أقلع حسين ملكاوي عن تدخين سجائر التبغ وبات يدخن السجائر الإلكترونية لسعرها المناسب ونكهتها، واعتقادا منه أنها أقل ضررا على البيئة وعلى صحته وعلى صحة الأشخاص الموجودين حوله، إذ يستخدمها طيلة اليوم ويتخلص منها بإلقائها في القمامة.
أما رؤى أبنان، فترى أن السجائر الإلكترونية ساعدتها في الابتعاد عن الأرجيلة، معتقدة أنها غير مؤذية بالمقارنة مع التدخين العادي أو التبغ، وبإمكانها استخدامها في أي وقت وفي أي مكان والتخلص منها.
ما أشرنا إليه أعلاه جزء من أفكار يتبناها جزء كبير من أفراد المجتمع وتتمثل في أن السجائر الإلكترونية لا تسبب ضررا على البيئة، ولكن بعيدا عن التحذيرات الصحية، بدأت منظمات أممية بقيادة منظمة الصحة العالمية في إبداء قلقها إزاء الانبعاثات الصادرة عن السجائر الإلكترونية وطريقة التخلص منها، وعلى جانب آخر توجهت حكومات دول لإقرار لوائح وأنظمة لضبط استخداماتها في ظل تزايد الإقبال عليها، وحكومات أخرى توجهت لحظرها بشكل كامل.
وأفاد تقرير لمنظمة الصحة العالمية بأن عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما يستخدمون السجائر الإلكترونية، أكثر من المستخدِمين البالغين في جميع أقاليم منظمة الصحة العالمية، وذلك بفضل التسويق المكثف لها، في حين تُظهر البيانات أن معظم المراهقين ممن تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما جربوا السجائر الإلكترونية في عام 2021، وتشير أبحاث كلية لندن الجامعية أن السجائر الإلكترونية التي تستخدم مرة واحدة تزداد شعبيتها بين من هم في سن الـ18، حيث يستخدم أكثر من نصفهم هذه المنتجات الآن.
قلق عالمي
بعد سنوات طويلة من رفع شعار أن “الفيب (السيجارة الإلكترونية) باب للإقلاع عن التدخين”، ظهرت ملامح القلق نتيجة لازدياد شعبية السجائر الإلكترونية وخاصة تلك التي تُستخدم مرة واحدة وتتميز بلونها الزاهي ونكهتها المثيرة. فمثلا في الولايات المتحدة يمثل هذا النوع من السجائر أكثر من نصف عائدات سوق الفيب، وتتمثل مكامن القلق في طريقة التخلص منها، إذ تُرمى مع النفايات دون وجود أي مكان تنظيمي خاص بها، إذ يتم التخلص من نحو 1.3 مليون سيجارة إلكترونية تُستخدم مرة واحدة في المملكة المتحدة كل أسبوع، أي ما يعادل اثنتين كل ثانية بحسب دراسة أجرتها مؤسسة ماتيريال فوكس.
عالميا، دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر تجاه “أعقاب السجائر” التي تتناثر في الشواطئ والممرات المائية، مشيرة في تقرير صادر عنها أن تلك السجائر يتم التخلص منها في كل مكان في البيئة وفي الشوارع والأرصفة والمناطق العامة الأخرى، وتنتهي أعقاب السجائر إلى المجاري ومياه الغسيل فتؤدي إلى تلوُّث الأنهار والشواطئ والمحيطات. ولا يتحلل البلاستيك الموجود في أعقاب السجائر بيولوجيا، لذلك ينتهي الأمر إلى أن تتناوله الحيوانات البحرية، سواء على الشاطئ أو في قاع البحار والأنهار.
وغالبا ما ينتهي المطاف بتلك السجائر في القمامة بطريقة غير آمنة وصديقة للبيئة مسببا انبعاثات سامة تلوث البيئة، وخاصة السجائر الإلكترونية التي تُستعمل مرة واحدة، والخراطيش وأجهزة السحبة (بودات) التي تحتوي على نفايات بلاستيكية وإلكترونية وكيميائية مثل أعقاب السجائر، وفق منظمة الصحة العالمية.
مخاطر بيئية
يلخص رئيس اتحاد الجمعيات البيئية في الأردن عمر الشوشان، المشكلات البيئية التي تنشأ من استخدام والتخلص من السجائر الإلكترونية، في أن التخلص الكثيف من السجائر الإلكترونية يتسبب بإنتاج كميات هائلة من النفايات البلاستيكية والمعدنية، مما يُعرّض البيئة للتلوث ويسهم في تراكم النفايات في المناطق الحضرية والطبيعية، وتشكل السجائر الإلكترونية خطرا على السلامة العامة عند إعادة تدويرها بسبب مكوناتها القابلة للاشتعال بسهولة، مما يزيد من خطر نشوب الحرائق في مرافق التخلص من النفايات.
ويقول الشوشان في حديث مع “الجزيرة نت”: إن “وجود مادة الليثيوم التي تُستخدم في بطاريات السجائر الإلكترونية تشكل خطورة بيئية كبيرة عندما يُتخلص منها بشكل غير مسؤول، حيث يمكن أن تتسرب إلى التربة والمياه وتؤثر سلبا في النظم البيئية”.
ويتقاطع رأي الخبيرة في البيئة هلا مراد مع رأي الشوشان، ولكنها تقسّم المخاطر لقسمين:
قبل الاستخدام؛ ويتمثل في استغلال الشركات المصنعة للموارد، والتي يُمكن الاستفادة بها في مجالات أكثر نفعا مثل استخدام البلاستيك وبطاريات الليثيوم عالية السمية والضارة على البيئة.
بعد الاستخدام؛ وتتمثل في طريقة التخلص من هذه المواد والإلقاء العشوائي لها، مؤكدا أن الخطورة الأكبر تتمثل في السيجارة الالكترونية التي تُستخدم مرة واحدة وعدم التخلص الآمن منها والذي ينعكس على تلوث التربة والمياه الجوفية.
ونتيجة لتلك المخاطر دعت منظمة الصحة العالمية إلى حظر جميع أنواع السجائر الإلكترونية المنكّهة في جميع أنحاء العالم ومعاملتها بشكل مساو للسجائر العادية، وقالت: “إن هناك حاجة إلى إجراءات عاجلة للسيطرة على السجائر الإلكترونية، حيث لا توجد أدلة تُذكر تشير إلى أن التدخين الإلكتروني يساعد المدخنين على الإقلاع عن السجائر العادية، كما يمكن أن يؤدي إلى إدمان النيكوتين لدى غير المدخنين”
حرب تشريعية
تقول مراد: “حتى اليوم لا تزال كل الإجراءات تميل للتحذير من اتخاذ أي مواقف جدية صارمة أمام كل تلك المخاطر بالرغم من أنها تجارة رائجة تدر الملايين”، وتضيف أن بعض الدول اكتفت بوضع مواصفات ومقاييس لحجم البطارية وسعتها ونوع الإلكتروني الموضوع داخلها كالأردن، ولكن لم يتم حظرها عربيا، وحتى على المستوى العالمي لا يوجد قوانين ضابطة لتلك التجارة، ويتوجب أن يكون ملف الصحة البيئية على أجندة كل صناع القرار.
ويعلق الشوشان على أهمية وجود تشريعات قانونية بالقول: “الشركات المصنعة لا تقدم إرشادات واضحة بشأن كيفية التخلص من السجائر الإلكترونية بشكل آمن وصديق للبيئة، ليصبح من الضروري على الجهات الحكومية اتخاذ إجراءات صارمة ضمن مبدأ مسؤولية المنتج الممتدة الذي اعتمدته أغلب الدول في تشريعاتها من قوانين وأنظمة في تنظيم وإدارة النفايات الصناعية والحد من مخاطرها البيئية”.
ودخلت الدول في حرب تشريعية على محاولات سن قوانين تحظر استخدام السجائر الإلكترونية وخاصة لمن هم دون الـ18 عاما، إذ وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية بالإجماع على مشروع قانون يحظر السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد، ومن المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في شهر سبتمبر/أيلول القادم، وذلك بعد أن ينتقل إلى مجلس الشيوخ ويُعتمد بشكل نهائي.
أما بريطانيا فلم تحظر استخدام الفيب، ولكنها توجهت لسن أنظمة لوائح تنص على أن السجائر الإلكترونية التي تُستخدم مرة واحدة يجب ألا تحتوي على أكثر من 2 مليمتر من السائل، وهو ما يعادل نحو 600 استنشاقة، فإذا كان المعدل أكبر من ذلك فمن المحتمل أن تكون السجائر الإلكترونية المعروضة للبيع غير قانونية، كما يجب أن تغطي التحذيرات نحو ثلث العبوة، ويجب أن تظهر عبارة “هذا المنتج يحتوي على النيكوتين، وهي مادة تؤدي بشدة للإدمان” على الجهتين الأمامية والخلفية، كما أن الحد الأقصى المسموح به للسجائر الإلكترونية القانونية التي تُستعمل مرة واحدة هو 2%، ويأتي ذلك في ظل تضاعف عدد الأشخاص الذين يستخدمونها في بريطانيا إلى ثلاث مرات خلال 10 سنوات، وذلك وفقًا لتقديرات مؤسسة “العمل المتعلق بالتدخين والصحة” الخيرية.
وتتربع تايلند على عرش الدولة الأكثر صرامة فيما يتعلق بالسياسات المقيدة للتدخين الإلكتروني، حيث حظرت السلطات -على الورق على الأقل- السجائر الإلكترونية منذ عام 2014، وحذت اليابان حذو تايلند إذ كانت واحدة من الدول الرائدة في حظر التدخين الإلكتروني بعد أن منعتها عام 2010، علما بأنه ليس هناك أي قواعد تحظر استخدام السجائر الإلكترونية التي لا تحتوي على النيكوتين، في حين تحظر سنغافورة إدخال السجائر الإلكترونية إلى البلاد، واقتصرت الإجراءات في بوتان وتركمانستان على فرض غرامات مالية، ولم يكون الموقف التركي واضحا، إذ لا يعد استخدام السجائر الإلكترونية سلوكا غير قانوني، لكنّ بيعها أمر غير قانوني.
وعربيا لم تر تلك التشريعات النور، باستثناء قطر التي حظرت استيراد أو تداول أو عرض أو بيع أو توزيع أو تصنيع السيجارة والشيشة الإلكترونية ومقلدات أدوات التدخين بشكل تام، وفرضت عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال قطري، وفق قانون رقم 10 لسنة 2016 بشأن الرقابة على التبغ ومشتقاته.
وفي المغرب أُعلن منذ يناير/كانون الثاني 2023 عن فرض ضريبة على منتج الشيشة الخالي من التبغ والسجائر الإلكترونية في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2023، ووافقت الحكومة المغربية على تعديلات قدمتها فرق الأغلبية داخل مجلس النواب على مشروع قانون المالية 2023 بهدف توسيع الوعاء الضريبي ليتضمن “الشيشة” أو “الأرجيلة” أو “المعسل” على غرار السجائر الإلكترونية، وينص التعديل على فرض ضريبة داخلية على منتج “الشيشة” بمقدار 675 درهما للكيلوغرام الواحد، ورفع الرسم المطبق على السجائر الإلكترونية عند الاستيراد من 2.5% إلى 40%.
وفي ظل تلك التوجهات التي يُصنف بعضها بالصارم والآخر بالتحذيري، لم يعد يقتصر الحديث عن المخاطر الصحية للسجائر الإلكترونية، بل أصبح الحديث بيئيا أيضاً، إذ تؤكد منظمات أممية أن استخدامها لا يؤدي إلى تلويث الهواء المحيط فقط، ولكنه يؤدي أيضا إلى إنشاء تيار جديد من النفايات الإلكترونية الملوثة بعد سنوات طويلة من محاربة أعقاب السجائر الإلكترونية، وفق تقرير عن القمامة أصدرته منظمة “تنظيف أستراليا” (Clean Up Australia)، كشف أن أعقاب السجائر لم تعد الرقم الأول في قائمة العناصر الأكثر انتشارا، وأصبحت المواد البلاستيكية اللينة العدو الأول للعامة عوضا عنها.
وتشير التقديرات العالمية إلى أن أكثر من 40 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما بدؤوا بالفعل تدخين التبغ، وهو ما يدق ناقوس الخطر تجاه تفشي آفة التدخين.
الجزيرة نت