أثار التقدم الكبير لميليشيا “الدعم السريع” في بعض مناطق السودان – ولاية سنار، في الأيام القليلة الماضية جدلاً كبيراً، وكثير من التساؤلات حول الخطط التي تنوي ميليشيا محمد حمدان دقلو “حميدتي” تنفيذها. كما فتح باباً واسعاً للتحليلات حول الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة بالصراع ومآلاته.
وبحسب مراقبين، فإن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والجارة الإثيوبية تعتبر من أبرز العوامل المؤثرة بالملف السوداني عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. وما تشهده ولاية سنار من تطورات ميدانية حالياً ما هو إلا نتيجة لتقاطع المصالح الأمريكية الإثيوبية.
“سنجة” في قبضة “الدعم السريع” بالتزامن مع معلومات حول دعم إثيوبي
في سياق ذو صلة، أجتاحت ميليشيا الدعم السريع مدينة “سنجة” حاضرة ولاية سنار، وسيطرتها على مقر الفرقة 17 مشاه بالمدينة، ولاحقاً سيطرتها الكاملة على المدينة، متوعدة بالسيطرة على مواقع جديدة – كما اجتاحت أمس الدندر والقرى المجاورة.
يأتي ذلك وسط حديث حول دعم إثيوبي بالعدة والعتاد والمرتزقة لقوات “الدعم السريع” ضمن اتفاق أمريكي-إثيوبي حول السودان والصومال، أدى لتقدم ملحوظ للدعم السريع في تلك المناطق.
وتعتبر سنجة ثامن عاصمة ولاية تسيطر عليها قوات الدعم السريع بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من الخرطوم ومدني، والجنينة، وزالنجي، ونيالا، والضعين، والفولة. وكان شهود عيان قد كشفوا بأن المدينة تعرضت لقصف جوي عنيف من الطيران الحربي التابع للجيش على تمركزات الدعم السريع.
القوات الإثيوبية تدخل الأراضي السودانية والصومالية
في سياق متصل، تداولت بعض وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية معلومات وصور جوية لوصول عدد من طائرات الشحن الإثيوبية إلى قاعدة “أم جرس” الجوية شمال تشاد، محملة بالعتاد والذخيرة والأسلحة المتفرقة تمهيداً لنقلها إلى ميليشيا الدعم السريع في السودان.
وبحسب الأنباء والمعلومات المتداولة، ووفقاً لشهود عيان، فقد تم رصد وصول 75 جندياً إثيوبياً إلى تشاد في وقت سابق وتم نقلهم إلى السودان على الفور لمساندة قوات الدعم السريع، مما دفع الممثل الخاص للسودان لدى الأمم المتحدة، لاتهام تشاد بالتوسط والمساعدة في تقديم السلاح والذخيرة الدعم السريع.
وكان الفريق أول ياسر العطا نائب القائد العام للجيش، في آواخر العام الماضي 2023، كان قد اتهم تشاد بتزويد “الدعم السريع” بالأسلحة والذخيرة عبر مطارها، ما فتح الباب أمام تصعيد دبلوماسي كبير بين البلدين.
كما أعلنت بعض وسائل الاعلام في نهاية يونيو الجاري، عن دخول الجيش الاثيوبي السودان واحتلاله لبعض المناطق في “الفشقة”، وتحالفه عسكرياً مع ميليشيا “الدعم السريع”. وقامت القوات الإثيوبية برفع العلم الإثيوبي على أرض السودان، وغلق بوابات المياه من سد النهضة مع الملء الخامس، بالتوازي تعرض الجيش السوداني للحصار من الجنوب مع تقدم قوات الدعم السريع نحو وسيطرتها على جبل موية.
من جهة أخرى، اتهم السفير الصومالي لدى الأمم المتحدة أبوبكر ضاهر عثمان، القوات الإثيوبية بتنفيذ عمليات توغل غير قانونية عبر الحدود المشتركة بين البلدين مما أدى إلى مواجهات مع قوات الأمن الصومالية.
وبحسب مواقع إخبارية، قال سفير الصومال في 25 يونيو الحالي إن الإجراء الأخير الذي قامت به إثيوبيا أجبر بلاده على تأجيل انسحاب قوات بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال من يوليو إلى سبتمبر.
ونقلت وكالة “رويترز” عن عدد من الزعماء المحليين أن مجموعة من الجنود الإثيوبيين عبروا الحدود إلى منطقة هيران الصومالية الاسبوع الماضي، دون أي تعليق من الجيش الإثيوبي ووزارة الخارجية.
الأهداف الإثيوبية والمصالح الأمريكية
وفي ضوء المعلومات المتداولة والتطورات الميدانية، قال باحثون في الشؤون الإفريقية إن فشل ممثل المصالح الأوروبية-الأمريكية رئيس الوزراء الأسبق، عبدلله حمدوك لعدة مرات بإحداث تغيير سياسي يناسب المصالح الأمريكية، إلى جانب توجه الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان شرقاً للتحالف مع موسكو، دفع بواشنطن للتفكير بخطة لإزاحة البرهان عن المشهد والدفع بشخصية أخرى لسدة الحكم تمثل مصالح واشنطن.
وأشاروا إلى أن الخطة الأمريكية تتمثل باستثمار نفوذها في الجارة الأثيوبية، عبر الدفع برئيسها أبي أحمد لإرسال قوات أثيوبية ومرتزقة لمساندة “الدعم السريع” بهدف الانتصار على الجيش السوداني وإسقاط حكم البرهان بالقوة.
وتابعوا أن دفع “الدعم السريع” للانتصار على الجيش يكون بقوات إثيوبية وأموال إماراتية وعتاد وسلاح أمريكي عبر تشاد، مستغلين المصالح الكثيرة التي يمكن أن تحققها إثيوبيا من وراء ذلك.
وأوضح عدد من المختصين بالشأن السوداني أن ما يدفع الرئيس الإثيوبي أبي أحمد للتوافق مع الأمريكيين وتنفيذ هذه الخطة، هي المصالح الكثيرة التي يمكن أن تحققها أثيوبيا من خلال هذه الصفقة. ويأتي في مقدمتها اعتراف واشنطن بانفصال إقليم “أرض الصومال”، الذي يحتل موقع استراتيجي هام جداً والذي لطالما سعت أثيوبيا لانفصاله، بهدف السيطرة عليه والحصول على ميناء زويلع الصومالي الهام جداً، وبالتالي منفذ بحري لها. بالإضافة لحل قضية سد النهضة لمصلحة أثيوبيا.
إلى جانب ذلك، فإن أثيوبيا ستسعى للسيطرة على مساحات أكبر من نهر النيل والسيطرة على منطقة “الفشقة” السودانية الخصبة.
مؤكدين أن الدعم الإثيوبي-الاماراتي لحميدتي يندرج بسياق خطة أمريكية شاملة لإسقاط البرهان وانتصار الدعم السريع واستمرار الفوضى.
صحيفة السوداني