ارتفاع أعداد المفقودين في ولاية سنار ومخاوف نفسية

أبلغ ناشطون عن فقدان 350 شخصاً من محاور القتال بولاية سنار، يضافون إلى العشرات في الخرطوم والجزيرة، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن

لا تزال الاشتباكات بين الجيش وقوات “الدعم السريع” تتصاعد في ولاية سنار جنوب شرقي السودان (تبعد من الخرطوم 300 كيلومتر) مع تنامي أبشع أنواع الانتهاكات التي أدت إلى ارتفاع أعداد المفقودين بسبب الهلع وسط المواطنين الفارين من هول الهجمات العشوائية واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، فضلاً عن أن ميليشيات “الدعم السريع” اجتاحت نحو 80 في المئة من قرى سنار، مع اتساع رقعة القتال وما يصاحبها من ظروف قاسية يواجهها النازحون الذين يعانون التشرد والتشتت.

في الأثناء أبلغ ناشطون عن فقدان 350 شخصاً من محاور القتال بولاية سنار يضافون إلى العشرات في الخرطوم والجزيرة معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن الذين تعج بهم مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أن منهم من فقد ذويه وسط الزحام بموقف الباصات السفرية بسوق المدينة الكبير أو العبور من طريق المراكب المتهالكة ذات الصناعة التقليدية، مما أدى إلى غرق 25 شخصاً منذ بدء الاشتباكات لحق بهم نحو 20 آخرين حاولوا السباحة عبر المجاري المائية بسبب انعدام المسارات الآمنة للخروج.

إلى ذلك حذرت لجنة محامي الطوارئ في السودان من استمرار الانتهاكات الخطرة التي يمارسها طرفا الصراع، لا سيما أنها زادت من عدد المفقودين في ظل أوضاع مروعة، شملت الآلاف من السودانيين الذين يشتبه في انتمائهم إلى أحد الأطراف المتحاربة، إلى جانب التمييز القبلي أو السياسي أو السحنات بسبب لون البشرة التي كان لها دور كبير في نشر خطاب الكراهية وإشعال النزاعات القبلية، إلى جانب الشكل المتعلق بالشعر أو اللبس، بخاصة وسط الشباب وتعرضهم للضرب المبرح والتعذيب والاعتقالات، بل تعدى الأمر إلى القتل والتصفية.

ودعت اللجنة إلى وقف أعمال العداوة التي تتنافى مع القوانين والمواثيق المحلية والدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان.

وإزاء هذه الأوضاع المأسوية المتلاحقة بالسودان جراء الحرب، أعربت الأمم المتحدة المعنية بالشأن الإنساني عن قلقها حول مصير مئات المفقودين والمعتقلين بسبب الحرب التي اتسعت رقعتها الجغرافية لتشمل مناطق جديدة في جنوب شرقي البلاد، إلى جانب الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض والنيل الأزرق وكردفان ودارفور.

مخاوف نفسية

تسأل المواطنة السودانية رابحة آدم التي فقدت بناتها الثلاث أثناء النزوح من مدينة أبو حجار، إحدى مدن ولاية سنار، وهي تغالب دموعها “لماذا يستهدف طرفا الصراع المواطن الذي وجد نفسه في نزاع عبثي من أجل السلطة لا ذنب فيه؟ ولماذا تقصف الأحياء السكنية بالأسلحة المتفجرة، بالتالي إحداث نوبات هلع جنونية والفرار والشتات على غير تحديد الوجهات؟”. وأضافت “لم نتمكن من ترتيب أوضاعنا وجمع الأغراض التي تعيننا على النزوح، إذ هربنا بسرعة من منازلنا خوفاً من الانتهاكات التي تمارسها قوات ‘الدعم السريع’، لا سيما في حق النساء على أمل العودة مرة أخرى، لذلك لم يكن بحوزتنا إلا قليل من المال، مما يعني أننا سنكون في مواجهة ظروف معيشية قاسية. وبصورة عشوائية تحرك أفراد أسرتي نحو موقف الباصات السفرية بسوق المدينة الذي اكتظ بالفارين، علماً أن قوات ‘الدعم السريع’ منعت تحرك الباصات، لذا كانت التذاكر تباع بسعر مرتفع، ووسط هذه الفوضى فقدت بناتي الثلاث، وحتى الآن لا أعرف أين استقر الحال بهن”. وأردفت “قلبي يتمزق من شدة الخوف والقلق على مصير بناتي الثلاث، لا سيما أن أكبرهن تبلغ من العمر 14 سنة، لذلك ليس بمقدورهن التصرف وتدبير أمرهن”. وأشارت إلى أن “هذه المأساة تتكرر مع مئات الأسر التي فقدت إما أطفالها، وإما أمهاتها أو أجدادها من رجال ونساء، وما يزيد الأمر سوءاً عدم التواصل بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، وما باليد حيلة سوى الانتظار، لا سيما أن هناك مناشدات وصوراً للمفقودين متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي نشرها الشباب المتطوع في منظمة (مفقود) السودانية”.

جهود مبذولة

من جهته اعتبر الناشط في حقوق الإنسان لؤي سعيد أن “وصول الاشتباكات إلى مناطق سنجة وسنار أسهم في زيادة عدد المفقودين، لا سيما الإبلاغ عن 350 شخصاً، وعلى رغم الجهود المبذولة من ناشطين، لم يعثر على معظمهم، إذ إن هناك أطفالاً نزحوا بمفردهم وعثر عليهم في ولاية القضارف وجرى التحفظ عليهم في معسكرات الإيواء إلى حين إلحاقهم بأسرهم”.

وتابع سعيد “النزوح كان في ظروف قاسية، فمنهم من تاه في زحام المدينة، وآخرون غرقوا في مياه النيل، فحالة الذعر دفعت بالضحايا للعبور بمراكب متهالكة تقليدية الصنع، إضافة إلى سباحة بعضهم في المجاري المائية، إذ يرجح أن معظم المفقودين ماتوا غرقاً بسبب الانتهاكات التي مارسها أفراد ‘الدعم السريع’ في حق المواطنين في هذه المناطق، إلى جانب القلق من القتل والعنف الجنسي والاغتصاب”.

ولفت الناشط في حقوق الإنسان إلى أن “فرق البحث في المنظمات الدولية والمحلية تواجه صعوبات في التحرك، إلى جانب الاستهداف في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة بالولاية من تعرض للضرب والاعتقال”. ونوه إلى أنه يجب على طرفي الصراع فتح مسارات آمنة والالتزام بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان.

ضغوط واختلالات

إلى ذلك أوضح اختصاصي الصحة النفسية محمد المصطفى عبدالجواد أنه “على مدى 15 شهراً تعاني العائلات آثاراً نفسية واجتماعية، بسبب فقدان أفرادها والانشغال بمصيرهم المجهول، إذا كانوا أحياء أو أمواتاً وعدم قدرتهم على التواصل معهم، بخاصة المفقودين المعتقلين بعد مشاهدتهم من خلال الصور التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهم في قبضة القوات المتحاربة”. ومضى عبدالجواد “الدراسات أثبت أن الظروف العادية قبل اندلاع الحرب شهدت اختلالات نفسية تزاحمت بها عيادات الطب النفسي بسبب ضغوط الحياة، بخاصة أن الأزمة الاقتصادية في السودان وضعت أكثر من نصف السكان تحت الفقر، لكن تفاقمت هذه الأوضاع بعد اندلاع الحرب، وأدى طول أمد النزاع إلى فقدان أشخاص كثيرين بسبب ازدياد مستويات الاكتئاب والصدمة طويلة المدى، إلى جانب زعزعة الاستقرار الأسري”.

وأشار اختصاصي العلاج النفسي إلى أن “البلاد أمام أخطار وأهوال كارثية تطاول السودانيين أينما وجدوا، لذا يجب على طرفي الصراع الكف عن الأعمال العدائية وترك المواطن المغلوب على أمره”.

تشكيك وكراهية

وعلى صعيد متصل قالت عضو لجنة محامي الطوارئ سامية عبدالرزاق إن “سياسة التمييز التي يتبعها طرفا الصراع في حرب السودان، أدت إلى تصاعد معدلات المفقودين بسبب الاعتقالات الواسعة والتصفيات، التي شملت الناشطين في لجان المقاومة وغرف الطوارئ، إلى جانب العسكريين، فضلاً عن أن التشكيك في الشكل واللبس بات هاجساً يؤرق الشباب، مما أدى إلى توقف أعمالهم في مساعدة المتأثرين من الحرب في الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور، إضافة إلى ولاية سنار”.

وأضافت عبدالرزاق “ظلت لجنة محامي الطوارئ في تقاريرها تحذر من خطورة استهداف المدنيين وحجم الانتهاكات التي لحقت بهم منذ اندلاع الصراع بسبب الانتماء القبلي أو السياسي، بيد أنها تعد من أكبر إفرازات الحرب التي أسهمت في انتشار خطاب الكراهية والنزاعات القبلية”.

وناشدت عضو الطوارئ في ختام حديثها الأطراف المتخاصمة الجنوح للسلام الذي تحاول الدول من خلال المبادرات إحلاله في السودان، متمنية أن تتكلل مساعي واشنطن المتمثلة في دعوتها طرفي الحرب لاجتماعات بسويسرا في منتصف أغسطس (آب) بالنجاح وإخماد نار الحرب حتى ينعم المواطن بالاستقرار والعودة للحياة الآمنة.

جريدة اندبندنت البريطانية

Exit mobile version