فضائح “الجنائية” ربما كانت المسحة البائنة من تحرر الناس في بيروت تمنح الانطباع بزخم الحياة فيها.. لكن الحقيقة الأكيدة لا تفارق أنها مدينة بلا ضوضاء.. على مقربة من كتلة “الهدوء” كانت “دار الندوة” “تضج” بعدد من خبراء

كان لافتا للانتباه التأهب الأمني الذي يحيط بشوارع بيروت رغم حركة الناس ومعيشتهم بشكل طبيعي، وكأن اللبنانيين قد تعودوا على هذا الأمر نظرا لما تمر به بلادهم من صراعات وحرب أهلية وعدوان إسرائيلي على مر عقود من الزمان، بيروت كما تتراءى لزائرها تبدو هادئة والمسحة البائنة من تحرر الناس فيها هو ما يمنح الانطباع بزخم للحياة، كان لافتا ها هنا غياب الضوضاء عن الشارع اللبناني، أو لربما كانت الملاحظة تتعلق بشخص قادم لتوه من القاهرة، على كل، فالكل هنا يعمل في صمت أو بصوت منخفض.. وعلى مقربة من (الهدوء) نفسه كان “دار الندوة” (يضج) أمس الأول (الجمعة) بعدد كبير من خبراء القانون الدولي والصحافة والإعلام التأم شملهم في مقره بالعاصمة اللبنانية بيروت، لحضور الفعالية التي أقامها مجلس الشباب العربي والأفريقي، تحت عنوان (اختلال العدالة الدولية.. محكمة الجنايات الدولية نموذجا). ندوة (دار الندوة) أدارها محمد علي الجنون عضو المجلس التنفيذي، منسق الشرق الأوسط والعراق بمجلس الشباب العربي والأفريقي، وهي تجيء بعد الاتهام الأخير للجنائية الدولية بتلقي رشاوي بقيمة 17 مليون دولار لتكثيف الحركة والاتهام على الرئيس البشير.
التبصير بأهداف المحكمة
الندوة كانت بادرة طيبة لمجلس الشباب العربي والأفريقي، فالموضوع مهم على المستوى المحلي والدولي، وكان اختيار لبنان لإقامة الندوة موفقا، فبيروت مركز إعلامي وثقافي كبير، إضافة للقانونيين اللبنانيين الذين يتابعون القضية ويقفون بجانبها في المحافل الإقليمية والدولية، كما كانت الندوة تدشينا لعمل السفير علي الصادق السفير السوداني الجديد في بيروت والذي تولى مهام منصبه قبل أيام في لبنان، والذي تحدث في الندوة عن هذا الموضوع الذي شغل العالم مؤكدا على أهمية عقد مثل هذه الندوات في هذا التوقيت لتبصير الناس بأهداف الجنائية الدولية وبالذات على الدول الأفريقية ودول العالم الثالث. يقول الصادق إنه منذ بداية الحرب في دارفور في عام 2003 لم تقف الحكومة السودانية مكتوفة الأيدي بل تحركت السلطات من أجل الوصول إلى حل للمشكلة، كما طلبت مساعدة الاتحاد الأفريقي في إطار حلول أفريقية للمشاكل الداخلية، وبالفعل تم تكوين اليوناميد وهي قوات أفريقية تتولى المساعدة في مثل هذه الأمور، ولكن هناك ضغطا مستمرا بتمويل دولي للتركيز على القضية خارج الاتحاد الأفريقي، وتابع: بعدها تم التوقيع على اتفاقيتي أبوجا والدوحة، وكان هذا جهد سياسي ينبغي ألا يغفل عنه، مشيرا لأن السودان حاول الاستفادة من مبدأ التكاملية، بأن تكمل المحكمة ما يبدأه القضاء المحلي، وقال: لكن السودان لم يُمهل الفرصة، وبعدها توالت القرارات بنشر الشرطة والبوليس لاستتباب الأمن في دارفور وتحقيق المصالحات وحل المشاكل بين الرعاة والمزارعين، موضحا أن الجنائية تتناول حتى الآن 4 قضايا أفريقية في دارفور وسيراليون ويوغندا وكينيا، لكن ما يحدث في فلسطين على سبيل المثال وغيرها من الدول لا يهمها..!! وهذا يعكس الخلل في عملها بخلق وسيلة للسيطرة على القرارات السيادية في الدول النامية، لافتا إلى أن السودان لا يهتم بهذه المحكمة وليس عضوا بها، وقال: لا نرى إجبارا في التعاون مع جهة لسنا طرفا فيها، مشيرا لأن روسيا والصين وأمريكا لم يوافقا على ميثاق روما المكون لهذه المحكمة.
شراء الشهود
وحول ما حدث مؤخرا عن فساد المحكمة، بالإضافة إلى شراء الشهود الذين تم أخذهم خارج السودان في دول مجاورة في مصر وتشاد وأفريقيا الوسطى، بتوفير السفر والإقامات لهم، يبين السفير الصادق أن هؤلاء الشهود عادوا وقالوا إن ما نشر عنهم من أقاويل ليس حديثهم، وقال إن كثيرا من الشهود اعترفوا بذلك للحكومة وإن الحكومة وثقت هذه الاعترافات وأطلعت الدول الصديقة عليها، مؤكدا أن الاتحاد الأفريقي وقف وقفة قوية مع القضايا الأفريقية، وقال: سوف نعمل للانسحاب من هذه المحكمة.
الجنائية مسيسة
من جانبه أكد منير شفيق المفكر العربي المعروف أن المحكمة الجنائية هي الأنياب، ومدعيها أوكامبو السابق وفاتو بن سودة الحالية هما المخالب، وإن المتحكم الحقيقي فيها هو الإدارة الأمريكية والصهيونية العالمية. وقال إن أمريكا هي التي تختار الذين يتقدمون لهذه المحكمة، والهدف وضع الدولة الضحية من أجل التهديد السياسي، مضيفا: بالرغم من توقيع 140 دولة على ميثاق روما لم توقع أمريكا رغم تحكمها في المحكمة، والجنائية ليست لها أي علاقة بما تفعله الدول الكبرى ولهذا يجب أن تكون مرفوضة، وتابع: مسعى المحكمة متناقض وانتقاؤها للدول المعرضة للمساومة والقائمة تطول في ذلك، مشيرا إلى أن أوكامبو كان لا يتحرك في قضايا القتل والإبادة في فلسطين والعراق ورفض ما حدث من إبادة وتعذيب بسجن أبو غريب، وكذلك ما يفعله الكيان الصهيوني والجرائم التي قام بها في غزة ولبنان، وقال: ترك أوكامبو كل هذا وركز في اتهامات ضد الرئيس البشير، وقد أرادت الإدارة الأمريكية ابتزاز السودان في هذا الموضوع، مؤكدا أن هذه المحكمة فاسدة ومسيسة ومزدوجة المعايير، وقال: لا يجب أن يعترف بها أحد في العالم إلا بعد أن تتخلص من النفوذ الصهيوني عليها.
نظامها أعرج
أما الدكتور حسن جوني الأستاذ بالقانون الدولي فقد أكد أن القانون الدولي هو صناعة أوروبية، وأنه يقوم من أجل مصالح المستعمرين، لافتا إلى أن القانون الدولي الجنائي أقيم ضد الدول الفقيرة، متسائلا: هل استطاعت المحكمة الجنائية أن تلبي آمال الناس في العدالة؟، موضحا أنه عندما انضمت الدول الأفريقية إلى هذه المحكمة كان هناك تشجيع مالي من أمريكا، وقال إن هذه الدول التي انضمت كانت تعتقد أن هناك عدالة نوعية دولية سوف تأتي، مؤكدا أن نظام الجنائية أعرج، وقال إنها رفضت حتى تسمية العدوان باحتلال العدوان، ورأى جوني أن أي قضية يفضل أن تحل إقليميا، وقال: في السودان حدث العكس، كانت القضية في الاتحاد الأفريقي وحولت إلى مجلس الأمن، مؤكدا أن حصانة الرئيس لا تمس مهما كانت الأسباب، وقال: هذا وضعناه نصا في الجامعة العربية التي كنت أعمل خبيرا بها، مضيفا: الرئيس الذي يذهب من تلقاء نفسه للمحكمة هو حر، مستدركا في الوقت نفسه أنه لا يمكن أن يحاكم رئيس وهو في الحكم وأنه ليس من حقه ذلك حتى ولو تقدم طواعية، لأن حصانته من سيادة الدولة، ويجب أن نتمسك بالحصانات الشرعية للرؤساء، موضحا أنهم كانوا يريدون محاكمة البشير وبشار الأسد وإيميل لحود، وقلنا لهم: في الأردن هل توافقون أن يحاكم الملك؟، مؤكدا أن كل المحاكم الدولية مسيسة، مستشهدا بحديث رئيس الصياغة في الجنائية والذي قال فيه إن المحاكم الدولية مسيسة، كما سرد جوني نماذج عديدة تثبت ذلك منها ما قاله رئيس حلف الأطلسي لرئيس محكمة بأننا (سمحنا لك بالإدعاء)، موضحا أن التحقيق في قضية السودان ارتكز على تقارير منحازة جدا، وأن الشهود قالوا: لم نقل ما نشر عنا من شهادات، مؤكدا أن الحل في إنشاء محكمة جنائية خاصة بأفريقيا بعيدا عن الإمبرالية العالمية وأن يلتفت فيها للعرف وتقاليد الناس في الأحكام والعدالة.
الاستهداف واقع
الدكتور ليلى بديع الكاتبة والمحللة السياسية اللبنانية والتي زارت السودان كثيرا وتحيط بقضاياه جيدا استعرضت من جانبها قضية دارفور من بدايتها وجهود الحكومة بالحل فيها، وألقت الضوء على الحركات في دارفور وعلى الدور الذي لعبته تشاد والتي أصبحت جزءا من الحل بعد أن كانت تحرض وتساعد الحركات في بداية الأزمة، مؤكدة أن دارفور خلقت صراعا متواصلا ومستمرا في السودان، وقالت إن القضية ليست قضية تهميش، فقلة التنمية ليست بدارفور فقط وإنه يعاني منها الجميع في السودان، مؤكدة أن استهداف السودان موجود وواقع يجب أن نعترف به ونواجهه.
وفي الختام كرم علي الصادق السفير السوداني ببيروت بجانب القائمين على مجلس الشاب العربي والأفريقي المتحدثين بالندوة.

اليوم التالي

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.