حقوق الإنسان بالمهم لكونه يصب في مصلحة الشعب السوداني.
وقال لسودان تربيون أن القرار يؤكد وجود انتهاكات يجب أن تحدد الجهة المسؤولة منها.
وأضاف “نحن لا نشك ان الطرفين في ظل الحرب الدائرة منذ 15 أبريل ارتكبوا انتهاكات جسيمة في حق الشعب السوداني ابتداء من ان تكون هنالك حرب في حد ذاته لذلك يجب ان تكون هناك جهة لديها مسؤولية مثل المجتمع الدولي تتحمل مسؤوليته في إصدار هذا القرار”.
كما رحب بيان أصدره محامو الطوارئ بالقرار الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان بإنشاء بعثة مستقلة لتقصي الحقائق في السودان، وتقدم بالشكر لأصدقاء الشعب السوداني داخل المجلس وفي مقدمتهم المملكة المتحدة صاحبة مشروع القرار برفقة الولايات المتحدة وألمانيا والنرويج ، والدول التي صوتت لصالح تحقيق شفاف وعادل لضمان عدم الإفلات من العقاب.
وبعد ستة أشهر من اندلاع القتال تقول منظمات دولية، إن الوضع في السودان أصبح بمثابة كارثة وفشلت مبادرات الوساطة في التوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار أو إنشاء ممرات إنسانية آمنة ولا يظهر الصراع أي علامة على التراجع.
وتتزايد التقارير عن العنف، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس، فضلا عن العنف العرقي، وخاصة في غرب دارفور وتشير إلى أن هذا البعد العرقي للانتهاكات يُذكر بالجرائم التي ارتكبت قبل عشرين عاما، والتي دفعت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية.
سودان تربيون