عكس إعلان المؤتمر الوطني السوداني القيام بتعديل كبير على مستوى الحقائب الأساسية سواء في الجهاز التنفيذي أو التشريعي بشكل منفرد مدى حجم وعمق أزمة الحكم، فالأزمة الاقتصادية والسياسية العميقة التي تضرب البلاد كانت تقتضي الوصول إلى اتفاق سياسي يؤسس لبرنامج انتقالي يجمع القوى السياسية المختلفة ومن ثم تشكيل حكومة تعمل على تحقيق هذا البرنامج.
فاستقالة نائب الرئيس على عثمان محمد طه ربما تشكل العلامة الأبرز في هذا التغيير، فالرجل ظل يتحرك على مستويات مختلفة في قمة هرم السلطة التنفيذية منذ انقلاب البشير في العام 1989.
إذ رأى الكثيرون في الأوساط السياسية السودانية، بما فيها المعارضة، في عثمان منظرا محتملا للنظام عقب خروج حسن الترابي من معادلة الحكم في العام 2000، إلا أن عثمان لم ينجح طوال هذه الفترة في إنتاج بديل فكري للنظام أو الحزب، ويرى كثيرون أن نفوذه تراجع خلال السنوات الأخيرة أمام قياديين في الحزب مثل نائب رئيس الحزب نافع على نافع.
وكانت مرحلة اتفاق السلام بين شمال وجنوب السودان، خاصة فترة التفاوض، قد شهدت سطوع نجم عثمان، إلا أن هذا الرصيد تآكل كثيرا عقب وفاة القائد الجنوبي جون غرنق وتراجع أجواء الثقة بين الشمال والجنوب خلال الفترة الانتقالية. وجاء الانفصال ليشكل ضربة كبيرة لنفوذه.
ويأتي تعيين الفريق بكري حسن صالح نائباً للرئيس لكي يحمل دلالات مهمة، فبمقتضى هذا التعديل يصبح أهم منصبين في الدولة، أي الرئيس ونائبه الأول، حكرا على المؤسسة العسكرية، فيما بقي المنصبان الآخران أيضاً حكرا على حزب المؤتمر الوطني.
وبالتالي فإن تشكيلة مؤسسة الرئاسة الحالية لا تعكس توازنا سياسيا أو جغرافياً، بل ربما تكرس لدور أقوى للمؤسسة العسكرية على حساب الحزب الحاكم نفسه.
غياب الأفق السياسي
وبغض النظر عن غياب التوازن في قمة الهرم السياسي الحالي، يمكن القول إن السلطة الحالية حاولت القفز على المرحلة على أكثر من مستوى، فحزب المؤتمر الوطني لم يواجه أزمته الداخلية عقب انشقاق قيادات نافذة عنه وتشكيل حزب جديد.
وكذلك لم يخطُ نحو وفاق سياسي مع المعارضة التي لم تعد تقبل تحت أي ظرف باستمرار احتكار السلطة، ولم يقدم برنامجاً وفاقياً لمواجهة وحل الأزمة الاقتصادية الخانقة، ولم يمض نحو حل لأزمة الدستور العالقة منذ استقلال دولة جنوب السودان، ولم يبرر اللجوء للعنف المفرط بحق المتظاهرين السلميين الذين قضوا في أحداث أغسطس سبتمبر الماضي.
بالإضافة إلى أنه لم يقدم أي تصور سياسي لانهاء النزاعات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة والتي أصبحت تشكل تهديدا فعلياً لوحدة الدولة وتماسك أراضيها، فهذا الوضع يجعل من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور خلال الفترة المقبلة.
اسكاي نيوز