جدد المؤتمر العالمي للغذاء رهانه على السودان بان يكون سلة غذاء العالم

لا يملك المرء سوى أن يحار وأن تصعقه الحسرة، خصوصا بعدما جدد المؤتمر العالمي للغذاء رهانه على السودان في توفير ما يكفي من الغلال لطيف واسع من سكان العالم. وخصوصا بعدما قام بتصنيفه ضمن ثلاث دول تمتلك الموارد الكافية، لتوفير الغذاء للعالم، بجانب كندا وأستراليا..!

ومصدر الحيرة يكمن في أن الحكومة لم تتمكن – حتى يوم الناس هذا – من تحقيق أمنيات وأحلام الأسرة الدولية، التي تنظر إلى بلادنا على أساس أنها حاضنة لمنابت الأرض الطيبة. وأما مكمن الوجع فهو أن السودان الموسوم بأنه سلة غذاء العالم يوشك أن يتحول إلى وعاء استيرادي بامتياز، وذلك بعدما تقلّصت صادراتُه إلى حدود الثلاثة مليارات دولار، بينما ارتفعت وارداتُه إلى تسعة مليارات دولار، بينها بعض المكونات الغذائية..!

المهم أن تصنيف السودان في ضمن أفضل ثلاث دول قادرة على توفير الغذاء للعالم، برهن على أن العافية لا تزال تسري في جسد السودان الزراعي، وأنه لم يمت كما يسوِّق لذلك كثيرون، بينهم نافذون في الحكومة. وأهم من ذلك فقد كشف التصنيف عن حلقة جديدة في مسلسل فشل النخب السودانية، ذلك أنها عجزت عن تنزيل تلك التصنيفات إلى أرض الواقع..!

وظني، أن هذا التصنيف أمرٌ جيد ومهم، لا سيما أنه يأتي في ظل ظرف اقتصادي موجع تعيشه البلاد، وفي ظل تراجع دور السودان، في ما يلي رفد السوق الإقليمي والعالمي بالمنتجات الزراعية. لكن ما ليس جيداً، ولا حسُناً، هو أن يصدر هذا التصنيف في العواصم البعيدة، بينما تتمدد أزمة الزراعة في السودان مع مرور الأيام، إلى أن بلغت مرحلة أن يترنح مشروع الجزيرة، عملاق المشاريع الزراعية في العالم، من فرط السياسات الخاطئة. بل إنه يوشك أن يخرج عن دائرة الإنتاج تماماً، وكل ذلك بفضل العقول العجيبة التي تتولى إدارة الشأن الزراعي في السودان..!

قناعتي، أن هذا التصنيف وحده، يكفي لأن ننصب مقصلة المحاسبة لكل من تورّط في تراجع الإنتاج الزراعي السوداني، وخصوصاً في الوقت الذي ينظر فيه العالم إلى السودان، على أساس أنه ضمن الحواضن الثلاث الرئيسة والمهمة والقادرة على توفير الغذاء، ليس للداخل، أو المحيط الإقليمي، وإنما للعالم كله..!

وهذا الحديث يبرهن – بجلاء – على أن المشكلة ليست في الأرض، التي يروّج البعض إلى أنها شاخت، ولا في الأيادي العاملة، التي يُشاع أنها هاجرت، أو هجرت الزراعة. وإنما في الخطط الرخوة، والبرامج الهشة التي يُدار بها أمر الزراعة في السودان، وفي مشروع الجزيرة على وجه الخصوص..!

الثابت، أن مثل هذه الشهادات القادمة من منصات عالمية متخصصة، تجعلنا نذرف الدمع على الواقع الإنتاجي البائس، الذي وصلنا إليه، لأن الحكومة تصرفت بصورة ممعنة في الخطأ، وذلك حينما أشاحت بوجهها عن القطاع الزراعي، بمجرد أن سالت قطرات من النفط في آبار محدودة بالبلاد..!

يحدث هذا في حين أن الدول النفطية، تسعى عامدة إلى تطوير مشاريعها الزراعية، لأنها توقن بأن أسعار المنتجات الزراعية، خارج لعبة الموازنات الدولية، على عكس ما يحدث في أسعار النفط، الذي يعيش أسوأ أيامه منذ سنوات طويلة.
الصيحه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.