الانفصال برهن على حالة العداء المستحكم بين الطرفين والأسلوب السلس الذي تم به هذا الانفصال يعتبر مؤشراً على رضاء الطرفين بنهاية هذا الزواج الكاثوليكي خاصة جوبا التي انتظرت طويلاً. الخرطوم بحسن نية لا تعبر عن رؤية استراتيجية اعترفت بجوبا كعاصمة افريقية جديدة مضحية بربع مساحة السودان ظناً منها بأن ذلك سوف يحقق لها السلام والأمن والاستقرار ولكنها صدمت انطلاق شرارة التمرد بدارفور مباشرة بعد إعلان انفصال الجنوب. سلفاكير في احتفالات الانفصال أرسل رسالة قوية لعدة جهات مفادها بأنه سوف لا ينسى أصدقاءه في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور ورسالته تعني أن سيناريو تقسيم السودان لازال مستمراً وان انفصال الجنوب يمثل مرحلته الأولى. ياسر عرمان الذي كان ملماً بتفاصيل سيناريو التقسيم صرح هو الآخر بأن الحرب سوف تندلع مباشرة بعد إعلان انفصال الجنوب في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور وهذا ما حدث بالضبط. كل ذلك يدل على أن السودان يتعرض لمخطط دولي ديناميكي كبير يسير على نار هادئة لتقسيمه لدويلات صغيرة مجزأة ومفككة وفاشلة وان حكومة الجنوب وحركات التمرد والمعارضة السياسية عبارة عن آليات لتنفيذ ذلك المخطط. قادة الجيش الشعبي صرحوا بأن الحرب الجديدة بين الشمال والجنوب سيكون مسرحها شمال السودان ولتحقيق تلك الغاية احتفظت حكومة الجنوب بعلاقاتها مع قطاع الشمال وعدم فك ارتباطها بالفرقة التاسعة والعاشرة اللتين أصبحتا جزءاً أصيلاً من صلب تنظيم الجيش الشعبي. بعد الانفصال أصبح شمال السودان مسرحاً للحرب الجديدة كما خطط لذلك الجيش الشعبي والقوى الخارجية الداعمة له الحرب الأهلية الدامية بين القبائل الجنوبية التي تدور حالياً عطلت وعرقلت المخطط الدولي الساعي بقوة لتقسيم السودان. الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي بالجنوب يعبر عن ميلاد دولة فاشلة بالمنطقة ويعتبر ذلك فشلاً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية التي دعمت انفصال الجنوب بقوة. دولة الجنوب الوليدة مبنية على أسس قبلية وهذا يعني أن هذه الدولة لا يمكن لها أن تحقق الأمن والاستقرار لمواطنيها وإنها ستصبح بؤرة للتوتر بالمنطقة. لإنقاذ ما يمكن انقاذه أصبحت الولايات المتحدة الامريكية تنادي بقوة بوضع جنوب السودان تحت الوصاية الدولية بعد أن برهن عملياً شعب جنوب السودان بأنه لم يصل للمرحلة التي يمكن أن يحكم فيها نفسه بنفسه. الجنوب الآن في أضعف حالاته وسياسة الأذى المتبادل هي التي تردعه. حركات التمرد التي تدعمها حكومة الجنوب أصبحت مستهدفة بواسطة المعارضة الجنوبية والجيش الوطني بليبيا وبالتنسيق مع هذه القوى يمكن تدمير هذه الحركات حتى تفقد جوبا أهم كروت ضغطها. كل الحكومات تعترف بالقوى التي لها وجود على حدودها السياسية والآن حكومة الجنوب ليس لها وجود في معظم حدودها مع السودان فإن التعاون مع قوى المعارضة الجنوبية أفضل من التعاون مع حكومة الجنوب التي لا تملك قرارها السياسي.
خلاصة القول: دولة الجنوب أصبحت دولة فاشلة ولا مستقبل لتطوير وتحسين العلاقات معها. تصريحات المسؤولين بحكومة الجنوب عن طرد حركات التمرد وتحسين العلاقات عبارة عن ذر للرماد في العيون واستهلاك سياسي لكسب عامل الزمن لتجاوز المشاكل الداخلية. فشل حكومة الجنوب سيقود إلى عودة ااستعمار مرة أخرى للقارة الافريقية عن طريق الوصاية الدولية المقترحة لحفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة ما لم يتدارك الاتحاد الافريقي ذلك. لا تعاون مع عدو استراتيجي. عجلوا بقفل الحدود ووقف تصدير بترول الجنوب عبر الشمال.
ختاماً: جوبا دولة مسيرة وليست مخيرة وهي دولة مصنوعة لا تملك ارادة سياسية لتحقيق السلام. العلاقات تقام بين الدول وجوبا ليست دولة. لا تحرثوا في البحر.
وبالله التوفيق.
الصحافة