حذّرت تقارير سابقة من أنّ سد النهضة سيترك تأثيرات مستقبلية وخيمة على مصر، تتمثل في فقدان ثلث الأراضي الزراعية مع نضوب المياه الجوفية وتراجع الثروة السمكية، وزيادة ملوحة الأراضي، فضلاً عن خسائر اقتصادية كبيرة.
يثير فشل المحادثات حول سد النهضة الإثيوبي مخاوف متزايدة من تأثيراته السلبية على مصر والسودان، وهما دولتان تعتمدان بشكل كبير على مياه نهر النيل لتلبية احتياجاتهما المائية والزراعية والاقتصادية.
وتزايدت المخاوف مؤخراً، بسبب عدم التوصل إلى اتفاق حول كيفية ملء وتشغيل سد النهضة، الذي تنوي إثيوبيا تشغيله بشكل كامل، وهذا الفشل يزيد من حدة التوترات بين الدول الثلاث ويفتح الباب أمام تداعيات محتملة تتعلق بالأمن المائي والسياسي.
وتبادلت مصر وإثيوبيا الاتهامات حول المسؤولية عن عدم نجاح المفاوضات الأخيرة بشأن سد النهضة التي عُقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، واستمرت ليومين دون أن تحقق أي تقدّم باتجاه حل الأزمة.
وأفاد بيان وزارة الري المصرية مساء الأحد 24 سبتمبر/أيلول الماضي، بأنّ إثيوبيا تراجعت عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، ورفضت الأخذ بأيٍّ من الحلول الوسط المطروحة.
وفي المقابل، اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية، مصر بالتمسك ببنود معاهدة “تعود للحقبة الاستعمارية”، والمطالبة بحصة من المياه، وهو ما أسهم في عدم تقدم المفاوضات.
وجاءت المفاوضات الأخيرة حول سد النهضة بعد توقف دام أكثر من عامين، وذلك على خلفية فشل مبادرة الاتحاد الإفريقي بهذا الشأن.
وبينما تصرّ مصر والسودان على إبرام اتفاق مُلزم مع إثيوبيا بشأن ملء السد وتشغيله، تواصل إثيوبيا تعنّتها مؤكّدة أنّها لا تُلحق الضرر ببلدان المصب، حيث أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، نجاح ملء الجولة الرابعة والأخيرة من سد النهضة، لتردّ الخارجية المصرية بأن إعلان أديس أبابا ينتهك الاتفاقيات ويُعيق تقدّم المفاوضات الماضية.
وحذّرت تقارير سابقة من أنّ سد النهضة سيترك تأثيرات مستقبلية وخيمة على مصر، تتمثل في فقدان ثلث الأراضي الزراعية مع نضوب المياه الجوفية وتراجع الثروة السمكية، وزيادة ملوحة الأراضي، فضلاً عن خسائر اقتصادية كبيرة.
ويقول الباحث والأكاديمي المصري محمد سليمان الزواوي، إنّ “فشل المفاوضات كان متوقعاً بالنظر إلى تاريخ سلوك المفاوض الإثيوبي، الذي تُعد استراتيجيته الرئيسية هي كسب الوقت عن طريق استخدام المفاوضات أداةً وليس وسيلةً للوصول إلى حلول مشتركة”.
ويؤكد الزواوي في حديثه معTRT عربي، أنّ الهدف الرئيسي لإثيوبيا على المدى البعيد، هو تقليل حصة مصر من المياه وبيع المياه لدول المصب، فيما تهدف مصر إلى عدم تقليل حصة المياه أو شرائها من دولة المنبع مع إطالة أمد عملية ملء خزان السد، ووضع إطار قانوني ملزم ينظم عملية تصريف المياه.
ويضيف أنّ مصر لم تتأثر كثيراً حتى الآن؛ بسبب تحقق طلبها بإطالة أمد خزن المياه، وأما السودان فيعدّ أقل تضرراً في الحالتين باعتبار أنّ لديه وفرة مائية على مدار العام ولا يحصل من حصّته البالغة 19 مليار متر مكعب إلا على 9 مليارات فقط، ويمرّر الباقي إلى مصر.
ويلفت الأكاديمي المصري إلى أنّ مصر ترى أنّ “الحل الأمثل هو الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم ينظّم عملية تصريف المياه عبر السدّ، وقد رفضت إثيوبيا ذلك المقترح رفضاً جازماً، لذا من غير المتوقع أنّ يكون هناك اتفاق يمكن أن يَلوح في الأفق”.
وعن أهمية التعاون بين مصر والسودان لتوحيد المواقف وزيادة الضغط على إثيوبيا، يشدد الزواوي على أنّ “التعاون المصري السوداني يعطي زخماً كبيراً للقاهرة، ويعطي القضية بُعداً دولياً متعدد الأطراف وليس ثنائياً، كما أنّ قرب السد من الحدود السودانية يعطي السودان أفضلية جغرافية في حال رغبت مصر في توجيه ضربات عسكرية أو حتى السيطرة على السد”.
ويكشف الزواوي عن أنّ “مصر تعمل على حشد الدول الأخرى في منابع النيل مثل أوغندا والكونغو، بعقد شراكات في مجالات البنية التحتية والتعاون العسكري لربط مصالحها بالمصلحة المصرية”.
ولا تختلف تأثيرات السد الإثيوبي على السودان كثيراً عن تأثيراته المصرية، لكن يضاف إليها أنّه يعد بمثابة قنبلة موقوتة، سيبتلع في حال انهياره، معظم السدود والقرى والقصبات والمدن السودانية.
ويرى مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، الدكتور أحمد المفتي، أنّ فشل مفاوضات سد النهضة، جاء لصالح إثيوبيا؛ لأنّ المفاوضات تقنن لها أعمالها الأحادية، ولا تجبرها على الوفاء بأيّ من التزاماتها.
وفي حديثه مع TRT عربي، يلفت المفتي إلى أنّ الخبراء المتحفظين على سد النهضة يرون أنّ تأثير فشل المفاوضات على السودان ومصر أكبر بكثير مما يتخيله البعض، لأنّ المفاوضات ينبغي أن تتوصل إلى موافقة إثيوبيا على ما هو أهم من قواعد الملء والتشغيل، والخطوط الإرشادية.
ويوضح أنّ بنود التفاوض تشتمل على إلزام إثيوبيا باتخاذ إجراءات وخطوات محددة في حال انهيار السد بشكل كلّي أو جزئي لأي سبب من الأسباب، وسيكون ذلك على نفقة إثيوبيا، كما يُلزمها بدفع تعويضات فورية وعادلة، عن كل ضرر يُحدثه السد، بما في ذلك فقدان ري الجروف، وكمائن الطوب الأحمر، وتغذية المياه الجوفية، والري والغابات، وتهجير السكان، والآثار البيئية السالبة.
ويتابع المفتي -وهو عضو سابق في لجنة التفاوض حول السد- قائلاً: “المفاوضات اشتملت أيضاً كل ما يتعلق بالأمن المائي وإلزامية التحكيم، وتقديم جميع المعلومات الهيدروليكية في الوقت المناسب، حتى يستطيع السودان تشغيل خزاناته، بكفاءة عالية، مع إلزامها بعدم التحكم في المياه لأغراض سياسية، وعدم بيع المياه إلا بموافقة الدول الثلاث”.
وحول مخاطر انهيار السد على السودان، يبيّن المفتي نقلاً عن وزير الري السوداني، أنّ انهيار السد سوف يُغرق نحو 20 مليون مواطن، لأنّ التخزين الحالي في سد النهضة بلغ 40 مليار متر مكعّب، وعلى ارتفاع شاهق، في حين أنّ سعة خزان الروصيرص السوداني تبلغ 7.5 مليار متر مكعب، بمعنى أنّه لا يستطيع استيعاب المياه إذا ما انهار سد النهضة، إضافةً إلى ذلك لا توجد ترتيبات طوارئ لتصريف المياه، مثل مفيض توشكا في مصر.
وينتقد المفتي موقف الحكومات السودانية المتعاقبة منذ بداية المفاوضات عام 2011، التي “فرّطت بشكل كبير في حقوق السودان المائية، وحصرت مطالبها في قواعد الملء والتشغيل والخطوط التوجيهية فقط”.
ويشدد المفتي على أنّ “التنسيق بين القاهرة والخرطوم والتعاون المتعلق بتوحيد المواقف التفاوضية، أمر إلزامي نصّت عليه اتفاقية 1959، المبرمة بينهما، ولكن ما يساعدهما على التعاون والتنسيق، هو تطابق مواقف كل منهما، مع بعض الاختلافات في اهتماماتهما، إذ إنّ السودان همّه الأول سلامة السد، في حين أنّ ذلك لا يشكّل أولوية لمصر، بسبب بُعدها الجغرافي من السد، ولأن لديها ترتيبات لاستيعاب مياه انهيار السد”.
ورغم أنّ الأمور لا تزال حالياً تحت السيطرة، لكنّ خبراء حذّروا من أنّ أزمة المناخ قد تزيد التوتّرات في منطقة سد النهضة، لا سيّما مع تضاؤل فرص التوصّل إلى حلول دبلوماسية لتسوية النزاع الثلاثي حول مياه النيل.
تقرير – TRT عربي