يشكل مدرج طيران صغير في بنتيو طوق نجاة حيوياً في هذه المنطقة النائية الواقعة في أقاصي جنوب السودان، وقد بُنيت سواتر ترابية عالية من أجل حمايته من مياه الفيضانات المحيطة به. قرب المدرج مخيم يؤوي نحو 200 ألف شخص، ضحايا كوارث لا تحصى ضربت المنطقة من حرب أهلية عرفها جنوب السودان بين 2013 و2018، إلى الحرب الدائرة منذ 18 شهراً في السودان المجاور، وصولاً إلى أسوأ فيضانات منذ عقود أتت على منازل ومدارس ومحاصيل وبنى تحتية.
وتضرر أكثر من 700 ألف شخص جراء هذه الفيضانات في 38 من أقاليم جنوب السودان الـ79، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وقد يتفاقم وضع الفيضانات في الشهر المقبل.
وولاية الوحدة، حيث تقع بنتيو، هي من أكثر المناطق تضرراً، وهي منطقة نائية جداً. وبنى فريق مؤلف من مهندسين عسكريين باكستانيين، يعملون في إطار بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، حول المخيم جداراً يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار، لحمايته من المياه. ويعمل الفريق «ليل نهار» لتدعيم الجدار، وقد تمكن من إقامة سواتر ترابية على امتداد أكثر من 120 كيلومتراً، على ما أفاد المسؤول عنه الميجور محيي الدين.
ويكتسب مدرج الطيران أهمية حيوية مع غمر مياه الفيضانات بانتظام الطرقات، ما يجعله الوسيلة الوحيدة لإدخال المواد الغذائية والمؤن. ولجأ تاب ماش ديو، البالغ 43 عاماً، إلى المخيم من مسقط رأسه في إقليم بنيجيار في عام 2014 خلال الحرب الأهلية، وهو يتلقى وجبات غذائية من برنامج الأغذية العالمي، لكنه يضطر إلى استئجار مركب بحثاً عن الحطب.
وقال لوكالة فرانس برس: «هذه الطريقة تمكننا من البقاء». وأضاف «لو لم تقم الأمم المتحدة هذا السد لما بقي الناس هنا. بعثة الأمم المتحدة تشكل طوق نجاة للناس، وليست الحكومة».
وأعرب عن يأسه من المسؤولين، قائلاً إنهم لم يقوموا بالشيء الكثير للمساعدة منذ أن تهدم منزله، وسرقت رؤوس الماشية التي يملكها في الحرب الأهلية التي استمرت بين العامين 2013 و2018. وأوضح «الفيضانات كارثة طبيعية، لكن نهب الأبقار وإحراق المنازل من صنع الإنسان، وهذه مسؤولية الحكومة».
وقال ديفيد غارانغ، المتطوع في الأمم المتحدة في مجال الصحة، إن الأمراض تطرح مشكلة كبيرة. وأوضح أن «كل المراحيض تفيض في مركز الإيواء، ولا تحصل عمليات تنظيف ولا رفع للنفايات. الوضع صعب للغاية. أتوقع في المستقبل المنظور انتشار أمراض عدة». وتواصل بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان توفير خدمات، مع أنها سلمت إدارة المخيم اليومية إلى الحكومة، الأمر الذي لا ينال استحسان غارانغ. وقال «في حال غادرت بعثة الأمم المتحدة لن يكون الوضع جيداً. وجود البعثة مهم 100% من أجل سلامة السكان».
وأقيمت قاعدة لجنود حفظ السلام في إقليم لي المجاور منذ عام 2015، تنتشر فيها كتيبة غانية، وتسهر على الأمن، فضلاً عن توفير مساعدات، مثل الكتب المدرسية ومياه الشرب ولقاحات للحيوانات. وقال المسؤول في إقليم لير، ستيفن تايكر «ثمة الكثير من المشكلات، ومن دونهم سيكون الوضع صعباً»، لكن مع استمرار ارتفاع المياه، تبقى المهمة كبيرة. وأضاف تايكر «مشكلتنا أن المياه تغمر الطرقات. نعمل بأيدينا لنضمن بقاء الطريق صالحاً لعبور السيارات الشهر المقبل».
الأمارات اليوم