قبل أيام من دخول الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع شهرها الحادي عشر، في الخامس عشر من فبراير الجاري، خرج قطاع الاتصالات في السودان عن الخدمة كليا، مما فرض واقعا جديدا على المستوى الاقتصادي والأمني، بحسب مختصين.
وتوققت خدمة الاتصالات والإنترنت في السودان، وسط تبادل الاتهامات بين طرفي الصراع بشأن مسؤولية ما جرى، في وقت تأثرت فيه قطاعات أخرى بعملية انقطاع الخدمة، بخاصة القطاع الطبي وقطاع النقل، بجانب بعض المؤسسات الخدمية الرسمية.
ووصف الخبير الاقتصادي مأمون الزين، الخسائر المترتبة على انقطاع الإنترنت بالكبيرة، وحذر من أن استمرار غياب الخدمة سيؤدي إلى فقدان الحكومة السودانية عائدات إيرادية ضخمة.
وقال الزين لموقع الحرة، إن “الاقتصاد السوداني يعاني أصلا من تعقيدات كبيرة، زادت مع اندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي، والآن الوضع مرشح لمزيد من الانهيار”.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن “القطاع المصرفي في السودان أصبح في حالة أقرب إلى الشلل، كما توقفت تطبيقات البنوك والمصارف المخصصة للتعامل الإلكتروني، مع أنها الوسيلة الأكثر استخداماً في المعاملات المالية في السودان، بما في ذلك عمليات البيع والشراء.
وألقى جهاز تنظيم الاتصالات والبريد، “حكومي”، المسؤولية على قوات قوات الدعم السريع، واتهمها بقطع خدمات الاتصالات والإنترنت عن السودان.
وبحسب وكالة سونا الرسمية، فقد أشار الجهاز في بيان إلى أن “قوات الدعم السريع قامت بإيقاف العمل في مركز البيانات في شركتي (سوداني) و(MTN)، وأجبرت الفنيين بشركة (زين) للاتصالات على إيقاف الخدمة”.
وذكر البيان أن “المقسمات الرئيسية لتلك الشركات موجودة بوسط الخرطوم”، وأن “قوات الدعم السريع قامت باحتلالها منذ اليوم الأول للحرب منتصف أبريل الماضي”.
ويرى الخبير الاستراتيجي اللواء السابق بالجيش السوداني، صلاح كرار، أن “المنطقة التي يقع فيها جهاز التحكم الرئيسي في خدمات الاتصالات في الخرطوم، تسيطر عليها قوات الدعم السريع”.
كرار قال لموقع الحرة، إن “قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، فقدا السيطرة الكلية على قواتهما، ولذلك ظهرت تصرفات ميدانية ربما لا تتسق مع الرؤية الكلية للقائدين”.
وأضاف “من المؤكد أن قرار قطع خدمة الاتصالات تم بواسطة عناصر من الدعم السريع، لكن من الوارد أن يكون هذا القرار صدر من عناصر في الميدان، وليس بتنسيق من القيادة، لأن ضرره على الدعم السريع أكبر من نفعه”.
لكن المحلل السياسي محمد حمدان، استبعد أن “تكون قوات الدعم السريع متورطة في قطع خدمة الاتصالات والانترنت عن السودان، واتهم الجيش بالوقوف وراء القرار”.
حمدان قال لموقع الحرة، إن “قوات الدعم السريع تسيطر على المنطقة التي تضم جهاز التحكم منذ 15 أبريل الماضي، ولم تقم بقطع الخدمة، ولذلك لا يوجد أي سبب يجعلها تفعل ذلك الآن”.
وأضاف “كل السودانيين يعلمون أن قطاع الاتصالات يُدار بواسطة الأجهزة الأمنية، وأنها كثيراً ما قطعت الخدمة لدواع عسكرية أو أمنية”.
وتابع “الجيش قطع الاتصالات عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021، كما أنه ظل يقطع الخدمة قبيل كل احتجاجات تعلنها القوى المدينة للتظاهر بمواجهة الانقلاب، أو للمطالبة بالعودة إلى المسار المدني الديمقراطي”.
انقطاع خدمة الاتصالات عن السودان أفرز موجة من الاتهامات طالت طرفي الحرب، الجيش وقوات الدعم السريع، في حين حذرت هيئات شبابية وتنظيمات سياسية من توظيف قطاع الاتصالات في الصراع العسكري والسياسي.
واتهمت قوى الحرية والتغيير، في بيان، السبت، طرفي الحرب “باستخدام خدمة الاتصالات الحيوية، كأداة حربية، ودعتهما إلى “الكف عن التعطيل الجزئي أو الكلي لخدمات الإنترنت، لكون ذلك يضر بمصالح المواطنين”
ويرد المحلل السياسي محمد حمدان بأن “الجيش ظل يوظف قطاع الاتصالات في إطار الصراع السياسي والعسكري، مستدلا بقطع خدمة الاتصال عن المدن التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور”، على حد قوله.
وأضاف “خدمة الاتصالات مقطوعة من كل مدن دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، في حين أن الخدمة متوفرة ومتاحة في ولاية شمال دارفور التي يوجد بها الجيش، وهذا دليل على أن قرار القطع بيد الجيش والأجهزة الأمنية”.
وأقرّ الخبير الاستراتيجي، صلاح كرار، بأن “الجيش يقوم بقطع الاتصالات أو التشويش عليها خلال بعض المعارك، بهدف تعطيل عمليات التواصل بين مجموعات الدعم السريع”، لكنه شدد – في الوقت ذاته – على أن “الجيش لا علاقة له بالقطع الحالي لخدمات الإنترنت”.
ولفت كرار إلى أن “قوات الدعم السريع ربما هدفت من قطع الإنترنت إلى الضغط على شركات الاتصالات، بهدف إرجاع الخدمة إلى عدد من ولايات دارفور التي تضم حواضنها الاجتماعية، والمكونات الشعبية المناصرة لها”.
واستبعد الخبير الاستراتيجي أن يكون “قطع الخدمة عن ولايات دارفور تم بقرار من الجيش، أو من خلال عمليات القصف الجوي”، ورجح أن “يكون ذلك من خلال مخربين، بدوافع النهب أو السرقة، أو ما إلى ذلك”.
وكانت قوات الدعم السريع نفت في بيان مسؤليتها عن قطع الإنترنت، وأشارت إلى أن “الخدمة انقطعت جراء قصف جوي قام به سلاح الجو التابع للجيش السوداني على مركز التحكم في الاتصالات”، وهي اتهامات ينفيها الجيش.
وأشارت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، كليمنتين سلامي، إلى أن “غياب خدمات الاتصالات أضرّ بعمليات إرسال واستقبال الأموال لملاييين السودانيين.
سلامي قالت في منشور على حسابها بمنصة “X” السبت، إن “انقطاع الاتصالات المستمر بالسودان يقيّد الملايين من الناس من إرسال الأموال وتلقيها، في وقت هم في أمس الحاجة إليها”.
وأضافت “يعيق انقطاع التيار الكهربائي أيضا أنشطة الاستجابة الإنسانية الحاسمة، ووصول الناس إلى المعلومات المنقذة للحياة”.
الحرة