قصة الشاب “لورانس” استشراء الفساد في جنوب السودان تجسده ماكوكيات “رجل الأعمال الصغير” وتجواله بين الفنادق الفاخرة.. داخل حمامات الجاكوزي.. صوره قبالة طائرة خاصة أو في الدرجة الأولى متوجها للولايات المتحدة الأمريكية

لا أحد يدري أيهم أنكأ، وأكثر عبثا بأحلام الشعوب، الحرب أم الفساد؟، ولكن المؤكد أن كلاهما اجتمع في جنوب السودان، البلد الذي تنشب الحرب في وسطه ثم تمتد إلى أطرافه. الأيام الماضية فتحت فيه (طاقة) جديدة، عنوانها الفساد، أبطالها هذه المرة من أبطال هوليوود ونجومها، الممثل جورج كالوني الشهير باهتمامه بقضايا الشعوب الإفريقية ونشط من قبل في قضية دارفور وزارها عدة مرات بعلم الحكومة ومن غيرها، وزميله ودون تشيدل ذو الأصول الإفريقية، وبعد تحقيق دام لعامين صدر تقريرهما، وفي واقع الأمر يكاد أن يعد تقرير الفساد في جنوب السوان الأخطر الذي يصدر في المنطقة عن فساد الحكومات.
وفي فاتحة المؤتمر الصحفي الذي عقد الاثنين الفائت خصيصا لإعلان التقرير، دعا الممثلان جورج كلوني ودون تشيدل، زعماء طرفي الحرب الأهلية في جنوب السودان وعائلاتهم إلى وقف نهب موارد البلاد، التي جنوا من خلالها ثروات كبيرة على حد تعبيرهما، والتقرير أعدته مجموعة ذي سنتري، وهو متعلق بتمويل الحرب في إفريقيا، وخلال المؤتمر قال الممثلان صراحة، إن سلفا كير رئيس جنوب السودان ونائبه السابق ريك مشار، والجنرالات العسكريين سرقوا المال العام واشتروا منازل وسيارات فاخرة وجنوا ثروات لأنفسهم ولأفراد عائلاتهم، وذلك من خلال حصص في مشروعات نفطية وأخرى تجارية، ونهب معونات ومساعدات إنسانية خصصت لشعب جنوب السودان.
في أول القائمة التي تم ترتيبها بحسب المبلغ الذي تم نهبه جاء اسم الرئيس سلفاكير ميارديت، الذي بحسب التقرير حصل بطرق غير مشروعة على (700) مليون دولار، والمفارقة من تلاه مباشرة أي في خانة الرقم الثاني زعيم المعارضة د.رياك مشار بمبلغ (600) مليون دولار، وأكد التقرير الذي أعده فريق التحقيق في الولايات المتحدة ويرأسه كولوني أن جماعة من نخبة الساسة في جنوب السودان والعسكريين وذويهم استغلوا الفوضى التي حدثت لإثراء أنفسهم. وقال كلوني ” مثل هذه التصرفات مدمرة، فنحن نتحدث عن الرئيس ونائب الرئيس المخلوع وجنرالاتهم. نحن قادرون على إثبات هذا دون أي شك، الأمر لا يقتصر على أنهم يقومون بهذه الجرائم، بل ويستفيدون منها أيضا”.
المهم في الأمر ما قاله مسؤول في حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وهو المتحدث باسم وزارة الخارجية، مارك تونر، الذي قال ” انتشار الفساد دليل على عدم المحاسبة والمحاباة وانهيار النظام الإداري والسياسي والاقتصادي في الدولة”، والتقى كالوني الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد نشر تقرير الفساد الذي وردت فيه أسماء معظم القادة في حكومة ومعارضة جنوب السودان وقيادات في الجيش والحزب الحاكم “الحركة الشعبية”.
ومن المهم أن نشير إلى أن قانون مفوضية مكافحة الفساد في طليعة القوانين التي تمت مصادقتها في برلمان جنوب السودان، وتم تأسيس المفوضية في عام 2007، وحكومة الجنوب تعترف بأن الفساد مستشر وبلغ شأوا عظيما، ومن أغرب التصريحات ما قاله الئيس كير في عام 2012، عندما قال إن هنالك وزراء ومسؤولين نهبوا أموالا عامة، وقال إنه سيحاسبهم، ولكنه سيخفف عنهم حال أعادوا الأموال لخزينة الدولة، وذكر أن عددهم أكثر من (75) مسؤولا، إلا أنه في نهاية المطاف حاكم ثلاثة من الوزراء وسجنهم بسبب التصرف في أموال عامة
وفي جوبا يدور حديث عن فساد في القصر الرئاسي، الرئيس وعدد من المقربين منه، وخاصة وزير الدفاع ملوال مولنغ، والذي يشار إلى أنه من الأثرياء، وجاء في تقرير كالوني على أنه حصل على أكثر من (400) مليون دولار، ويملك قصرا يقدر بأكثر من مليون دولار في العاصمة الكينية نايروبي، إضافة إلى عدد من العقارات في كمبالا، ويتحدث الشارع الجنوبي عن فساد في أسرة الرئيس، ومقربين منه، ومسؤولين كبار في مكتبه، وسبق أن اعتدى مسؤول محسوب على مجموعة الرئيس على مواطن بسبب أنه لم يفسح له الطريق لتعبئة عربته بالوقود، مما تسبب في فقدان المواطن لحياته.
واستشراء الفساد في جنوب السودان، تجسده قصة الشاب الجنوبي، “لورانس لوال مالنونغ يور” أو رجل الأعمال الصغير كما يحب أن يطلق على نفسه، وهو ذو صلة بالرئيس سلفاكير، وربيب وزير الدفاع ملونغ، الذي تزوج أمه منذ صغره، وقصة لورنس هي أحد أشهر القصص في الشارع الجنوبي، لجهة أنه شاب قليل التعليم، لم يعرف له عمل بعينه، ولم يترك له والده ثروة، ولكن دون مقدمات ظهر من الأثرياء، وهو يتباهى بذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، ودائما ما يتصور في فنادق فاخرة داخل حمامات الجاكوزي، أو أمام طائرة خاصة أو في الدرجة الأولى متوجها للولايات المتحدة الأمريكية.
أحد الناشطين من جوبا فضل حجب اسمه قال لـ(اليوم التالي) أسطورة لوال مالونغ، بدأت بعد تعيينه في وظيفة وهمية –على حد تعبيره- مشيرا إلى أنه عين مسؤولا عن جذب المستثمرين لجنوب السودان، إلا أنه لم يفلح في هذه المهمة سوى بالتباهي بصوره ورحلاته وترفيهه في حمامات الجاكوزي، وارتدائه للبدل الفاخرة
وفي مقابلة صحفية برر رجل الأعمال الصغير تصرفاته الاستعراضية وصرفه البذخي على ترفيهه وأزيائه بأنه يحاول أن يدعوا للسلام، وقال ” حتى يقلدني الشباب ويتركوا البندقية” وانتقده على مواقع التواصل الاجتماعي شباب من جوبا، وقارنوا بين الحياة التي يعيشها ربيب وزير الدفاع وبقية شعب جنوب السودان الذي يعاني الجوع والنزوح.
في أول ردة فعل لحكومة جنوب السودان على تقرير الفساد، أن أغلقت صحيفة، عبر اتصال من جهاز الأمن، القرار الذي صدر بالهاتف من الأمن لم يحدد السبب ولا مدة الإيقاف، وردة الفعل الثانية، أن وصفت التقرير بالحماقة، مع اعتراف مقتضب بأن هنالك فسادا ولكنه ليس بهذا الحجم، ثم طفقت تردد بأن الجهة التي ملكت كالوني وفريقه المعلومات لها أغراض سياسية، وفي مقدمتها الإطاحة بالحكومة وتشويه صورة الحزب الحاكم “الحركة الشعبية” وقال المتحدث باسم الرئاسة، اعتبر أن “التقرير خادع وله دوافع سياسية لتشويه صورة الرئيس كير، وصورة الجنرال بول مالونغ، رئيس أركان الجيش الحكومي، والجنرالات الذين يناضلون من أجل خير جنوب السودان”.
وأضاف، أن “معظم المعلومات خاطئة. نعم، هناك فساد في جنوب السودان، لكن هذا التقرير لا يفصل الأمر”، متهما معديه بالسعي إلى “تغيير النظام”.
المفارقة التي تبدو مزعجة أن هذا الثراء كان بسبب الحرب، إذن الحرب لها فوائد على البعض يتكسبون منها المال والجاه والسلطة، أي إن هؤلاء سيعملون على الحفاظ على مصالحهم ولو كان الثمن أرواح الأبرياء.
في جنوب السودان، لا حديث غير الحرب والفساد وانعدام الحريات، الدولة متهمة بارتكاب الجرائم وتقييدها ضد مجهول، وكذلك تغض الطرف عن جرائم حلفائها ولو كانت في رابعة النهار، واسمع ما قالته ياسمين سوكا رئيسة لجنة الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان في جنوب السودان.. قالت: “الإفلات المستمر من العقاب وغياب المحاسبة على الجرائم الخطيرة وكذلك (انتهاكات) حقوق الإنسان في جنوب السودان والتي لن يتسنى الحد منها بدون سلام دائم”. وأكدت على قلق اللجنة من ترويع نشطاء المجتمع المدني والتضييق على الصحفيين والعنف الجنسي وغيرها من الانتهاكات الحقوقية

اليوم التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.