مأساة أسرة سودانية ابتلعها المجهول قبل تحقيق حلم الهجرة لأوروبا

التجارة بالبشر ظاهرة لها تاريخ طويل ضارب في القدم.. وتاريخ تجارة البشر هو ذاته تاريخ ظلم الإنسان لأخيه الإنسان لذلك فإن مولد هذه الظاهرة منذ آلاف السنين وقد مارستها جميع الأمم والحضارات السابقة قبل الإسلام كانوا يمارسون استعباد الإنسان بأبشع الصور..
– فيما يظن الكثيرون أن تجارة البشر قد إنتهت في العالم إلا أن الحقيقة عكس ذلك تماماً فقد وصلت الظاهرة إلى قمة توحشها بدرجة لا توصف تؤكد أن زمن الإتجار بالبشر عاد مرة أخرى بصورة أكثر شراسة على أيدي مافيا وعصابات الإتجار بالبشر؟!

* الإحصائيات حول ظاهرة الإتجار بالبشر تشير دراسات لمؤسسات بحثية أن هناك حوالي مليوني إنسان يتم الإتجارب بهم سنوياً أغلبهم من النساء والأطفال لأسباب متعددة ومعقدة ومتداخلة أهمها سرعة الأرباح والتكلفة البسيطة حيث يبلغ سعر الضحية مابين (2000) إلى(10.000) دولار فضلاً عن أن مخاطر المقاضاة الجنائية تكون ضئيلة في معظم الدول.
* تجارة تعد أكثر ثالث نشاط إجرامي بعد تجارتي السلاح والمخدرات بل والأسرع نمواً حيث إن ما يقارب من الـ (98%) من الضحايا من الفتيات والأطفال وأن أرباحها تقدر بنحو (28) مليار دولار سنوياً.
* منظمة العمل الدولية قدرت أن الإتجار بالبشر يدر أرباحاً سنوية تصل إلى(150) مليار دولار وتقدرالولايات المتحدة الأمريكية عدد ضحايا الإتجار بالبشر بحوالي عشرين مليون شخص.
* بريطانيا قالت في إحصائياتها إن خمسة آلاف شخص يقعون ضحايا للإتجار بالبشر في بريطانيا سنوياً.. وقدرت المصادر البريطانية أنه تم تهريب أكثر من (4000) ألف امرأة إلى بريطانيا في عام واحد.
الوسائل التي يستخدمها تجار البشر للسيطرة على ضحاياهم :
– تقول منظمة العمل الدولية إن الوسائل التي يستخدمها تجار البشر للسيطرة على ضحاياهم متعددة منها:
1- الإستعباد بالمديونية أو بقيود مالية أخرى لإبقاء الضحايا في حالة الإرتهان والإتكال بما فيها احتجاز أجورهم كأمانات.
2- فصلهم عن عائلاتهم وأقاربهم ومجتمعهم ومنعهم من التواصل مع الناس.
3- مصادرة جوازات سفرهم وتأشيرات دخولهم ووثائقهم الثبوتية.
4- اللجوء إلى العنف والتهديد باستخدامه ضد الضحايا وعائلاتهم..
5- التهديد بإذلالهم عن طريق فضح ظروفهم لعائلاتهم.
6- إبلاغ الضحايا بأنهم سيواجهون السجن أو الترحيل بسبب مخالفتهم قوانين الهجرة إذا أقدوموا على الإتصال بالسلطات.
تجارة البشر في السودان:
– ولأن السودان ليس جزيرة معزولة عن العالم فقد دخلت تجارة البشر عبر حدوده كظاهرة عالمية تديرها عصابات دولية عابرة للقارات..
– وزارة الخارجية الأمريكية صنفت العالم إلى ثلاث فئات..الفئة الأولى وهي التي تكافح ظاهرة الإتجار بالبشر والاحترام الكامل للمعايير الدولية وتضم هذه الفئة معظم الدول الأوربية واستراليا ، الفئية الثالثة تضم الدول التي لا تلتزم بمعايير مكافحة الظاهرة والقضاء عليها مثل دول تايلاند وفانزويلا.. وهناك فئة الدولة الخاضعة للمراقبة مثل الصين وروسيا.
– ويتهم تقرير الخارجية الأمريكية بعض الدول العربية بالتقاعس عن مكافحة الإتجار بالبشر؟!
– تقارير منظمة العفو الدولية وتقارير الخارجية الأمريكية وضعت السودان ضمن الدول التي تعتبر ممراً لعبور تجارة البشر وأحياناً السودان نفسه مصدراً للأشخاص الذين يتاجر بهم كضحية لعصابات تهريب البشر.
مأسآة أسرة سودانية إبتلعها البحر قبل أن تحقق حلم الهجرة لأوروبا..
كل المقدمة السابقة التي استقيناها من بعض المصادر والدراسات سقناها كمقدمة لعرض مأساة أسرة سودانية صغيرة كانت تعيش عزيزة مكرمة في بلادها في السودان في إحدى المدن التابعة لولاية الجزيرة قبل أن يداعب خيالها حلم الهجرة والسفر إلى أوروبا والوقوع في شباك عصابات الإتجار بالبشر وركبت البحر والخطر في مركب لم يقوَ على مصارعة الموج فغرق براكبيه قبالة إحدى الجزر اليونانية ولم يبلغ وجهته إيطاليا وافتقدت أسرة بمكاملها.. الأم (هـ ف) وطفليها (م م) 9 سنوات.. و(م م) أيضاً وعمره 7 سنوات والطفلة(ع ع) ابنة أخ الأم الضحية وعمرها 13 سنة؟!
بداية المأساة:
السيدة (هـ ف أ) والتي تعيش مع طفليها بالسودان في غياب والد الطفلين المقيم خارج السودان بعد انفصاله عنها اقتنعت بعرض إحدى صديقاتها من نفس المنطقة والتي أخبرتها أنها بامكانها أن تساعدها في الهجرة إلى أوروبا وتحديداً إيطاليا والعيش هناك بسلام ورفاهية مع ولديها بعيداً عن متاعب الحياة.
بدأت الرحلة براً من السودان إلى أسوان في مصر كما حكى لنا أحد أقرباء الأسرة المكلومة نظير مبلغ معين بالدولار.. وهناك استلمت الأسرة جهة ثانية سلمت لهم الإقامة بمصر لعدة أشهر في إنتظار تجهيز الرحلة إلى إيطاليا بحراً.
القارب الذي حمل مجموعة من المهاجرين من جنسيات مختلفة ومن ضمنه السيدة (هـ ف) وطفليها (م م) و(م م) وابنة أخيها (ع ع) لم يصل وجهته وغرق في البحر وراحت عشرات الأرواح ضحية تجار البشر وباعة الأحلام قبل أن يكونوا ضحية أمواج البحر والمركب غير الآمنة ولم تتمكن السلطات الإيطالية من إنتشال جميع الضحايا وكان هناك بعض الناجين من ضمنها شابان من ذات المنطقة في السودان إتصلوا بعد فترة مؤكدين أن القارب الذي غرق قبالة إحدى الجزر الإيطالية في يوم 3/6/2016م كانت على متنه السيدة(هـ ف) وطفليها وابنة أخيها ولم يعثر لهم جميعاً على أثر ..
* الأسرة في السودان تبحث الآن عن الحقيقة وعن مصير السيدة(ف) وطفليها وابنة أخيها الذين لم يعثر لهم على أثر دالاً على جثامينهم..
أقامت الأسرة مأتماً للأسرة المفقودة بإعتبار غرقها.. وفتحت بلاغات جنائية لدى السلطات المحلية في مواجهة كل من لديه علاقة بالموضوع ..
لم تعثر الأسرة على إفادة من السلطات المحلية لأن هجرة الأسر لم تكن أصلاً بالوثائق الرسمية والطرق الشرعية، ولم تجد الأسرة إفادة من الصليب الأحمر حتى الآن. مازال البحث جارياً عن أسرة اختفت ولم يعثر لها على أثر تحت الموج أو فوق الأرض..
مازال السؤال قائماً حول جهود السودان في مكافحة تجارة البشر.. والهجرة غير المشروعة.. ومراعاة حقوق إنسان السودان خارج الحدود؟!
* والسؤال الأهم متى تنتفي الأسباب والبواعث التي تدفع المهاجرين لركوب الخطر شعارهم ( يا غرق يا جات حازما) فتكون النتيجة مثل هذه المأساة التي بدأت فصولها ولم يسدل عليها الستار حتى الآن؟!

صحيفة الوان

Exit mobile version