بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، هاجم، وعلى نحو مفاجئ، مساعد القائد العام للجيش الفريق ياسر العطا، الحكومة الإماراتية، واتهمها بتقديم السلاح والدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع.
وكشف العطا، الذي يتمتع بنفوذ واسع النطاق وسط الجيش، أن الجيش “لديه معلومات استخباراتية، تؤكد أن الإمارات تنقل الأسلحة والعتاد العسكري للدعم السريع عبر مطار أم جرس التشادي ولاحقا عبر مطار أنجمينا”.
ومضى مساعد قائد الجيش السوداني إلى أكثر من ذلك، وتوعد أبوظبي بالانتقام. وقال أمام حشد من ضباط وجنود المخابرات العامة في أم درمان ” نذكرهم بخبرة الأجهزة الأمنية السودانية وسنرد الصاع صاعين”.
انتقادات علنية
وتعتبر هذه الانتقادات اللاذعة والعنيفة، الأولى من مسؤول عسكري وحكومي رفيع ضد الإمارات، التي تشير العديد من التقارير الإعلامية الغربية إلى دورها في تقديم الدعم العسكري لقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو. وهي تقارير ظلت أبوظبي تنفيها باستمرار.
وفي أعقاب تصريحات العطا، بدأ كتاب وصحفيون مؤيدون للجيش ما يشبه الحملة للمطالبة بطرد السفير الإماراتي في الخرطوم. كما خرج العشرات في مدينة بورتسودان، التي يسيطر عليها الجيش، في مسيرات احتجاجية، بعد صلاة الجمعة التالية لتصريحات العطا للمطالبة بإبعاد السفير.
وغاب رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان عن قمة الأمن والدفاع التي أقيمت في دبي على هامش قمة المناخ في ديسمبر كانون الأول الجاري والتي شارك فيها معظم قادة ورؤساء الدول، بالرغم من تلقيه دعوة رسمية للمشاركة.
كعادتها، لم تصدر الإمارات تصريحا إزاء التصعيد السوداني، ولكنها في المقابل، أمرت ثلاثة من الدبلوماسيين السودانيين العاملين في سفارة السودان في أبوظبي بمغادرة أراضيها. وهم الملحق العسكري ونائبه والملحق الثقافي، وأمهلتهم يومين للمغادرة.
ولم تكد تمر أيام قليلة على الخطوة الإماراتية حتى ردت الحكومة السودانية بإبعاد 15 دبلوماسيا إماراتيا من بورتسودان.
شاركت الإمارات في قمة دول الهيئة الحكومية للتنمية “الإيغاد” الخاصة بالأزمة السودانية عن طريق وزير الدولة بالخارجية شخبوط بن نهيان، وهي أول مشاركة علنية للدولة الخليجية في الأزمة. وخلال القمة التقى الوفد الإماراتي بعدد من قادة إيغاد الذين رحبوا بالمشاركة، وجهود الإمارات في حل الأزمة.
ولم تعجب هذه الخطوة الخرطوم – بطبيعة الحال – والتي قالت إنها تفاجأت بمشاركة الإمارات العربية المتحدة فيها. وأكدت الخارجية السودانية، في بيان، أن هذه المشاركة، من بين أمور أخرى حدثت في القمة، جعلها في حل عما التزم به قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان ومن بينها موافقته على لقاء حميدتي بشكل مباشر، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
ويعتبر رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن تهديدات العطا كانت في “لحظة انفعال” على حد تعبيره. وأنها لا تعبر – بالضرورة عن موقف السلطة الحاكمة في السودان من الإمارات.
وقال: ” لا أعتقد أن هذا الأمر تم نتيجة مناقشات وبحث بين قادة الجيش، وإنما خطاب حماسي تم استخدامه من قبل مجموعات كانت تنتظر هذه الخطوة”.
وعندما سألته عن هذه المجموعات أجاب قائلا: “هي مجموعات الإسلاميين من نظام الرئيس المعزول عمر البشير والتي ترى أن هذه التصريحات تعبر عن الشعب السوداني ولأنهم على خلاف مع الإمارات والتي لا تريد لجماعات الإسلام السياسي العودة إلى السلطة من جديد”.
ولكن رئيس تحرير صحيفة المجهر الهندي عز الدين لديه رؤية مغايرة. فهو يرى أن تصريحات المساعد العام للجيش السوداني “مدروسة وليست لحظية ” وأن هناك تنسيقا بين قيادة الجيش ووزارة الخارجية بشأن هذا التصعيد بدليل أن وزير الخارجية أكد أن السودان لم يبادر بطرد الدبلوماسيين وإنما ردت على خطوة أبوظبي”.
علاقة وطيدة
بعيدا عن الاتهامات التي وجهها الجيش السوداني للإمارات بدعم قوات الدعم السريع عسكريا، فإن العلاقة بين الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة لم تكن وليدة اللحظة، وإنما تمتد لسنوات للوراء.
فحينما قررت السلطات السودانية التي كان يقودها الرئيس المعزول عمر البشير المشاركة في حرب اليمن إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية، كانت قوات الدعم السريع وتحديدا قائدها حميدتي أول من انبرى لعرض خدماته. شاركت هذه القوات بكثافة في الحرب وعندما وقع الخلاف بين الرياض وأبوظبي حول الحرب، بدأت قوات الدعم السريع تعمل إلى جانب أبوظبي بشكل مباشر.
وطبقا لاتفاقية رسمية بين الحكومة السودانية والإماراتية فإن أبوظبي مسؤولة عن تدريب وتسليح قوات الدعم السريع للمشاركة في الحرب اليمنية.
ويتمتع قائد الدعم السريع، عندما كان يتقلد منصب نائب رئيس السيادة، بعلاقات جيدة مع قادة الدولة في الإمارات، وظل يزورها باستمرار.، وأحيانا يمكث فيها أكثر من أسبوع خلال الزيارة الواحدة.
وقبيل الحرب كان مألوفا لدى كثير من السودانيين وهم يشاهدون عناصر قوات الدعم السريع وهم يقودون سيارات ومدرعات عسكرية مصنوعة في الإمارات.
ميناء أبوعمامة
في نهاية العام الماضي، وقبل بدية الحرب، التي اندلعت في أبريل/ نيسان الماضي، كان وفد إماراتي من موانئ دبي داخل القصر الجمهوري بالخرطوم، يوقع عقدا مع الحكومة السودانية لإدارة وتشغيل ميناء أبوعمامة على ساحل البحر الأحمر بقيمة تبلغ أكثر من 6 مليارات دولار.
الصفقة – التي أثارت جدلا واسعا وقتها – وافق عليها رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، بل وشكل لجنة عليا من أجل الإشراف على المشروع الذي بدأت خطوات فعلية لتنفيذه على الأرض. ولكن في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي افتتح الجيش السوداني قاعدة عسكرية في منطقة أبوعمامة نفسها. وفيما يبدو أنها إشارة لنهاية المشروع، قال مصدر عسكري لبي بي سي إن الجيش سيستخدم القاعدة العسكرية في جهود مكافحة التهريب “القاعدة العسكرية أساسا كانت موجودة وتمت إعادة افتتاحها للمساعدة في أعمال مكافحة التهريب الذي ينشط عبر المنطقة”.
ويقول الكاتب مجدي الجزولي إن الإمارات كانت تسعى إلى ضم ميناء أبوعمامة للعديد من الموانئ التي تسيطر عليها في أفريقيا. وقال في مقالة له في أسبوعية إن “الدولة الغنية بالنفط تريد المنافسة بقوة مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين في الموانئ حيث وصلت قيمة استثماراتها إلى 60 مليار دولار، ما جعلها رابع مستثمر في أفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة”.
ربح وخسارة
لطالما ظلت أبوظبي على علاقات متميزة بالخرطوم حتى في ظل نظام الرئيس المعزول عمر البشير ذي الميول الإسلامية.
وحين فرضت واشنطن حظرا مصرفيا على البنوك السودانية ظلت بعض البنوك الإماراتية تتعامل مع نظيراتها السودانية.
يذكر أن معظم الذهب المنتج في السودان يصدر إلى دبي.
كما تحتضن الإمارات ثاني أكبر جالية سودانية في الخليج العربي بعد السعودية، من حيث العدد. وتشير الأرقام إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى أكثر من ملياري دولار خلال السنوات القليلة الماضية.
ويرى عثمان ميرغني أن السودان سيخسر كثيرا في ظل تدهور علاقاته مع الإمارات. ويقول “الطريقة التي تعاملت بها السلطات السودانية مع الإمارات تفتقر للكياسة وستكون بمثابة وحدة قياس للدول الأخرى”.
في حين يعتقد الهندي عز الدين أن الإمارات ستخسر لأنها “تعادي” الشعب السوداني بدعهما ما وصفها بالتمرد وقال إن على الإمارات تصحيح موقفها ورفع يدها عن دعم التمرد.
قناة بي بي سي