شبح الجوع يخيم على السودان.. قسوة الحرب تنسف “سلة غذاء العرب”

لطالما عُرف السودان بأراضيه الخصبة الشاسعة، التي اعتبرها العرب ذات يوم “سلة غذاء” للوطن الأوسع من الخليج إلى المحيط، إذ لا ينقصها سوى الاهتمام والاستثمار.

لكن الحال لم يعد كما كان، بعد أن طال أمد الحرب في السودان، وأُرهقت الأرض بقلة الأمطار وعدم الجاهزية، ما أدى إلى تردي المحاصيل، وتزايد أخطار الجوع والنزوح والمرض.

ومنذ منتصف أبريل / نيسان 2023 يشهد السودان حربا بين الجيش وقوات “الدعم السريع” خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، فضلا عما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.

وساهمت قلة الأمطار والمدخلات الزراعية (الأسمدة والتقاوي) في تدني الإنتاجية المتوقعة من الذرة والفول السوداني، وهما من أبرز المحاصيل في الموسم الصيفي، ما يعني التأثير المباشر على الموسم الشتوي.
وقال مزارعون لـ”العين الإخبارية”، إن الموسم الشتوي بدأ ناقصا من حيث التقاوي، إذ تسلم المزارعون 50% فقط من تقاوي القمح، من دون أسمدة مثل (اليوريا وسوبر فوسفات) الأمر الذي يعني عدم وجود ضمانات لنجاح الموسم الشتوي.
آثار الخصخصة
بالنسبة إلى المزارع بمشروع الجزيرة، فيصل عبد الله، فإن الموسم الشتوي المرتقب بدأ بدون تحضيرات كافية، وأن 90% من أراضي المشروع ليست جاهزة للزراعة.
وأشار عبد الله في حديثه لـ”العين الإخبارية”، إلى أن البنك الزراعي، المعني بتمويل العمليات الزراعية قلص تمويله إلى حدود أدنى.
وبداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، خضع مشروع الجزيرة للخصخصة، وتخلت الدولة عن التمويل كليا عقب السياسات المستمدة من قانون مشروع الجزيرة 2005.
من جهته يقول المزارع أحمد الوسيلة، إن مشروع الجزيرة الذي يعتبر من أكبر المشاريع الزراعية المروية في أفريقيا ويقع على مساحة تصل إلى نحو 2.2 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، انهار بشكل غير طبيعي.
وأوضح الوسيلة في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن البنية التحتية للمشروع تدهورت أيضا، ما يعني أن المشروع يحتاج إلى إعادة ترميم ليعود إلى سيرته الأولى.
ويُشكل القطاع الزراعي ميدانا مفتوحا لاستقطاب الأيدي العاملة والتخفيف من نسبة البطالة؛ فيما تمثل إيرادات القطاع الزراعي ما نسبته 48 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للسودان.
خدمات ضعيفة

ومع تصاعد نيران الحرب الدائرة في العاصمة الخرطوم وعدة مدن سودانية أخرى، عاد الهاربون من المدن الكبيرة المتأثرة بالصراع الدموي إلى قراهم وبلداتهم الصغيرة للاحتماء بدفء الأسرة، لكن عودتهم كانت بلا شيء يعينهم على مواصلة الحياة.
فالخدمات الحيوية في القرى ضعيفة للغاية، والمشاريع الزراعية المُنتجة خاصة في مشروع الجزيرة انهارت بسبب التردي المستمر الأمر الذي أدى إلى تفاقم المعاناة.
بالنسبة إلى الخبير الاقتصادي، أحمد التهامي، فإن الآلاف من المزارعين الذين يحتضنهم مشروع الجزيرة يعيشون حالة مربكة بسبب السياسات الزراعية، واضطرتهم هذه السياسات لترك القرى وهجر الزراعة هربا للبحث عن الحياة في العاصمة الخرطوم، أو الهجرة للعمل في الخارج.
وأوضح التهامي في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن المشروع يعاني حاليا من حالة شلل تام، وأصبحت العلاقة بين المزارع والحكومة جباية فقط.
الكارثة المتصاعدة
يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنه مع دخول النزاع في السودان شهره السابع، يتزايد المرض والنزوح والجوع، مما يعرض ملايين آخرين للخطر، وهناك حاجة ماسة إلى تكثيف الجهود الإنسانية والإنمائية لتجنب هذه الكارثة المتصاعدة.
وذكرت الأمم المتحدة في بيان اطلعت عليه “العين الإخبارية”: “يؤدي الصراع إلى تفاقم آفاق التنمية البشرية المتردية بالفعل في السودان، مما يؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح البشرية وسبل العيش والبنية التحتية العامة والخدمات الأساسية.”
وطبقا للبيان فإنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد السوداني بنسبة 12 في المائة في عام 2023 بسبب توقف الإنتاج وفقدان رأس المال البشري وقدرة الدولة.
واعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني، نزح ما يقرب من 5 ملايين شخص داخليا، وعبر 1.3 مليون الحدود بحثا عن الأمان، مما شكل ضغطا هائلا على المجتمعات المضيفة.

20 مليون جائع
وحسب البيان، فإنه بالإضافة إلى ذلك، يواجه 20 مليون شخص الجوع، مع وجود أكثر من 6 ملايين شخص على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة.
وقد تم الإعلان عن تفشي الكوليرا في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في الولايات التي تستضيف أعدادا كبيرة من النازحين بسبب النزاع.
وتشير التقديرات إلى أن 3.1 مليون شخص معرضون لخطر الإصابة بالإسهال المائي الحاد والكوليرا بحلول ديسمبر/كانون الأول، وتجاوزت حالات الإصابة بالملاريا 800 ألف حالة.
وأضاف الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يورى أفاناسييف، “مع تقدم كل يوم من أيام النزاع، يتعمق التأثير على شعب السودان وترتفع تكلفة التقاعس عن العمل. هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة في الوقت الحالي لوقف الكارثة الإنسانية المتصاعدة، وحماية كرامة الناس وإرساء الأساس لمسار التعافي”.

وتابع: “وإدراكا بأن زيادة الاستثمار في التنمية في المرحلة الحادة من الأزمة يمكن أن تساعد في التخفيف من حدة كارثة إنسانية أعمق، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتحويل برامجه الحالية للاستجابة للاحتياجات الناشئة في مجال استدامة الحياة والقدرة على الصمود في وجه الصراع عندما اندلع الصراع في أبريل/ نيسان”.

العين الاخبارية

Exit mobile version