الخطوط الاثيوبية وجدلية السعر

الخطوط الاثيوبية وجدلية السعر..

_ د. ميرغني محمود _

العمل التسويقي في شركات الطيران يختلف عن مجال الاعمال التجارية الاخرى وتسعير تذكرة السفر يخضع لعوامل التكلفة الثابتة وللمتغيرة والمنفعة الحدية للمستهلك او الراكب.
و يعتمد التسعير على عدد من العوامل منها المنفعة الحدية والتكلفة الحدية والتوازن ما بين الاستهلاك والانتاج وحساب اميال المقعد المتاح ASM وعامل الحمولة Load Factor وغيرها من مقاييس الأداء الرئيسة KPI
عامل الحمولة بتعريف مبسط هو النسبة المئوية للمقاعد المباعة على متن الرحلة مقارنة بالسعة المقعدية المتاحة للطائرة
حساب عامل الحمولة عملية بسيطة تتضمن قسمة عدد الركاب على متن الرحلة على إجمالي عدد المقاعد المتاحة. على سبيل المثال، إذا كانت الرحلة تحتوي على 100 مقعد و90 راكباً، فسيكون عامل الحمولة 90%.
اميال المقعد المتاحة
ASM

وهو عدد المقاعد المتاحة في الرحلة مضروبا في المسافة المقطوعة للرحلة بالاميال..

وتحدده عوامل اهمها : عدد الرحلات وعدد المقاعد المتاحة لكل رحلة ومسافة الطيران

ويخضع التسعير عادة لعوامل التكلفة بالاضافة لآلية العرض والطلب. أما التكلفة فتشمل التكاليف الثابتة والتكاليف المتغيرة

وهناك تكاليف كلية وتكاليف حدية.

التكلفة الحدية هي الأموال المدفوعة لإنتاج وحدة إضافية من
سلعة ما.

التكلفة الحدية = التغير في التكاليف (Change in Costs) مقسومة على التغير في الكمية
(Change in Quantity

وهو المجال الذي تستغله شركات الطيران في تسويق مقاعدها الشاغرة طبقا لحساب تكاليف عامل المقعد seat factor
فتوازن التكلفة مع الايرادات يصل لنقطة التوازن
Break even
في عدد محدد من المقاعد في الرحلة يتحول بعد بيع اي مقعد اضافي الى هامش ربحي وهو ما يعرف بالإيرادات الحدية… و هي
الأموال المكتسبة من بيع وحدة إضافية من سلعة ما…

ويجب وضع الجانب الاستهلاكي للعميل في الاعتبار والذي يقاس بالمنفعة الحدية وهي مدى الاشباع الذي يحققه استهلاك المزيد من السلعة مع مراعاة ان المنفعة الحدية تتناقص احيانا بزيادة الاستهلاك حيث يقوم الراكب المداوم على السفر بتغيير وسيلة السفر كالسفر بالبص او بتغيير الشركة الناقلة حينما تقدم عروض اسعار اقل

وتراعي شركات الطيران ذلك
حيث تقدم عروضا مميزة لمثل هذا الراكب وتتفنن في جذبه بحساب الاميال او بمنح مزايا اضافية كالوزن الزائد او ترفيع الى درجة اعلى حتى لا تفقده

ويلاحظ ان تكلفة المقعد تقل كلما زاد تسويق وبيع المزيد من المقاعد في الرحلة لان التكلفة الكلية تتوزع على عدد اكبر من المقاعد فتقل تكلفة المقعد الواحد مما يزيد الايرادات.

فالتكاليف الثابتة كرسوم العبور والهبوط في المطارات وخدمات المناولة الارضية تظل ثابتة دون تغيير يذكر سواء كانت الطائرة بركاب او دون ركاب وبحساب التكاليف الثابتة والمتغيرة معا (مثل الوقود والتموين ..الخ) يمكننا ان نحدد العدد المطلوب بيعه من المقاعد حتى لا تخسر الرحلة وعندما نصل لتحديد ذلك يتم تحديد السعر للمقاعد ويتم اعتماد الاستراتيجية المناسبة للبيع طبقا لذلك

فهنالك شركات تطبق التسعير المتدرج تصاعديا مع زيادة الطلب وهناك شركات تطبق التسعير المتدرج تنازليا مع زيادة الطلب كالشركات الامريكية والاروبية عند وصول نقطة التوازن (نقطة لا خسارة ولا مكسب) باعتبار انه لو باع اي مقعد اضافي بدولار واحد فقط فهو كسبان …!! وهنا تستغل الشركات السعات المقعدية لطائراتها لتزيد مكاسبها.

هذا جانب اما الجانب الآخر فهو التسعير المؤقت أو المرن لجذب ركاب المنافسين وهذا التسعير تقوم به الشركات عند دخولها للسوق اول مرة او عند عودتها للسوق بعد توقف لزيادة الطلب على مقاعدها حيث تقوم بتقديم عروض اسعار اقل مما هو متوفر في السوق ويعتمد ذلك على قدرة هذا الناقل على الصمود في السعر المخفض حتى لو ادى ذلك لخسارته للمدى القصير حيث تكون استراتيجيته استعادة زبائنه السابقين باي وسيلة وهذا ما تسعى اليه الاثيوبية حاليا بعد عودتها للتشغيل في السودان قانعة بهامش قليل من الارباح ومتحملة اي خسائر آنية في بداية اعادة التشغيل حتى تستعيد وضعها التنافسي في السوق
ويلاحظ ان شركاتنا الوطنية نهجت نهجا مختلفا في التسعير بعد استئناف الطيران بعد الحرب حيث زادت بعض التكاليف المتغيرة مثل التأمين مما دفعها لتحميل ذلك للمستهلك او الراكب وكان همها تعظيم ارباحها دون النظر لبناء علاقة ولاء مع الراكب بتطبيق مبدأ المنفعة الحدية والتكاليف الحدية السابق الذكر بل بنت تسعيرها على التكلفة الكلية وآلية العرض والطلب وتعظيم الارباح من الفرص المتاحة حيث حملت الراكب تكاليف خسائرها الكلية من الحرب فرفعت الاسعار تحت غطاء ارتفاع تكاليف التأمين الاستثنائية لظروف الحرب وعدم وجود منافس حيث دفعها هذا الاحتكار للمغالاة في التسعير لتعويض خسائرها وهو تفكير بعيد كل البعد عن الذكاء التسويقي الحكيم وبعد النظر في قراءة الجانب النفسي للزبون الذي بات ينظر لهذه الشركات نظرة سلبية باعتباره ضحية لجشعها خاصة وهو يقارن الاسعار المعروضة من الاثيوبية على خط بورتسودان – دبي باسعار شركاتنا السودانية مما اظهرها بمظهر أناني علما بأن مسار الرحلة الطويل (بورتسودان – اديس – دبي) ومدة الانتظار في صالة الترانسيت لم يؤثرا في هذا الحكم وسيترتب على نهجها هذا ان تتحمل نتائجه الوخيمة بدخول منافس قوي قادر على تحمل خسائره لمدى زمني اطول حتى يسترد اراضيه السابقة ويستعيد زبائنه المفقودين فقدرة الاثيوبية على توزيع خسائر تشغيلها الحالي إن وجدت على مكاسبها في المحطات الاخرى وعدم تاثير هذا على ارباحها الكلية يجعلها في موقف تنافسي قوي في سوق بورتسودان سيمكنها سريعا من رفع حصتها السوقية
Market share
وهي شاكرة جدا لشركاتنا الوطنية انتهاجها لاستراتيجية تقليدية احتكارية في التسويق في فترة غيابها القسري.

كل الشركات السودانية ستتأثر بدخول الاثيوبية وأقلها تاثرا هي الخطوط الجوية السودانية التي راعت كثيرا في الاسعار وبذلت جهدا مقدرا في ضبط التسعير في المحطات القليلة التي تشغلها مما جعل موقفها مختلفا نحوا ما من بقية الشركات حيث حافظت على زبائنها القدامى رغم تشغيل رحلاتها بطائرة واحدة.
بالطبع ستتوخى الاثيوبية اختيار الطائرات التي تمنحها سعات مقعدية كبيرة حتى تغطي التكاليف وتحقق ارباحا بهذه الاسعار المخفضة.

ختاما لا اعتقد ان شهر العسل الاثيوبي مع العميل السوداني بخفض الاسعار سيستمر طويلا وانما هو طعم لاستعادة زبائنها السابقين وجذب عملاء جدد في سوق ينعدم فيه تقريبا المنافس القوي لها امثال القطرية والاماراتية وشركات الطيران الاقتصادي.

Exit mobile version