د. سليمان علي
باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية.
[email protected]
إنهم لا يحمون إلا أنفسهم ويفسدون في الأرض:_
العبارة أعلاه هي عنوان كتاب كتبه اثنان من موظفي بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بعد 15 عاما قضياها في العديد من الدول التي شهدت صراعات دموية ومنها يوغسلافيا السابقة وغيرها والكتاب يلخص تقاعس هذه البعثات عن مهامها وقد كانت مجزرة سربرنيتسا في البوسنة أنصع دليل على صدق ما خطه الكاتبان.
وقد دخلت القوات الصربية حينها بقيادة (راتكو ملاديتش) منطقة (سربرنيتسا) يوم 11 يوليو/تموز 1995، بعد إعلانها منطقة آمنة من قبل الأمم المتحدة، وارتكبت مجزرة أسفرت عن مقتل أكثر من 8 آلاف بوسني، بما في ذلك الأطفال وكبار السن، بعدما قامت القوات الهولندية العاملة هناك بالانسحاب وتسليم عشرات الآلاف من البوسنيين إلى القوات الصربية.
وربما يطول شرح الاخفاقات التي تقع فيها هذه البعثات لذلك نكتفي بايراد بعض الأمثلة المعروفة بالاضافة الى أن أجندة الدول العظمي تظل حاضرة في عمل هذه البعثات لاضعاف وتفكيك الدول وفساد قادة العمليات هذه كذلك. وليس بعيدا فساد صفقات النفط مقابل الغذاء في العراق والتي استمرت عقدين من الزمان وطالت شبهات الفساد الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وكل العاملين في البرنامج وفقا للتقارير التي اعقبت التحقيقات في ملفات الفساد.
يأتي ذكر هذا النموذج بعد تصريح الأمم المتحدة عن نيتها إدخال قوات لحماية المدنيين في السودان، وهنا نريد تقييم هذه الخطوة من حيث جدواها من خلال استعادة تجارب القوات الدولية في جبال النوبة والقوات الهجين في دارفور والقوات الأممية في ولاية النيل الأزرق وهل ساهمت هذه القوات في حماية المدنيين حينها والوقائع تنفي ذلك فقد كانت قوات يوناميد نفسها تحتاج حماية وظلت قابعة داخل أسوار معسكراتها في دارفور ولم تسهم في حفظ سلام او دعمه. وفي جبال النوبة ظلت القوات الدولية المشتركة تضرب سياجا من السرية التامة حول المنطقة وتصرفت بشكل مطلق في الإدارة المحلية للمنطقة وعجزت الحكومة عن مقاومة هذا السلوك وكانت طائرات القوات الدولية تطير وتهبط دون رقابة ولا تدقيق من أي جهة عليا او محلية.
ومن ناحية أخرى فإن كل ما تنفقه الأمم المتحدة في مثل هذه التدخلات تدفع فاتورته الدولة بشكل او بآخر. بناء عليه فإن المخاطر التي تهدد الوطن ووحدة وسلامة أراضيه وأمنه الاجتماعي وقيمه وموروثاته ستكون مضاعفة في ظل دخول اي قوات دولية تحت غطاء الأمم المتحدة والنموذج الليبي يحدثنا بفصاحة عن سلبيات التدخل الخارجي والتي بسببها أصبح في ليبيا الشقيقة حكومتين تدين كل واحدة منها بالولاء لدولة اقليمية واخرى دولية. ولم تتوقف صفقات النفط وغيرها من الموارد بل ظل كل فصيل مسلح يصدر النفط بطريقته الخاصة مما أهدر موارد عظيمة ولم يهتم أحد.
أن تاريخ التدخلات الخارجية في دول العالم الثالث لا تحتاج كثير عناء لإثبات فشلها في تحقيق السلام وإعادة الاستقرار للدول وظلت تهدر مليارات الدولارات دون اسهام حقيقي في نقل الدول من حالة الصراع إلى السلام دون أن تترك آثارا سيئة وتزيد من معدلات الصراع.
وبالنظر إلى واقع النزاع المتجذر في السودان وحالة الضعف والانهاك التي سببتها حرب ١٥ أبريل والتي تمثلت في حرب شاملة بين مكونات المنظومة العسكرية والامنية والقوات الشعبية المساندة لها في السابق كنتيجة لتداخل عوامل عديدة أمنية وسياسية. فإن أي تدخل عسكري خارجي سيزيد من حالة السيولة الأمنية ويعزز من تزايد الانتهاكات تجاه المدنيين من خلال أن تصبح هذه القوات طرفا ثالثا يعلق عليه جميع الأطراف تجاوزاتهم وتضيع الحقائق من خلال هذه التعددية في المجموعات المسلحة والجيوش.
ونحن اذا نعرض كل هذه الشواهد والنماذج للتدخل العسكري الأممي من أجل دعم تحفظنا التام على أن تسير الأمور في هذا الاتجاه الخطر، وخشية من عواقب هذه العملية فإننا نجدد الدعوة للمضي قدما في تجسير الهوة وردمها بين السودانيين من خلال الالتزام الكامل بالحل السلمي التفاوضي للقضية السودانية ونرفع صوتنا عاليا بأنه حان الوقت لإيقاف هذا الانهيار من خلال الإيمان بأن المنتصر خاسر وأن الوطن والمواطنين هم من يسددون الفاتورة يوميا من دمائهم وممتلكاتهم واستقرارهم وأمانهم.
سودان تربيون