سودانيون يتشبثون بالدراسة في وجه النزوح

على الرغم من معاناتهم جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من عام بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، وموجة النزوح الكبيرة التي تحيط بهم، أبت مجموعة من المعلمين والمعلمات في السودان إلا مقاومة الظروف بالتطوع لاستئناف التعليم، رافضين أن تنال الحرب وتداعياتها من العام الدراسي.

فبجهودهم الذاتية وفي ظل التحديات الأمنية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، جسد هؤلاء في إحدى مدارس منطقة مروي بالولاية الشمالية هذه المبادرة لتكون “بارقة أمل” لكثيرين عبر الدفع بالتعليم نحو الاستمرار وعدم انقطاع الطلبة عن الدراسة جراء واقع البلاد الراهن.

التعليم لمواجهة الحرب
وبقدر ما مثلت هذا المبادرة فرصة للطلبة، فقد نالت إشادة أولياء الأمور، وزادت حرصهم للدفع بأبنائهم للاستفادة من التعليم، كوسيلة اعتبرها معلمون واحدة من أدوات مواجهة الصراع الذي أثر في مختلف مناحي الحياة لدى الناس وضاعف النزوح معاناتهم.

وفي ظل هذ المعادلة صعبة، تقول المعلمة المتطوعة رنا عبد الله، في حديثها للجزيرة، إن هناك العديد من الصعوبات التي واجهتهم مع تدشين العام الدراسي، معتبرة أن الإقبال الكبير على المدرسة من قبل الطلاب النازحين مثل تحديا حقيقيا للمعلمين خاصة مع الطاقة الاستيعابية المحددة للمدرسة.

وأشارت رنا إلى أن شح الموارد التعليمية تسبب بحالة عجز بالغة في توفير احتياجات المدرسة الأساسية، منها الطاولات الدراسية ونقص المناهج، واحتياجات أخرى ضرورية كمياه الشرب والمأكل، ناهيك عن النقص الكبير في أعداد المعلمين الرسميين في ظل تزايد أعداد النازحين.

أما المعلمة إيمان بابكر، فتحدثت عن الفوارق الزمنية لتجربتها في التدريس بمقارنة الوضع العام قبل الحرب المشتعلة في بلادها وبين ما آلت إليه الأمور في الوقت الراهن، وأشارت إلى الصعوبات التي طرأت على المعلمين في ظل الإقبال الكبير على التسجيل في المدرسة من قبل أبناء الأسر النازحة التي عانت كثيرا من ويلات الحرب.

وأضافت إيمان أن التحديات التي تواجه التعليم كبيرة جدا مما مثل صعوبة بالغة التعقيد في التعامل مع الوضع العام في المدرسة، وتطلب معه بذل المزيد من الجهود من قبل المعلمين للتعامل معه، وفرض واجبا أخلاقيا للتعامل بإيجابية مع كل الإشكاليات رغبة في تذليل الصعاب أمام الطلاب وأسرهم النازحة.

إرشاد اجتماعي ونفسي
يعيش كثير من الطلاب في المرحلة الأساسية وما بعدها معاناة الحرب والصراع، وما نتج عن ذلك من تجربة نفسية قاسية، تتفاوت مستوياتها مع ما أفرزته الأحداث من مشاهد وانتهاكات تعرض لها أفراد وعائلات الأسر النازحة، مما تتطلب جهودا موازية إلى جانب التعليم لتخفيف تلك الآثار والمساعدة على تجاوزها.

وهو ما يشير إليه للجزيرة علي المقدم (معلم متطوع) مستعرضا تجربته في التدريس التي مضى عليها 5 عقود، مشيرا إلى أن هذه الحرب أفرزت واقعا جديدا على البيئة المجتمعية.

وقال المقدم إن المدرسة عملت على توسيع طاقتها الاستيعابية كأمر واجب في ظل تزايد أعداد الطلاب المتقدمين للتسجيل، مع مراعاة ظروف الناس في الحرب رغبة في استمرار العملية التعليمية، وكخطوة تشجيعية للأسر النازحة التي أثرت الحرب على مستواها المعيشي فقد تم إعفاء الكثير من الطلاب من رسوم التسجيل والدراسة، والتي تعتبر رمزية ولا تسد الحد الأدنى من احتياجات المعلمين والمدرسة.

كما تؤكد المعلمة إيمان أن التدريس في ظل الحرب مثل تجربة جديدة لها وللكثير من زملائها في التعامل مع الطلاب القادمين من مناطق الصراع، مشيرة إلى أن الكثير من المدرسين يحاولون بدورهم معالجة الأزمات النفسية والمجتمعية للطلاب المتضررين من الحرب.

وتلفت إلى أهمية الدور المجتمعي لمساندة المدرسين في التغلب على مثل هذه الصعوبات والتي تظل ملازمة للكثير من الطلاب، وأهمية دور المجتمع في مساندة المدارس ودعم الطلاب، مشيدة بجهود مجالس الآباء في تذليل تلك الصعاب.

أمنيات العودة
ووسط هذه التحديات، تبرز أمنيات الطلبة نحو مستقبل بلا حروب ووطن معافى وأمنيات بمستقبل تتحقق فيه الطموحات، إذ تحكي الطالبة أفنان نادر، وهي يتيمة الأب، قصة كفاحها وآمالها، بعد أن نزحت بصعوبة بالغة من أم درمان عبر محطات عدة وصولا إلى الولاية الشمالية.

وتضيف أفنان “أتمنى أن أكون طبيبة في المستقبل لأنقذ الناس من الحروب والصراعات الدائرة” وتتمنى كذلك أن تنتهي الحرب الدائرة في وطنها والتي جعلتها تعيش في خوف وتوتر، وأن تعود إلى منزلها الذي لا تزال وعائلتها يجهلون مصيره حتى اليوم.

ويتفق الطالب أحمد عادل مع زميلته أفنان -إلى جانب مجموعة أخرى من الطلاب الذين أجرت الجزيرة مقابلات معهم- على أملهم في إكمال تعليمهم الدراسي حتى المرحلة الجامعية، والتخصص في المجالات الصحية، رغبة منهم في إنقاذ وتقديم يد العون والمساعدة للمصابين والمتضررين من الحرب.

وتأتي هذه المبادرة التعليمية والمجتمعية، مع مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب وامتداد الصراع إلى مناطق واسعة بالبلاد، ودعوات حقوقية وأممية لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين للمجاعة والموت، جراء نقص الغذاء وتزايد النزوح.

الجزيرة نت

Exit mobile version