أزمة العقل العربي “1”

حفيظ زرزان
العقل العربي اليوم تتقاذفه الأمية والتخلف، في عالم متطور متغير، فبين طالب للخبز والمعاش، وآخر يلهو في بؤسه، وحر يتلظى بجمر طلبه، هناك بالغرب وجه آخر تعلو فيه ناطحات السحاب، وتطير الصواريخ، وتتطور العلوم، وطب يعبث بأعضاء البشر ومورثاته بجنون، ودنيا على شفا انهيار نووي يهددها في كل لحظة.
هل احتاج ابن الهيثم -رحمه الله- أستاذ الأجيال في البصريات وعلوم الضوء ورائد تخصصه لمن بعده، جاليليو ونيوتن وبيكن، إلى التلمذة على الغرب؟ من أين يقتفي العقل العربي هويته وفكره وطريقته للمستقبل؟ أمن ذاك العقل المعاشي المادي الغربي أم من العقل الساذج القريشي الذي آمن برجل اسمه محمد ونشأ في المسجد؟ كيف يطلب طباً لحاله اليوم؟ كيف ينهض عرب بلادهم محمية أميركية من المحيط إلى الخليج؟
في بحثنا عن الطريق، لا بد أن نستقرئ التاريخ ونرقب كيف نشأ كل عقل؟ وأين استقر؟ وكيف نتحرر ويكون لنا كيان ووجود وقوة؟
الفكر التطوري الذي غزا أفكار اليوم، حسب مصادر علمية، يعود إلى زمن الفلاسفة الإغريقيين قبل سقراط مثل أناكسيماندر وإيمبيدوكليس؛ لتتوالى بعدها الآراء المادية، إلى أن ظهر تشارلز داروين الفيلسوف، الذي زار جزر الجلاباجوس ليخرج علينا بنظريته في التطور التي ما زال كثيرون يطعمونها ويضيفون إليها، سحلية نشأت لديها رئتان لتستطيع العيش في الماء وتقتات منه لما نفد منها عشب اليابسة، وتحولت السلحفاة وتكيفت مع محيطها ليكون لها أسلوب حياة، الجلاباجو تعني سلحفاة بالإسبانية، ولهذا سميت الجزر باسمها.
ويزعم داروين أن هذا المبدأ عام، وأن الطبيعة تصنع لنفسها ولأفرادها، ليخلص أن القرد مر من نفس المراحل ليكون إنساناً، له قلب يحس به ويصبو للجمال والكمال، ذاك القرد انتقل ليستوي ويستعمل الآلة، وينمي عقله، ويوسع جمجمته ويزيد وزن مخه، ويتعاظم ذكاؤه وينثر الزغب عن جلده، ويقوم وجهه وأنفه ويسوي كل أطرافه، وينطق بعد الهمهمة والإشارة، ثم من لغة واحدة إلى تعدد لغوي، ثم ليطلق ثورة فكرية ومذاهب وأيديولوجيات دون الحاجة إلى موجد وتلك البديهية الساذجة، حاجة كل صنع إلى صانع، هكذا ولد العقل المعاشي المادي وما زال في الفلاة والخلاء والفرضيات والوساوس.
بينما عقل الفيلسوف نشأ في الساحة العامة، باليونان، “الأكورا”.
و”الأكورا” هي التسمية اليونانية للساحة العامة، وسط المدينة، حيث ظهرت الديمقراطية الأولى مهد كل الديمقراطيات الناشئة والحالية، وبرزت القانونية الرومانية على عتبات “الفوروم”، وهي الاصطلاح اللاتيني للساحة العامة.
كانت الإنسانية آنذاك اثنتين، الأولى التي كانت ترسم خارطة العالم وتحضر لروما السيدة العظيمة المتجبرة كل ثروات الدنيا، والثانية للعبيد الذين لهم حق الحياة فقط ما داموا يطيعون السيد.
ثم جاء زمان، صار الكهنة يصنعون “أوكارستي”، يأخذون خبزاً ولحماً وخمراً، فيقدسونه، فإذا الخبز لحم الإله والخمر دمه، وكانت العرب تعبد الأصنام، يصنعها الفقراء منهم من خشب وحجر أو خبز يأكلونه، بما يشبه ما سردناه من حمق الكنيسة التي يضحك من خزعبلاتها العقل المتطور المخترع الباحث.
على رأس الكنيسة كان آل بورجيا بما يحمله الاسم من فضائح، خرج وتمرد عن الكنيسة كوبرنيك حين أثبت أن الأرض تدور حول الشمس، ثم ظهر كانط الذي جعل العقل مركز الوجود وعليه مدار كل شيء، أما شيبنهاور فكانت الإرادة عنده هي المركز، ونصبت المشانق، وكانت تساق للمحرقة أكوام من البشر.
الذي ميز العقل العربي أنه عاش بأمان، وكان التسامح السمة الغالبة، لم يحرق من الفلاسفة برونو، أو حوكم جاليليو أمام مكتب مقدس، الفارابي والكندي وابن سينا وآخرون لم يضطهدوا.

العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.