ما يناهز الـ5 آلاف سوداني يعيشون في العاصمة اللبنانية دون أن يشكلوا أي إزعاج للسلطات.. زيادة في الأسعار.. كهرباء تقطع يوميا ورخاء يبدده الصراع الداخلي والاستهداف الخارجي.. الحياة في بيروت

على هامش فعالية أقامها مجلس الشباب العربي والأفريقي، في العاصمة اللبنانية تحت عنوان (اختلال العدالة الدولية.. محكمة الجنايات الدولية نموذجا)، كانت لـ(اليوم التالي) جولة في شوارع بيروت.. العاصمة اللبنانية تشعرك من اللحظة الأولى بأنك في بلد نظيف جدا، ورغم ضيق الشوارع والزحام الشديد، إلا أنك تشعر بأنك في بلد تم تخطيطه جيدا من شدة نظافة الشوارع، وربما كان هذا مبررا لحديث نقله عن وزير الصحة اللبناني تليفزيون الجديد بلبنان عندما سئل لماذا لم يجلس الوفد اللبناني في موريتانيا فترة اجتماعات القمة العربية المنعقدة حاليا هناك بنواكشوط فقال إن موريتانيا غير مهيئة بيئيا ولا صحيا لإقامة الوفد، وعندما تعجبنا من حديث الوزير وكيف يتحدث مسؤول بهذا الحجم عن دولة بهذا الشكل تبين لنا أن وزير الصحة اللبناني تعود على مثل هذه التصريحات فطوال الوقت يقول هذا المطعم غير مطابق، وذاك غير صحي وهكذا..!!
لا ضوضاء
كان لافتا للانتباه التأهب الأمني الذي يحيط بشوارع بيروت رغم حركة الناس ومعيشتهم بشكل طبيعي، وكأن اللبنانيين قد تعودوا على هذا الأمر نظرا لما تمر به بلادهم من صراعات وحرب أهلية وعدوان إسرائيلي على مر عقود من الزمان، الحياة في لبنان كما تبدو لنا هادئة مصحوبة بتحرر الناس والذي قد يعطي انطباعا بزخم للحياة، مع عدم وجود ضوضاء في الشارع اللبناني فالكل يعمل في صمت أو بصوت منخفض.
برمجة قطوعات
بالنسبة لمعيشة الناس فالغلاء يسيطر على العاصمة اللبنانية كما هو الحال في السودان ومعظم البلدان، ورغم ما أكده لنا البعض من قوة الاقتصاد اللبناني إلا أن الناس يتحملون كل شيء حتى التعليم لا تصرف عليه الحكومة، والمواطنون يتحملون نفقاته والتي تصل إلى آلاف الدولارات، حتى الكتب الدراسية يشتريها أولياء الأمور بأسعار باهظة، كانت الكهرباء أيضا لافتة للانتباه بتكرار انقطاع تيارها، وتبين لنا بعد السؤال أن هناك برمجة يومية قد تصل إلى 3 ساعات من القطع، وأن هناك أزمة حقيقية في موضوع الكهرباء.
تعامل بالدولار
في بيروت أيضا الأسعار باهظة للعقارات، فشقة متواضعة في حي بسيط تكلفك ما لا يقل عن (1500) دولار شهريا كإيجار، و150 ألف دولار للتمليك، في لبنان يمكنك أن تتعامل بالدولار في أي مكان في السوبر ماركت في باركنج السيارات في الصيدليات في جميع الأماكن، لو لم تكن معك ليرة لبنانية فلا عليك فلبنان تتعامل بكل العملات، حتى في المطار يتم أخذ 20 دولارا رسوم تأشيرة، ولو كان لك باقٍ يرد بالليرة اللبناني ولا يرد بالدولار وهذا إجباري، كما يشترط لدخولك للبنان بجانب حجز فندق وجود مبلغ (2000) دولار معك حتى يسمح لك بالدخول، وهذا يعكس كيف أن اللبنانيين يستطيعون أن يحصلوا على العملة الصعبة بطرق مختلفة.
الصحف اللبنانية
أهم ما لفت انتباهنا هو الصحف اللبنانية التي عرفنا أنها ليست كثيرة ولكنها مؤثرة، واطلعنا على بعضها مثل السفير واللواء والأخبار والمستقبل، وكان لافتا أن معظم الصحف اللبنانية تركز على القضايا اللبنانية الداخلية في قالب يغلب عليه التقرير المصحوب بالرأي، ففي صحيفة السفير مثلا، لا تجد أخبارا بالصفحة الأولى، بل هي تقارير إخبارية صغيرة لا يخلو الرأي الحزبي منها، وذلك لأن الصحف في لبنان معظمها ناطقة بلسان أحزاب كحزب الله وتيار المستقبل وغيرهما من الأحزاب اللبنانية التي تتفاعل بقوة إلى حد الصراع في الداخل اللبناني.
شارع الحمراء
كانت إقامتنا في بيروت في شارع الحمراء والذي يتميز بشهرة عالمية لما به من حركة ومقاهٍ وملاهٍ ليلية، عرفنا أن المنطقة يسكنها السنيون رغم هذا التحرر الكبير الموجود بها، لكن يبدو أن التحرر سمة أساسية في الشعب اللبناني على مختلف توجهاته، ذهبنا إلى منطقة الروشة التي تمتد كما تمتد لبنان على ساحل البحر المتوسط في منظر بديع يرشح هذا البلد لأن يكون سياحيا من الدرجة الأولى، غير أن الحروب التي تآمرت على لبنان من الداخل والخارج جعلته ضحية صراعات داخلية واستهداف خارجي، شاهدنا قصورا خليجية وسعودية على وجه الخصوص ولكنها خاوية ولم يعد يزورها أحد نتيجة لما يحدث بلبنان، سألنا عن حسن نصر الله، قيل إنه يعيش في منطقة ضيقة جدا وسط أتباعه، وإن تحركاته قليلة جدا، ولم يعد يظهر إلا في مناسبات قليلة ويخاطب الناس عن طريق دائرة تليفزيونية ضيقة.
ست الدنيا
بيروت يطلق عليها الكثيرون (ست الدنيا) جرياً وراء كلمات أغنية للفنانة ماجدة الرومي، وبالمشاهدة ربما كانت تستحق الوصف، لجمالها وبساطة مواطنيها وسحرها رغم كل ما تعانيه من حروب وصراعات سياسية واستهداف خارجي، والمؤكد أن أياما معدودة لا تكفي أبدا لنقل صورة لبنان بمعيشته ومعاناته وتجربته الطويلة.
“مركز إعلامي مهم”
وعلى هامش ندوة (اختلال العدالة الدولية.. محكمة الجنايات الدولية نموذجا)، التي يسر لنا القائمون على مجلس الشباب العربي والأفريقي ممثلا في أمينه العام عوض إبراهيم حضورها في بيروت تحدث السفير علي الصادق لـ(اليوم التالي) موضحا أن هذا العمل يأتي في إطار نشاطات مجلس الشباب العربي والأفريقي والذي شكره على ذلك، وقال الصادق إن لبنان قد يكون بداية لها من بعدها، مضيفا: سوف يمتد نشاط المجلس إلى بلدان أخرى في هذا الموضوع، مؤكدا أن لبنان مركز إعلامي مهم، وبه الكثير من المهتمين والقانونيين الذين يلاحقون القضايا العربية، ومنها قضايا السودان، وقال: اختيار لبنان كان موفقا، ونحن نعمل الآن على أن تكون انطلاقة في هذا الموضوع للتحرك إلى دول أخرى لشرح موقف السودان، وموقف الدول الداعية كلها.
تضامن أفريقي
يقول السفير الصادق حول موضوع الجنائية عندما استنطقناه: الاتحاد الأفريقي اتخذ موقفه من المحكمة الجنائية، سواء أسقطت التهم الموجهة إلينا أم لا، لكن موقف الاتحاد الأفريقي كان مبنيا علي حيثيات كبيرة، لأنه لا يعقل أن ينشئ المجتمع الدولي محكمة كاملة بميزانية مليارات الدولارات في العام من أجل أفريقيا فهذا أمر غير مقبول, لافتا إلى أن الدول الأفريقية وعدت بالانسحاب الجماعي من المحكمة الجنائية الدولية، وإن هذا سيسحب البساط من تحت المحكمة، وقال إن هناك أكثر من 20 دولة أفريقية متهمة في هذه المحكمة، والرئيس الكيني الحالي رغم أنه مثل أمام هذه المحكمة إلا أنه كان داعما بقوة لما تم الاتفاق عليه في قمة كيجالي الأخيرة، والتفسير أنه كان في البداية واثقا من موقفه الشخصي، وثانيا يقف مع الاتحاد الأفريقي في القرار الجماعي الذي تتخذه الدول الأفريقية، مضيفا: كينيا لا تشذ عن الموقف الأفريقي، وهذا يعكس التضامن بين الدول الأفريقية، فبعد أن برأ نفسه مع المحكمة وقف مع الدور المعارض أمام الجنائية التي نزل أمامها، مؤكدا أن موقف السودان كان رافضا للمحكمة منذ البداية، وأن الخرطوم لم تضع لها اعتبارا، وقال إن تحركاتنا كانت عادية ليست لها علاقة بما يصدر من هذه المحكمة فهذا شأن يخصها، كما أكد أن ضعف المحكمة الجنائية الأساسي أن الدول التي تتحرك من أجل هذه المحكمة ليست أعضاء فيها.
العلاقات السودانية اللبنانية
وتطرق الصادق في تصريحاته لـ(اليوم التالي) إلى العلاقات السودانية اللبنانية، مؤكدا أنها علاقات جيدة ما بين المواقف المشتركة في القضايا الإقليمية والدولية، وأن هناك تعاونا واضحا في ما يتعلق بالتنسيق السياسي بين السودان ولبنان في المحافل الإقليمية والدولية. وقال: لدينا على المستوى الثنائي مبادارات تجارية جيدة، وهناك استثمارات لبنانية بالسودان، وأيضا هناك جالية لبنانية في الخرطوم تعمل كلها في مجال التجارة، والدولة تعطي عناية خاصة بهذ الاستثمارات، حتى تشكل نجاحا بين البلدين، وتابع: لدينا أيضا جالية سودانية كبيرة بلبنان تحتاج إلى رعاية، وإلى متابعة قضاياها الهجرية والقنصلية والمعاملات التي يحتاجون لها بالسفارة، فضلا عن الاهتمام الذي يبديه السودان في التطورات في المنطقة، ولبنان جزء منها، مضيفا: حتى الآن لدي أسبوع تقريبا بلبنان أجريت فيه مقابلتين في وزارة الخارجية اللبنانية، ما سمعته من المسؤولين بالخارجية أن السودانيين لا يشكلون أي إزعاج في لبنان، ولا حتى في الموقع العشرين من الجنسيات الأخرى في ما يتعلق بإثارة المشاكل، فلدينا جالية ملتزمة بالقوانين، موضحا أن هناك حوالي 2000 سوداني يقيمون إقامة شرعية في لبنان ليست لديهم أي مشاكل وملتزمون بالقوانين، يقومون بواجباتهم كاملة، وقال إن هناك أقل من هذا العدد من السودانيين الذين ليست لديهم إقامات، ويحاولون توفيق أوضاعهم، ولكنهم في نفس الوقت غير متورطين في أي جرائم أو أشياء تخل بالقانون والأمن بالبلد، وتابع: هناك 600 لبناني في المقابل بالسودان،
مؤكدا أنه سيبذل المزيد من الجهد من أجل ترقية العلاقات بين السودان ولبنان. وختم السفير السوداني في بيروت حديثه معنا: جئت إلى لبنان قبل أيام لأمارس عملا جديدا بعد مهمة الناطق الرسمي بالخارجية وما قبلها، هذه هي الحياة الدبلوماسية تكلف بمهمة معينة لخدمة بلدك ووطنك وخدمة البلد الذي تعيش به، وتوثق العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات وتذهب إلى الخرطوم لتكلف بعمل آخر لفترة من الزمن وهكذا.. فنحن رهن لخدمة الوطن في أي موقع نُكلف به.

اليوم التالي

Exit mobile version