قال المتحدث الرسمي باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام محمد كندشة إن الوضع في الخرطوم ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تتسع بصورة مخيفة، بخاصة في ظل تفشي الأمراض بالمنطقة منذ بداية فصل الخريف.
يعيش السكان العالقون في العاصمة السودانية، بخاصة الذين لم يتمكنوا من مغادرة الخرطوم وبحري منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في أبريل (نيسان) 2023، أوضاعاً إنسانية معقدة وعصيبة وقد ضاقت بهم الحال بصورة غير مسبوقة، لا سيما بعد انعدام السلع الغذائية في الأسواق وتوقف خدمات المطابخ الخيرية، فضلاً عن أزمات قطع الكهرباء والماء وندرة غاز الطهي، وكذلك تفشي الأمراض الفتاكة وحدوث وفيات عدة.
في حين شهدت مدينة بحري موجة نزوح ثالثة لمئات الأسر بعد تبادل القصف المدفعي العنيف بين طرفي الصراع، واضطر الغالبية إلى بيع أغراضهم الشخصية من أثاث وأجهزة كهربائية وملابس للحصول على المال من أجل شراء الغذاء والدواء للذين قرروا البقاء وسط المعارك والاشتباكات وتدبير تذاكر السفر للفارين بحثاً عن النجاة.
مجاعة وأوبئة
يقول المعلم مبروك سعدون، من مواطني منطقة الجريف بشرق النيل، إن “العالقين في العاصمة كانوا طوال الفترة الماضية يسدون الفجوة في الغذاء الجماعي بالتجمع وتشارك الوجبات كل بحسب ما يملك من كمية ونوعية طعام، وعندما بدأت مشكلة نقص الغذاء ومياه الشرب وقطع الكهرباء في التفاقم بادرت غرف الطوارئ في الأحياء بتبني نظام المطابخ الجماعية بغرض تأمين وجبات بسيطة أسهمت في حلول موقتة”. وأضاف أن “التعثر المادي للقائمين على أمر المطابخ وتوقف التبرعات وانعدام السلع الاستهلاكية في الأسواق أسباب أدت إلى تساقط التكايا والمطابخ الخيرية، إذ توقفت 20 من أصل 25 مطبخاً كانت تقدم خدماتها، مما فاقم من معاناة الأسر التي فقدت وجبتها الوحيدة في اليوم”.
وأوضح سعدون أن “الأمراض الفتاكة باتت تحاصر السكان، خصوصاً الكوليرا والحصبة والإسهال المائية الحادة وسط ظروف إنسانية صعبة في ظل توقف الرعاية الصحية وانقطاع الأدوية، إلى جانب نفاد مدخرات المواطنين المالية”. وتابع “حدثت وفيات عدة نتيجة توقف المستشفيات وغياب الكوادر الطبية وانعدام العلاج، وشهدت مناطق شرق النيل 12 حالة وفاة خلال أسبوع، وتوفي ستة أشخاص منطقة بري بسبب انقطاع الأدوية المنقذة للحياة”.
كارثة إنسانية
على الصعيد نفسه قال المتحدث الرسمي باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام محمد كندشة إن “الوضع ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تتسع بصورة مخيفة، بخاصة في ظل تفشي الأمراض بالمنطقة منذ بداية فصل الخريف”، مشيراً إلى أن “هناك 10 حالات وفاة جديدة بسبب مضاعفات الملاريا والحميات بأحياء الأزهري والإنقاذ والمدينة الخيرية، منهم ثلاثة أصيبوا بالأنيميا”.
ولفت كندشة إلى أن “من بين كل 10 أشخاص هناك ثمانية مصابين بالملاريا التي تفشت بصورة غير مسبوقة، والذين لم يصبهم المرض بمنطقة جنوب الحزام يعدون على أصابع اليد الواحدة في كل أسرة”. وأردف، “ندرة السلع الغذائية وارتفاع أسعارها فاقمت المعاناة بدرجة لا توصف، وعلى رغم الظروف المعقدة ظلت مبادرة (قدح النبي) تقدم الوجبات للعالقين وسط القتال بالمنطقة وتستهدف هذا الأسبوع 280 أسرة”.
موجات نزوح
إلى ذلك شهدت مدينة بحري شمال الخرطوم موجات نزوح جديدة لمئات الأسر هي الثالثة منذ اندلاع الحرب، بخاصة بعد تبادل القصف المدفعي العنيف بين الجيش السوداني وقوات (الدعم السريع)، واضطر معظم هؤلاء النازحين إلى قضاء ساعات طويلة في الطريق سيراً على الأقدام قبل وصولهم إلى وجهة نزوحهم الجديدة وسط ظروف بالغة التعقيد”.
حسن محجوب، أحد الموجودين في منطقة شمبات قال إن “مئات الأسر غادرت مدينة بحري في رحلة نزوح جماعية قسرية، وحمل كثر الأمتعة فوق رؤوسهم خشية التعرض للموت بسبب تبادل القصف المدفعي الذي استمر لأكثر من أسبوعين”. وأضاف أن قوات “الدعم السريع” هاجمت منازل المواطنين وأسرت بعضهم وحدثت انتهاكات عدة، فضلاً عن عمليات سلب ونهب للفارين من المنطقة في الطرقات تحت تهديد السلاح. وأوضح أن “العالقين الذين لم يتمكنوا من النزوح يعيشون أوضاعاً مأسوية، واضطر الغالبية إلى بيع أغراضهم الشخصية من أثاث وأجهزة كهربائية وملابس للحصول على المال من أجل شراء الغذاء والدواء”.
مناشدة عاجلة
على نحو متصل قالت غرفة طوارئ بحري “نعيش لحظات عصيبة تتجلى فيها صور الفقر والمرض بسبب هذه الحرب اللعينة، وباتت ندرة الغذاء تشكل واقعاً مريراً لسكان المنطقة، كما أن الأمراض تفتك بهم بلا رحمة، بينما تتعالى أصوات الأطفال الباحثين عن لقمة العيش وجرعة دواء”. وأضافت في بيان لها، “الحرب التي لا يرغب طرفاها في إنهائها فإنها في شمال بحري، خصوصاً مناطق حطاب والكدرو، لم تترك لأهلنا خياراً سوى النزوح واللجوء إلى المجهول، وفقد كثر منازلهم وأحبتهم”.
وناشدت الغرفة الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” ضرورة وضع حد لهذه المعارك التي لا تجلب سوى الألم والمآسي، وكذلك تسهيل وصول المساعدات الغذائية والدوائية إلى مدينة بحري لأن الأرواح التي تهدر يومياً والجوع الذي يسيطر على المنطقة بسبب انعدام المواد الغذائية ونهب بعضها من قبل أفراد “الدعم السريع” وانعدام الدواء يستحق من الجميع التحرك وتنحية الخلافات جانباً لمصلحة الإنسانية.
بيع الممتلكات
أمير الطيب الذي يقطن حي المزاد في مدينة بحري اضطر إلى بيع ممتلكاته الخاصة لتوفير حاجات أسرته اليومية، إذ يقول “منذ أكثر من عام ونصف العام لم أحصل على راتبي، وأنفقت جميع مدخراتي في الأشهر الماضية”. وأضاف، “اضطررت إلى بيع ممتلكات منزلي لأجل إطعام أطفالي، هذا مؤلم للغالية، لكنه الحل الوحيد المتاح أمامي”.
وختم الطيب حديثه بقوله إن “انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة لأكثر من 13 شهراً دفعه إلى بيع أجهزة المنزل الإلكترونية، وكذلك السجاد وأسطوانات الغاز والحاسوب المحمول”، لافتاً إلى أن “هدفه الأساس في هذه الأيام العصيبة هو توفير الغذاء لأبنائه، وبعد الحرب يمكنه تعويض كل شيء”.
جريدة اندبندنت البريطانية