تستمرّ فعاليات حملة “فيسبوك يحظر فلسطين” (#FBCensorsPalestine) التي أطلقها انشطون فلسطينيون ليل الجمعة السبت، بعدما قام الموقع بحظر صفحات محررين في صفحات فلسطينيّة شهيرة. أولى الخطوات التصعيدية حصلت ليل أمس، الأحد، بتجميد النشر والتفاعل على موقع “فيسبوك”، منذ الساعة الثامنة إلى العاشرة بتوقيت القدس. وهي حملة شاركت فيها عشرات الصفحات الإخبارية والثقافية الفلسطينية والعربية، بينها “قدس” و”شهاب”، و”الاشتراكيون الثوريون” و”6 إبريل”، و”مصر العربية” و”العرب” القطرية و”العربي الجديد”.
يقول الناشط والمدون الفلسطيني، وأحد القيمين على حملة “فيسبوك يحظر فلسطين”، أحمد البيقاوي، لـ”العربي الجديد”: إنّ “هذه الحملة ليست افتراضيّةً إنما في سياق متابعة الاحتلال الإسرائيلي للناشطين الفلسطينيين الميدانيين، ومنسّقي المبادرات المحليّة. فالمواقع الاستخباراتيّة تدرس البروفايلات الفلسطينيّة عبر وحدة الرصد، التي أنشأها الاحتلال. والجديد أنّ الاحتلال صدّر ذلك لفيسبوك. فعادةً، يتمّ الحذف عبر اللجان الإلكترونيّة التي تبلغ عن محتوى ما، وتطوّر هذا الأمر ليصبح مجموعة من الطلبات يتعامل معها “فيسبوك” على الفور”. ويضيف: “سابقاً، كان (فيسبوك) ينوّه إلى بعض المنشورات التي يحظرها، وسبب ذلك، إنما هو اليوم يقوم بحذف حسابات بأكملها من دون أيّ إنذار”.
ويشير البيقاوي إلى أنّ عدداً من المعارف داخل شركة “فيسبوك” أبلغ الناشطين بخطورة السياسة الجديدة للشركة، إذ إنّ الاتفاق ينصّ على حذف كل المحتوى الذي يزعج الاحتلال الإسرائيلي، ونوعيّة المنشورات هذه المرة إخباريّة، والتي هي باب للتعامل مع الصحافة المناصرة للقضيّة الفلسطينية، أي أنّ دائرة الحظر توسعت هذه المرة.
ولاحظ الناشطون قيام “فيسبوك” بحذف “أدمن” أو صفحة بمعدّل كل نصف ساعة إلى ساعة في الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول الجاري، مما دفعهم إلى التحرّك فوراً، وإطلاق حملة #FBCensorsPalestine التي كانوا يعدّون لإطلاقها الشهر المقبل.
تركّز الحملة في خطابها على حرية التعبير، وحق الفلسطينيين في نشر آرائهم على المنصة، التي يستخدمها أكثر من 1.65 مليار شخص حول العالم، أي أنّ الخطاب موجّه إلى “فيسبوك” نفسه وليس إلى الاحتلال الإسرائيلي، بحيث تطالب الحملة إدارة “فيسبوك” بالتراجع عن الاتفاق بمراقبة المحتوى الفلسطيني على الصفحات والحسابات الشخصية بالموقع، وحذف كل ما يزعج الاحتلال فورًا، وذلك احترامًا للمواثيق والاتفاقيات والمعايير الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.
كما تدعو الحملة إلى التراجع عن دعم الوضع غير الشرعي الناجم عن سياسات وممارسات الاحتلال، ونشر نص الاتفاق بكافة بنوده، وتوضيح آليات تطبيق الاتفاقيات بشكل عام، والاتفاق بشكل خاص. هذا بالإضافة إلى الإعلان عن الشروط التي تسمح لإدارة فيسبوك بتجاوز الحريات الشخصية لمستخدمي الإنترنت، والتعاقد مع سلطات وأنظمة لتقييدها، ما يُشكّل تجاوزاً لتقارير الشفافية، التي يصدرها “فيسبوك”، ليتحدث عن محاولات الحكومات خرق خصوصيّة المستخدمين.
ويستقبل الناشطون أفكاراً عدّة كلّ يوم لتطوير الحملة، وهي المستمرّة إلى حين تراجع “فيسبوك” عن حذف الحسابات، واعتذاره، وتقديمه التفسيرات والآليات التي عمل عليها لحظر الحسابات. كما تأخذ الحملة في الحسبان خطوات تصعيدية أخرى، بحسب البيقاوي.
لكنّ البيقاوي يؤكد أنّ قضية المقاطعة الكليّة ليست مطروحة حالياً، “الناشطون يتعاملون مع (فيسبوك) على أنه مساحتهم، هذا بالإضافة إلى أنّ الاحتلال يريد إبعادهم عنها، بعد نجاحهم في استثمار الموقع لنشر الأخبار وكتابة التعليقات وإقامة الحملات الإلكترونية المرتبطة بالانتفاضة التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي”.
قيام “فيسبوك” أخيراً بحذف الحسابات الفلسطينيّة ليس الخطوة الأولى التي يقوم بها الموقع الأزرق، فهو لطالما حذف حسابات مستخدمين فلسطينيين ومحتوى يندّد بجرائم الاحتلال. كما يقوم الاحتلال منذ الانتفاضة في أكتوبر 2015 بمراقبة المضامين الفلسطينية، ويجري رصداً للمنشورات، ليلاحق الفلسطينيين ويضايقهم إن كتبوا ما لا يعجبه، مما وصل إلى حد اعتقال عدد من الناشطين.
إلا أنّ سياسة “فيسبوك” الجديدة ضدّ الفلسطينيين تأتي بعد الاتفاقية التي أبرمها مع الاحتلال الإسرائيلي هذا الشهر، أتت بعدها عدة خطوات تشير إلى أنّ هذه الاتفاقيّة تعدّ الأكثر خطورة، إذ تقتضي مسح وحذف كلّ المحتوى الذي يزعج الاحتلال، ما كان سبباً رئيسياً في إطلاق الحملة الفلسطينية.
وساهم سنّ قانون إسرائيلي ضد شركة “فيسبوك” يتيح للمحاكم إلزام الشركة بحذف المضامين التي تعتبرها إسرائيل تحريضا على الإرهاب، إلى جانب ضغوط مكثفة من الحكومة الإسرائيلية، ومنظمات إسرائيلية وأخرى يهودية أميركية وأوروبية، في الضغط على شركة فيسبوك لجهة زيادة التعاون والتجاوب مع حكومة الاحتلال.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في الثاني عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، أنّ الحكومة الإسرائيلية تستمر في الضغط على “فيسبوك” لحذف كلمات وعبارات تنشر في صفحات الشبكة تدعي أنها “تشجع الإرهاب”، مثل عبارات “انتفاضة، شهيد والموت لليهود”، وغيرها من التعابير المستخدمة في وصف ممارسات الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني.
وقالت الصحيفة حينها إنّ “اتصالات بهذا الخصوص جرت بين إسرائيل وبين شركة فيسبوك منذ اندلاع الهبة الفلسطينية، في محاولة لمراقبة (مضامين تحريضية)، خاصةً بعد وقوع عمليات فلسطينية”. ولفتت الصحيفة إلى أن “فيسبوك كانت قد أنشأت آلية تطوعية لحذف مضامين كهذه، لكن الشركة رفضت في بعض الأحيان الاستجابة لمطالب إسرائيلية بحذف صفحات معينة”.
اجتماع “فيسبوك” ووزراء الاحتلال
عقدت في الثاني عشر من الجاري جلسة مشتركة بين ممثلين عن حكومة الاحتلال، وعلى رأسهم وزيرة العدل الإسرائيلية، إيليت شاكيد، ووزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، وبين وفد عن فيسبوك على رأسه نائب مدير الشركة، جوال كابلان، ومونيكا بيكرت، ومسؤولة العلاقات في فيسبوك مع الحكومة الإسرائيلية، جوردينا كوتلر.
وتقرر في ختام الجلسة تعزيز التعاون بين الطرفين في هذا المضمار، لا سيما وأن الكنيست الإسرائيلي أقر في دورته السابقة، بالقراءة التمهيدية، قانون فيسبوك، الذي يتيح فرض غرامات على شبكات التواصل ومواقع الإنترنت التي تقوم بنشر مواد يعتبرها الاحتلال تحريضية.
في الثاني عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، كشفت وزيرة العدل الإسرائيلية، إيليت شاكيد، عن أن شبكات تويتر وفيسبوك وغوغل استجابت في الفترة الأخيرة بشكل أكبر مع مطالب إسرائيل بمحو مضامين فلسطينية وعربية، يعتبرها الاحتلال “تحرض على العنف والإرهاب”.
وبينت شاكيد في كلمة لها، أمام مؤتمر عقد في هرتسليا تحت عنوان “مكافحة الإرهاب”، أن شبكة فيسبوك استجابت بين شهري مايو/أيار وأغسطس/آب لـ 95 بالمائة من توجهات حكومة الاحتلال بمحو مضامين فلسطينية من الشبكة، من أصل 158 طلبا قدمتها إسرائيل بهذا الخصوص. أما قناة يوتيوب، التي قدمت لها حكومة الاحتلال 13 طلباً، فقامت بحذف 80 بالمائة منها.
في الحادي والعشرين من الجاري، حذف الموقع منشوراً يتضمن بطاقة شخصية تعود إلى الفلسطينية فاطمة علي سالم أبو حوشية من مواليد قطنة عام 1910، بدعوى أنه يتضمن محتوى عنصرياً، بعدما ترافقت بتعليق “عمرها أكبر من الاحتلال”، فقام الناشطون بتداول الصورة مجدداً لمحاربة إجراء “فيسبوك”.
ويوم الثالث والعشرين من الجاري، أقدم “فيسبوك” على تعطيل حسابات عدد من المحررين الذين يعملون في الوسيلتين الإعلاميتين الفلسطينيتين الأكثر انتشاراً. فقد وجد مدير كل من صفحة “قدس”، عز الدين الأخرس، التي يتابعها أكثر من 5 ملايين شخص، ووكالة “شهاب للأنباء” التي يتابعها أكثر من 6 ملايين شخص، أنهما لا يستطيعان الدخول إلى حساباتهما يوم الجمعة. كما أوقف الموقع حسابات ثلاثة محررين في صفحة “قدس”، وخمسة محررين في وكالة “شهاب”.
عين اليوم