امتحانات الشهادة الثانوية السودانية تحت تأثير صدمة الحرب واستعداد الطلاب ..إصرار وزاري رغم عدم الجاهزية وسط تحديات ومصاعب

عدد دفعة عام 2023 أكثر من 500 ألف طالب وطالبة تأهبوا بالفعل للتنافس في امتحانات الشهادة الثانوية التي كان مقرراً إجراؤها في الـ10 من يونيو (حزيران) من العام ذاته

امتحانات “الثانوية السودانية” تحت تأثير صدمة الحرب واستعداد الطلاب..تدعو وزارة التربية والتعليم الطلاب إلى التوجه نحو مواصلة دراستهم والاستعداد “لتحقيق التفوق”.

يواجه الطلاب في المدن السودانية التي تعاني من نزاعات مسلحة ظروفًا صعبة وتحديات تهدد إجراء الاختبارات في تلك المناطق. بالإضافة إلى ذلك، تتواجد مخاطر أثناء تنقلهم بسبب عدم توفر ممرات آمنة للوصول إلى مراكز الامتحانات في المدن الآمنة.
بعد مرور 18 شهراً على تعطل الدراسة بسبب الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” التي بدأت في أبريل 2023، أعلنت وزارة التربية والتعليم السودانية يوم السبت الموافق 28 ديسمبر المقبل عن موعد بدء اختبارات الدفعة المؤجلة لعام 2023، تليها امتحانات دفعة عام 2024 بعد ثلاثة أشهر.

يأتي قرار وزارة التعليم السودانية في سياق الظروف الناتجة عن الصراع المسلح، حيث توقفت الدراسة لأكثر من عام ونصف، إلى جانب نزوح المشردين وتفشي المجاعة. كما يعاني القطاع التعليمي من تدهور في بيئة المؤسسات التعليمية، وعدم استعداد الطلاب نفسياً وأكاديمياً، بالإضافة إلى توقف صرف مستحقات المعلمين.

يصل عدد طلاب دفعة عام 2023 إلى أكثر من 500 ألف طالب وطالبة، حيث كانوا قد استعدوا للتنافس في امتحانات الشهادة الثانوية التي كانت مجدولة للانعقاد في 10 يونيو (حزيران) من نفس العام، لكن ألسنة الحرب أطفأت أحلامهم وأعاقتهم بين نازحين ولاجئين في الداخل والخارج.

تهيئة الأجواء

طالبت لجنة المعلمين السودانيين بالإعلان عن وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية خلال فترة تجهيز وتنفيذ الاختبارات من جانب الطرفين المتصارعين، مع الالتزام الكامل بذلك وفتح الممرات الآمنة للطلاب لضمان إجراء الاختبارات بشكل منطقي وعادل.

دعت لجنة المعلمين إلى “إعلان مراكز تجميع وتصحيح الاختبارات ومراكز سكن المعلمين والمعلمات كأماكن آمنة طوال فترة التصحيح والمراقبة، حتى يتمكن المعلمون من أداء الاختبارات في أجواء من الهدوء والاطمئنان”.

طالب البيان بضرورة دفع مستحقات المعلمين من الرواتب والالتزام بسداد مستحقات عمليات الاختبارات، مع إبداء مرونة كافية لتمكين الطلاب من التسجيل للامتحانات حتى الموعد المحدد، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير عملية للطلاب الذين لم يتمكنوا من حضور الاختبارات.

أوضاع الطلاب

أدت فترات توقف الدراسة الطويلة إلى إحباط الطلاب، خاصة وأن زملاءهم الذين غادروا السودان استمروا في دراستهم، في حين يعاني الكثير منهم من أوضاع إنسانية صعبة في مراكز إيواء النازحين.

في هذا السياق، تشير الطالبة مودة محمد الدخري إلى أن ظروف الحرب أجبرت عائلتها على النزوح إلى مدينة القضارف شرق الخرطوم، حيث تقيم حالياً في أحد مراكز الإيواء تحت ظروف معيشية صعبة للغاية. وبالتالي، فهي غير قادرة على التقدم لامتحانات الشهادة الثانوية خلال فترة 90 يوماً بسبب عدم استقرارها النفسي، بالإضافة إلى انقطاع الدراسة لمدة 18 شهراً وعدم إنهائها المنهج المقرر. وأكدت أن “الأوضاع الراهنة في البلاد ستؤثر سلباً على قدرة الطلاب على التقدم للاختبارات وتحقيق الدرجات المطلوبة، نتيجة لفقدان حوالي 40 في المئة من إجمالي الحد الأدنى لعدد أيام الدراسة المعتمدة دولياً، والذي يبلغ 180 يوماً”.

أشارت الدخري إلى أن “تهيئة الطلاب الحاصلين على الشهادة الثانوية نفسياً يعتبر من العوامل الأساسية لضمان نجاحهم، خاصةً أن الحرب أدت إلى معاناة نفسية وانعدام الاستقرار في جميع مجالات الحياة. ومع ذلك، يبدو أن المسؤولين عن التعليم تجاهلوا عن قصد أهم وسائل النجاح والتفوق.”

تحديات ومصاعب

في هذه الأثناء، يتعرض الطلاب في المدن السودانية التي تشهد صراعات مسلحة لظروف قاسية وصعوبات وتحديات تهدد إمكانية إجراء الاختبارات في تلك المناطق. بالإضافة إلى ذلك، يواجهون مخاطر أثناء تنقلهم بسبب عدم توفر ممرات آمنة للوصول إلى مراكز الامتحانات في المدن الآمنة.

يصف الطالب عز الدين الطاهر، من مدينة كادقلي بولاية جنوب كردفان، أوضاع الناجين من الحرب بأنها “مأساوية” بسبب تعرض بعضهم لصدمات قوية. وقد أثر ذلك سلبًا على قدرة الطلاب على الحفاظ على مستوياتهم الدراسية السابقة، مما جعلهم غير جاهزين للاختبارات والتنافس على مقاعد الجامعات بمختلف تخصصاتها، بسبب البيئة المحيطة بالطلاب في الشهادة الثانوية والتي تفتقر إلى الأمن والأمان، خصوصًا في مناطق النزاع المسلح.

بخصوص خطته لمستقبله الدراسي، قال الطاهر: “لست متأكداً ما إذا كنت سأتمكن من أداء الامتحانات خلال 90 يوماً لعدة أسباب، منها عدم الاستعداد بسبب توقف الدراسة، وصعوبة السفر إلى الولايات الآمنة بعد إغلاق الطرق والمخاطر المرتبطة بالتنقل، بالإضافة إلى أن حالتي النفسية سيئة جداً وقد فقدت الرغبة في كل شيء”.

وأشار الطاهر إلى “غياب العدالة، حيث إن اختبارات الشهادة الثانوية موحدة في جميع أنحاء السودان، لكن استمرار الدراسة شمل طلاب المدن الآمنة دون غيرها، على الرغم من وجود آلاف الطلاب في مناطق النزاع المسلح. وبالتالي، فإن الوضع الحالي للتعليم يساهم في تسرب الطلاب ويدفع العديد منهم للتفكير في تجميد السنة الدراسية بسبب عدم جاهزيتهم للامتحانات.”

حوافز النجاح

على صعيد متصل، اعتبر الطالب محجوب محمد مكين أن “تحديد موعد بدء الامتحانات يُعتبر خطوة إيجابية ومهمة نظراً للأهمية الاستراتيجية للتعليم، بالإضافة إلى أنه يساعد في معالجة مشاكل تراكم الدفعات واللحاق بالتعليم العالمي”. وأضاف “على الرغم من ظروف الحرب وتأثيراتها على طلاب الشهادة الثانوية، إلا أن قرار إجراء الامتحانات منطقي ويدعم استقرار الطلاب. وفي رأيي، فإن الفترة التي تمتد لـ90 يوما قبل الاختبارات كافية، وستساعد الكثيرين في الحصول على الاستعداد المطلوب لتحقيق النجاح”.

أشار مكين إلى أن “الظروف الصعبة والتحديات ستشكل حافزاً لآلاف الطلاب، لأن ثمار النجاح لا تُجنى إلا بعد جهد ور العمل المستمر والتغلب على الظروف المحيطة مهما كانت قاسية”.

إصرار وزاري

في هذا السياق، أكد مدير إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم السودانية، عماد الدين عبدالقادر، أن اختبارات الشهادة الثانوية لعام 2023 المؤجلة ستجرى في موعدها المحدد، كما سيتم بدء عمليات طباعة الامتحانات بعد فرز العطاءات في الأيام القادمة.

وجه عبدالقادر الطلاب بضرورة “الاهتمام بمواصلة الدراسة والمراجعة والاستعداد للاختبارات من أجل الوصول إلى النجاح”. وأشار عبدالقادر إلى أن “دفعة 2023 من طلاب الشهادة الثانوية تأثرت بتداعيات الحرب، بالإضافة إلى الإضرابات التي عطلت الدراسة لفترة طويلة”.

عدم جاهزية

انتقد الخبير التربوي عبدالرحمن حامد قرار إجراء الامتحانات “في ظل الأوضاع المأساوية الناتجة عن الحرب، وعدم استعداد الطلاب واستكمالهم للمنهج الدراسي، بالإضافة إلى الطريقة غير العادلة التي تتعامل بها وزارة التعليم مع الطلاب في مناطق النزاع المسلح وكأنهم غير مهمين بسبب انقطاعهم عن الدراسة مقارنة بالطلاب في المناطق الآمنة. كما أشار إلى صعوبة وصولهم إلى مراكز الاختبارات بسبب مخاطر التنقل وقلة الموارد المالية المتاحة لديهم”.

وحذّر حامد من عواقب “الاعتماد على بعض الحلول السهلة مثل إجراء امتحانات بسيطة وسريعة، والتي ستكون كارثية لأنها ستؤدي إلى تعليم غير فعال، حيث إن المنهج الدراسي هو سلسلة مترابطة لا تقبل التلاعب أو وجود فجوات فيها”.

أشار الخبير التربوي إلى أن “أوضاع الطلاب السودانيين داخل البلاد معقدة جداً، خاصة فيما يتعلق بالنزوح والتشرد وانتشار المجاعة ونقص الاستعداد الأكاديمي، مما يتطلب التعامل بواقعية مع الظروف الراهنة”.

وصفـت المتخصصة النفسية وجدان عمر بابكر قرار إجراء الامتحانات في الوقت الحالي بأنه “مستعجل”، حيث أن الحرب لا تزال مستمرة والطلاب وعائلاتهم موزعون، بعضهم خارج البلاد، والذين في الداخل ليسوا في حالة نفسية جيدة، بالإضافة إلى أن المعلمين يواجهون صعوبات مادية واجتماعية بسبب عدم صرف رواتبهم.

وأضافت أن “عددًا من طلاب المرحلة الثانوية عانوا من صدمات نفسية نتيجة تداعيات الصراع المسلح، وخاصة الفتيات، حيث لم تتم معالجة معاناتهن بشكل سريع وصحيح، مما يؤدي إلى عدم التركيز والضعف الأكاديمي، وبالتالي الفشل والرسوب في الاختبارات”. وأشارت بابكر إلى أن “آلاف الطلاب السودانيين فقدوا أكثر من نصف تعليمهم بسبب استمرار الحرب، ويواجهون أيامهم بمشاعر سلبية ونفسيات متدهورة للغاية، وهي مؤشرات لا تدل على تحقيق النجاح والتفوق في الامتحانات، وقد تؤدي إلى رسوب جماعي”.

 

جريدة اندبندنت البريطانية

Exit mobile version