المخرج محمد كردفاني يكشف كواليس أول فيلم سوداني بدور العرض المصرية

“من أجمل وأرق وأقوى وأعنف ما شاهدته.. فيلم وداعا جوليا روحوا شوفوه شكرا لكل صنّاعه”.. كانت تلك الكلمات التي وصف بها المخرج الكبير يسري نصرالله الفيلم السوداني “وداعا جوليا” الذي تمكن من أن يتصدر البحث على مواقع التواصل الاجتماعي مع عرضه الأول بالقاهرة، محققا إيرادات كبيرة جداً بأول أيام عرضه، وهو ما لم يتوقعه الجميع بل يتم فتح له عدد أكبر من شاشات العرض بعد أن رفعت عروضه لافتة “كامل العدد” ليصل إجمالي عدد السينمات التي يعرض بها من 12 لـ 30 دار عرض.

هذا ما أكده المخرج السوداني محمد كردفاني في حواره مع “العربية.نت”، الذي أضاف أنه حزين لأنه لم يتمكن من التواجد في العرض الخاص الذي أقيم للفيلم بالقاهرة، ولكنه سعيد برد الفعل ورسائل التهنئة التي قرأها بالكامل، وسعيد بوجود والدته وتقديمها للفيلم بالنيابة عنه، وسعيد بتجديد الأمل والعاطفة الوطنية التي يصنعها الفيلم للسودانيين في هذه الظروف.

*حدثنا عن فكرة عرض فيلمك في دور العرض المصرية؟

**عندما علمت بعرض الفيلم بدور العرض المصرية شعرت بحالة من التفاؤل والخوف، فهو أول فيلم سوداني يتم طرحه تجاريا بمصر، ولكن مع زيادة دور العرض التي يُعرض بها الفيلم من 10 قاعات لتصل إلى 30 قاعة، أكيد أشعر بالسعادة الغامرة، خاصة مع ردود الفعل التي تصلني من وقت لآخر، وحالة الحب التي تم استقبال الفيلم بها.

فقد وصلتني كل ردود الفعل، وسعيد بتجديد الأمل والعاطفة الوطنية التي يصنعها الفيلم للسودانيين في هذه الظروف، والحقيقة لدي شعور مزدوج ما بين الحسرة على ما يحدث في بلدي من حرب طاحنة تسببت في نزوح مئات الآلاف من السودانيين إلى مصر، وبين فرحتي لأن العمل جزء من السودانيين وبإمكانهم متابعته في بلد مؤهل لاستقبال الآلاف داخل دور العرض. وهناك الكثير من دور العرض ممتلئة على آخرها، وتكررت طوابير السودانيين والمصريين للبحث عن تذكرة.

*وهل توقعت كل هذا الإقبال الجماهيري على الفيلم بمصر؟

**الحقيقة أن هذا الإقبال أكبر مما تخيل منتجو الفيلم، في حالة الاهتمام به من جانب الجمهور المصري الذي حرص على الحضور في العديد من الفعاليات التي جرى تنظيمها لمناقشة الفيلم، وبرهنت على وجود تبادل ثقافي مهم، ومثلما اعتاد السودانيون على متابعة الأفلام المصرية فإن البعض المصريين دشنوا ارتباطهم بالسينما السودانية من خلال “وداعا جوليا”.

*حدثنا عن تفاصيل الفيلم وما الذي يتناوله؟

**قصة الفيلم حول سيدتين تمثلان علاقة معقدة واختلافات بين مجتمع شمال السودان وجنوبه، إذ تدور الأحداث في الخرطوم قبل فترة قصيرة من انفصال جنوب السودان عام 2011، عن “منى” المغنية الشعبية السابقة من الطبقة المتوسطة والتي تنحدر من شمال السودان، وتعيش مع زوجها “أكرم”، وتحاول التخفيف من شعورها بالذنب للتسبب في وفاة رجل جنوبي من خلال توظيف زوجته “جوليا” كخادمة في منزلها ومساعدتها سعيا للتطهر من الإحساس بالذنب. فالفيلم يتناول قضية انفصال الجنوب عن السودان من خلال قصة إنسانية تتمثل في شكل صداقة بين شخص شمالي وآخر جنوبي، ويناقش مشكلات ترتبت على مساعي فرض الهوية العربية الإسلامية على دولة تتسم باتساع الهويات وأشخاص غير مسلمين أو عرب، ما كان سبباً لتصبح العنصرية حاضرة مع تهميش قطاعات كبيرة من الناس. ومن أوجه ذلك استعلاء الشمال على الجنوب، كما تناول أيضا كافة المشكلات التي تعرض لها السودانيون في فترة ما قبل انفصال الجنوب التي قادت إليه، من عدم عدالة، وعنصرية وقبلية ووجود نظام أبوي يسعى لفرض رؤيته وهيمنته على الجميع.

*وما هي الصعوبات التي واجهتك وقت التحضير وتصوير الفيلم؟

**الفيلم بالفعل واجه ظروفا صعبة في جميع مراحله، لأنه مع بدء الإعداد له في العام 2019 كان السودان يعاني أوضاعا صعبة عقب اندلاع ثورة أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير. ومع بدء مراحل التصوير حدثت أحداث أكتوبر 2021، وكان هناك إصرار على تصويره على الرغم من خروج احتجاجات شعبية، ووجود مشكلات تعرّض لها فريق العمل جراء انقطاع الكهرباء والإنترنت. كما واجهنا مشكلات إغلاق الطرق وإطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، وكان التحرك صعبا للغاية مع التضييق الذي واجهه منتجو العمل من جانب الجهات الأمنية، لكن كان هناك إصرار على تصويره.

ومع عرض الفيلم جاءت الحرب الأخيرة التي أكملت سلسلة من الظروف السيئة المحيطة به، فالفيلم يلقى الضوء على الواقع الاجتماعي، ويرصد جزءا حقيقيا وكان شاهدا على الصراع الدائر في السودان. الفيلم يعد جزءا من الثورة السودانية، ولا توجد مبررات لتأجيله، فأنا أرفض أي خطوات من شأنها تأجيل الفن أو إرجاؤه انعكاسا لأوضاع سياسية حرجة، وأن ما يتم تقديمه من إبداع قادر على أن يخفف من أوجاع الجمهور ويمنح الأمل في الغد.

كما أن هناك قناعة بأن اليأس قادر على أن يقتل المدنيين الأبرياء إن لم يقتلهم الرصاص، وتتماشى هذه الرؤية مع رسالة فيلم “وداعا جوليا”، وجاءت النهاية لتنبذ كافة أشكال التعصب وتدعو إلى التسامح، وإن لم يسفر عن تصالح، فقد استطاعت سيدتان متباعدتان على جميع المستويات التقارب والتصارح وامتلكتا القدرة على المواجهة.

*الفيلم تمكن من تحقيق العديد من الخطوات المهمة منها ترشيحه للأوسكار.. فما تعليقك؟

**إن خطوة ترشيح الفيلم للأوسكار تمثل إنجازا مهما للفيلم، وللسينما السودانية التى أصبحت محط أنظار الكثير من المخرجين وصناع السينما، بعد أن حققت نجاحا ملحوظا، وحصدت الكثير من الجوائز في المهرجانات الدولية، ومنها “مهرجان كان السينمائي الدولي”، حيث فاز الفيلم بجائزة الحرية، وشهد عرضه العالمي الأول. والحقيقة أن السنوات الخمس الماضية كانت شاهدة على ما يمكن وصفه بأنها موجة فنية عبر تقديم عدد قليل من الأعمال جرى إعدادها بشكل جيد، ونالت إعجاب الجمهور وحققت جوائز عربية ودولية، وهذا التطور ارتبط بقدرة المبدعين السودانيين على الانفتاح الخارجي والتعرف على أساليب الإنتاج الحديثة، وأضحى هناك تواصل بين الأفراد الذين أبدوا اهتماما بالإنتاج السينمائي، وساهم ذلك في تعاونهم على تقديم أعمال جيدة.

العربية نت

Exit mobile version