بانجول ـ من فاباكارى جامه و كريستين باليتزا – في مساء عاصف، تجلس أومي سانيه 42/ عاما/ أمام منزلها الصغير في بلدة كولولي الشاطئية، وتنظر بشكل يائس إلى البحر. وبأسى، تعود بذاكرتها إلى اليوم الذي وصل فيه سائح هولندي إلى قرية صيد الأسماك السابقة، الواقعة بقطاع سينيجامبيا، في قلب صناعة السياحة في جامبيا.
عندما صادق السائح الهولندى ،الذي كان في العقد السادس من عمره، ابنتها “سيريه” ذات الأربعة عشر ربيعا، قادها مزيج من الثقة الزائدة والفقر إلى أكبر خطأ في حياتها.
عرض السائح دفع الرسوم الدراسية لـ”سيريه” وشراء ملابس لها. وتتذكر الأم التى تعيش بمفردها هذه الايام:”جاء إلى منزلنا، أخذ ابنتي للتنزه وأعطانا الكثير من المال”.
ظنت سانيه أن هذا عمل خيري طيب من رجلل أوروبي ثري. ولكن فقط بعدها بكثير، عقب أسابيع من عودة الرجل إلى أوروبا، استجمعت سيريه شجاعتها وأبلغت أمها أن السائح الهولندي اعتدى عليها جنسيا.
وتصرخ سانيه والدموع تنهمر على خديها “أنا دمرت ابنتي بيدي، وكل ذلك بسبب الفقر”.
ويتعرض مئات من الفتيان والفتيات للاستغلال جنسيا في هذه الدولة الصغيرة الواقعة في غرب إفريقيا، حيث يعيش نصف السكان على أكثر قليلا من دولار أمريكي واحد يوميا، وفقا لدراسة أجراها صندوق الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف.
ويؤكد مانه، ضابط شرطة في وحدة الأمن السياحي بالعاصمة بانجول التي تم تشكيلها خصيصا لمحاربة سياحة الجنس: “في غرب إفريقيا، جامبيا هي الوجهة الرئيسية لسياحة الجنس مع الأطفال”.
في كل عام يزور أكثر من 150 ألف شخص المستعمرة البريطانية السابقة، التي لا تفصلها عن أوروبا سوى مسافة قصيرة بالطائرة، وفقا لبيانات البنك الدولي. ويأتي معظم السياح من بريطانيا والسويد والنرويج والدنمارك وفنلندا وهولندا وألمانيا.
ويقول عمر جارجو، مرشد سياحي في كولولي “كثيرون يأتون لهذا السبب وحده، لممارسة الجنس مع الأطفال، نرى ذلك يحدث كل يوم. لقد صار شيئا عاديا”.
ويوضح خبراء أنه مع تزايد الرقابة أكثر وأكثر على سياحة الجنس مع الأطفال في الدول الآسيوية كتايلاند وكمبوديا، تكتسب الوجهات الأقل شهرة مثل جامبيا، شعبية.
يعرض سياح الجنس بصراحة المال على الآباء، الذين يعانون من الفقر، مقابل موافقتهم على ممارسة الجنس مع أطفالهم، وفقا لـ”تشايلد بروتيكشن ألاينس″ أو”تحالف حماية الطفل”(سي بي ايه)، وهو مظلة تضم نحو 40 منظمة محلية غير هادفة للربح، بينما يلجأ آخرون إلى إقامة علاقات صداقة مع الأطفال الذين يبيعون المواد الغذائية والمشروبات على الشواطئ.
بعض أولياء الأمور يقعون في فخ الثقة مثل سانيه، وفق دراسة اليونيسيف، ولكن آخرين يغضون الطرف عن الاستغلال الجنسي لأطفالهم لكسب دخل إضافي.
وتدخلت الحكومة في جامبيا وأصلحت عدة قوانين للحد من السياحة الجنسية. ويهدف “قانون الجرائم الجنسية”، و”سياسة السياحة المسؤولة” إلى حماية الأطفال. في عام 2014، أقرت الجمعية الوطنية إنشاء محكمة خاصة لفرض غرامات كبيرة وإنزال عقوبات شديدة على مرتكبي الجرائم الجنسية.
وتم إطلاق برامج توعية لتثقيف موظفي الفنادق، وقادة المجتمع، والمعلمين ورجال الشرطة. ويحظر على الفنادق الآن السماح للبالغين باصطحاب أطفال قاصرين إلى غرفهم.
ويوضح سيلاه داربوي، وهو موظف استقبال في فندق بانجلو بيتش في كولولي “نفحص وثائق هوية جميع الزوار لتحديد سنهم”. ويضيف إذا لم يتبع الموظفون القواعد، يتم إيقافهم أو فصلهم.
وشكل “تحالف حماية الطفل” العشرات من جماعات المراقبة التي تتابع الشواطئ والمطاعم والحانات في المدن التي يقضي بها الزائرون عطلاتهم، وتبلغ السلطات عن حالات السياحة الجنسية مع الأطفال.
ولكن الفساد وضعف عملية إنفاذ القانون يشكلان عائقا أمام مكافحة سياحة الجنس التي تستهدف الأطفال، كما يقول متألما المنسق الوطني لـ”تحالف حماية الطفل” نجوندو دراميه، الذي يرى أن”مقاضاة الجناة لا تزال تشكل تحديا”.
وبالإضافة إلى ذلك، يجد سياح الجنس سبلا جديدة كل يوم للتحايل على القانون. ويشير مانه “بدلا من الإقامة في الفنادق الكبرى، يلجأون الآن إلى النزل الصغيرة أو يستأجرون مساكن خاصة”.
ويعد جزءا من المشكلة أيضا أن الحكومة تحتاج إلى الموازنة بحرص بين مكافحة السياحة الجنسية، وضرورة تعزيز صورة جامبيا كوجهة سياحية مأمولة.
وتشكل السياحة ما يقرب من 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (جي دي بي) وتوفر أكثر من 80 ألف فرصة عمل في الدولة الصغيرة التي يقل تعدادها عن مليوني نسمة، وفقا لمجلس السياحة والسفر العالمي.
وكل دولار ينفقه السياح ورجال الأعمال مهم للحفاظ على استمرار قدرة البلاد على القيام بدورها، ما يغري رجال إنفاذ القانون بالتغاضي عن بعض الانشطة، وتجاهلها.(د ب أ)