البرهان وحميدتي ومقاتلون على ظهر مركبة عسكريةالحرب السودانية
ارتفعت وتيرة المعارك الحربية في مدينة الخرطوم بحري بين الجيش والدعم السريع في مناطق الكدرو، حيث تحاول القوات المسلحة استعادة السيطرة على بحري، ويُرجح مراقبون تدبير الطرفين لـ”معركة عض الأصابع” خلال الأيام القادمة.
تحاصر الأوبئة المواطنين في الخرطوم بحري جنبًا إلى جنب مع نيران المعارك وانتهاكات الدعم السريع
وتسيطر قوات الدعم السريع على حوالي 80% من منطقة بحري منذ بداية القتال منتصف نيسان/أبريل 2023، بما في ذلك المصفاة الرئيسية في منطقة الجيلي.وألقى الجيش بثقله على أرض المعارك في الخرطوم بحري، منذ عشرة أيام وفق شهود عيان باستخدام الطائرات الحربية والمسيرات وتقليم أظافر قوات الدعم السريع.
معارك حاسمة
وإذا ما استرد الجيش الخرطوم بحري فإن ذلك يعني السيطرة على نصف مساحة العاصمة الخرطوم بإضافة سيطرته على مدينة أم درمان بنسبة 70% طبقًا للمراقبين العسكريين.
ويبدو أن شهورًا من العمليات النوعية التي درجت عليها قوات الجيش في المنطقة قرب الكدرو بالخرطوم بحري “أعطت ثمارها”، ولأول مرة يقول المراقبون إن القوات المسلحة في حالة هجومية، بينما أصبح الدعم السريع في حالة دفاعية.
ويقول الباحث الاستراتيجي محمد عباس لـ”الترا سودان” إن الهجوم الذي نفذته قوات الدعم السريع الاثنين الماضي على منطقة حطاب رد فعل على هجمات عسكرية تلقتها من القوات المسلحة طيلة الفترة الماضية، وتحاول قوات حميدتي الانتقال إلى خانة الهجوم.
ويرى عباس أن هناك عمليات نوعية زادت من قوة الجيش في الخرطوم بحري، وإذا استمرت بهذه الوتيرة فإن الجيش سيتمكن من إضعاف قوات الدعم السريع وتوجيه “الضربة القاضية”.
تدهور الوضع الإنساني
ظلت مدينة الخرطوم بحري من أفضل المناطق في الشهور الأولى للقتال منتصف نيسان/أبريل 2023، بفعل السلع التي كانت تباع في الأسواق بأسعار زهيدة، وأغلبها منهوبة من مصانع بحري حيث تتركز الصناعات في المقاطعة الواقعة شمال العاصمة.
والاثنين الماضي بالتزامن مع هجوم الدعم السريع على منطقة حطاب شنت هجومًا مماثلًا على السوق الرئيسي، وتم نهب غالبية المحلات التجارية كما قتل ما لايقل عن عشرة مواطنين برصاص هذه القوات، فيما نزح مئات المدنيين إلى المناطق الخلوية وقد يقررون المغادرة إلى قرى نهر النيل سيرًا على الأقدام، وفق شهادات العاملين في الغرف الطوعية.
ويقول عباس إن هجوم الدعم السريع على حطاب الاثنين الماضي وضع الجيش مؤقتًا في خانة الدفاع، بعد أن تسلم زمام المبادرة الأسابيع الماضية، وفي ذات الوقت فإن الحلول أمام القوات المسلحة متاحة أكثر من الطرف الثاني. وأردف: “هجوم الدعم السريع على حطاب الهدف منه تدمير أكبر قوة للجيش في الخرطوم بحري، وفشلت العملية إلى حد كبير”.
ويقول شهود عيان لـ”الترا سودان” إن انتشار قوات الدعم السريع في الخرطوم بحري تراجع إلى حد كبير، بالمقابل فإن هذا التراجع لا يعني وجود حالة ضعف بل قد يكون للتركيز على هجوم جديد.
ويرى الباحث الاستراتيجي محمد عباس أن قوات الدعم السريع تستخدم تكتيك عسكري واحد منذ بداية الحرب، وهو الاعتماد على “كثافة النيران” أي جمع آلاف المقاتلين في موقع واحد وإطلاق الرصاص والقذائف بكثافة عالية تجبر الطرف الثاني على التراجع والانسحاب.وأضاف: “إذا جرت مقابلة هذا التكتيك بعملية مضادة يمكن إضعاف الدعم السريع وتوجيه ضربة قاضية”.
من يصرخ أولًا
لم تحدث تغييرات كبيرة على الأرض في الخرطوم بحري منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، ولا زال الطرفان يستحوذان على مواقعهما دون تقدم كبير يذكر.ويعلق محمد عباس بالقول بالنسبة للتوقعات القادمة إن هناك “شئ كبير قادم” في الخرطوم بحري أشبه بمعارك “عض الأصابع”، من يصرخ أولًا سيخسر المنطقة بأكملها.
وعلى صعيد الوضع الإنساني فإن الخرطوم بحري دخلت إلى مرحلة نفاد المؤن من الأسواق، كما أن المدنيين لا يستطيعون شراء السلع لأن أسعارها عالية جدًا ولا يملكون المال.وابتدرت غرفة طوارئ بحري الأسبوع الماضي حملة إحياء المطابخ الجماعية بنشر (75) مركزًا لتوزيع الطعام على المواطنين في أربعة قطاعات بالمدينة، وفي ظل أوضاع محفوفة بالمخاطر، إذ يلجأ جنود الدعم السريع لنهب المؤن من المراكز الإنسانية تحت تهديد السلاح.
كما أن السكان انتقلوا إلى مرحلة التعايش مع الأوبئة مثل الكوليرا والملاريا وسوء التغذية بين الأطفال، ولا توجد قوافل تجارية بين مناطق سيطرة الجيش والخرطوم بحري نسبة للإجراءات الأمنية المشددة.وتعمل عناصر الدعم السريع على تهريب السلع من منطقة البطانة إلى الخرطوم بحري لمئات الكيلومترات، عبر ولاية الجزيرة التي تسيطر على الأجزاء الشرقية منها.
ناشطة: الخرطوم بحري أكثر مناطق العاصمة تضررًا من القتال، نتيجة تركيز النهب على المصانع الرئيسية
تعمد إحداث الفوضى
وتوقفت محطة مياه الخرطوم بحري منذ (16) شهرًا، ولم تفلح مساع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نقل عمال الصيانة إلى الموقع، نتيجة وقوع حادثة إطلاق نار في الشهرين الأولين لاندلاع القتال، وبينما كانت الآمال هناك معلقة على وجود نوع من التفاهمات للأغراض الإنسانية بين الجانبين، لكن هذا الأمر كان نوع من التفاؤل المفرط، إذ أن الحرب استمرت حتى اليوم نتيجة تباعد الشقة بين الطرفين المتنازعين.
وتقول إسراء عبد الغفار الناشطة الطوعية التي عملت شهورًا في الخدمات الإنسانية خلال الصراع المسلح، إن الخرطوم بحري أكثر مناطق العاصمة تضررًا من القتال، نتيجة تركيز النهب على المصانع الرئيسية، وكانت قوات الدعم السريع تفضل العمل في المنطقة لأنها تضم أكبر مصانع وشركات السيارات والمحلات الكبيرة، لذلك جاءت هذه العمليات على حساب المدنيين.
وترى إسراء عبد الغفار في حديث لـ”الترا سودان”، أن الناس لا يعيشون الحياة في الخرطوم بحري خلال الحرب بمعناها الطبيعي، لأن المطلوب منهم تأمين المياه والطعام يوميًا، ولا يوجد شئ في متناول اليد، كل الاحتياجات تمر بسلسلة طويلة من التعقيدات وقد تدفع حياتك ثمنًا لها إذا كان جندي الدعم السريع يشكك في وجهك، ويطلق عليك الاتهامات بالانتماء إلى الجيش.
وتقول الناشطة الطوعية إسراء عبد الغفار، إن قوات الدعم السريع تعمدت إفراغ الخرطوم بحري من السكان منذ اليوم الأول، وإفشال عملية اللجنة الدولية للصليب الأحمر لصيانة محطة بحري، وخلقت أزمة مياه مزمنة في المدينة التي اضطر ثلث السكان إلى النزوح خارجها.
الترا سودان