الفاشر.. سباق الأمتار الأخيرة للمعارك

استمرت العمليات الحربية في مدينة الفاشر اليوم الخميس، وشهدت المدينة تحليقًا مكثفًا للمقاتلات الحربية، التي ألقت قنابل على أهداف تخص قوات الدعم السريع شرق المدينة، كما تبادل الطرفان القصف المدفعي.

حرب الفاشر وشح العملة يرسمان ملامح انقسام السودان اقتصاديًا وإداريًا
أما العمليات البرية لا تزال قليلة مقارنة مع الفترة الماضية، ويعود ذلك إلى رغبة كل طرف بالاحتفاظ بالمواقع التي يسيطر عليها في ظل ارتفاع حدة المعارك العسكرية، وتزايد الرغبة بينها للوصول إلى الحسم النهائي، وكأنه سباق الأمتار الأخيرة.

وانعكست التطورات الميدانية على أوضاع المواطنين، ونفدت السيولة النقدية في الأسواق بشكل كبير، وارتفع التبديل في النقد الإلكتروني بخصم يصل إلى 40% مقابل توفير السيولة النقدية “الكاش”. ويتدهور قطاع العملة في الفاشر بالتزامن مع قرارات البنك المركزي السوداني باستبدال فئتين كبيرتين وهما الـ(500) جنيه و(1000) جنيه، ورغم بداية عمل المصارف في مناطق سيطرة الجيش والآمنة نسبيًا في استلام الأوراق النقدية من الفئات القديمة، إلا أن المركزي السوداني لم يوضح كيفية التعامل مع نقل النقود إلى المناطق الساخنة أو الواقعة خارج سيطرتها.

أطلق مراقبون اقتصاديون على التغييرات التي أعلن عنها البنك المركزي السوداني في العملة بـ”حرب الجنيه السوداني”، خاصة مع صعوبة تداول العملات الجديدة في المناطق الساخنة أو الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع، لتوقف البنوك في هذه المناطق وإغلاق غالبية الأسواق بسبب الأوضاع الأمنية.

قال مواطنون من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إن بعض التجار اشتروا الدولار الأميركي في سوق المواشي بسعر (120) جنيه مقابل واحد دولار أميركي، بسبب نقص شديد في السيولة النقدية للجنيه السوداني.

وقال أكرم وهو من سكان الفاشر لـ”الترا سودان”، إن السيولة النقدية غير متوفرة في الأسواق، لذلك باع التجار الجنيه السوداني بسعر قياسي مقابل الدولار الأميركي، ووصل إلى (120) جنيهًا، بينما سعر الصرف في السوق الموازي (240) جنيهًا.

وأدى نقص السيولة النقدية في الفاشر إلى ارتفاع قيمة الجنيه السوداني، بينما لا تشكل المبالغ الموضوعة في المحافظ الإلكترونية تأثيرًا مثل السيولة النقدية، لأن انقطاع شبكة الإنترنت لا يساعد على حركة التحويلات الإلكترونية وفق أكرم.

وتشهد الفاشر عمليات عسكرية لأسبوعين على التوالي بين القوات المسلحة و”المشتركة” والمتطوعين، ضد قوات الدعم السريع.وكان البنك المركزي السوداني أعلن استبدال الفئتين من (500) جنيه و(1000) جنيه، وسحبهما تدريجيًا من التداول، معللًا ذلك بانتشار العملات المزورة والتي رفعت نسبة التضخم بتوسيع نطاق الكتلة النقدية.

ويرى المحلل الاقتصادي أحمد بن عمر، أن إقليم دارفور متضرر من الحرب والعزلة الاقتصادية، ونسبة مساهمتها في الاقتصاد الكلي تراجع إلى أقل من النصف، بالتالي انعكس على تداول العملة المحلية.

ويرى أحمد بن عمر في حديث لـ”الترا سودان”، أن إقليم دارفور سيعاني من شح السيولة النقدية، وهناك أنباء عن صرف الحوافز للجنود من القوات المشتركة والعسكريين بالعملة الصعبة، وجرى استبدالها بأسعار أقل من السوق الموازي.

فيما قال أكرم من سكان الفاشر، إن بعض المواطنين استبدلوا السلع مثل الحبوب الغذائية بسلع أخرى، نتيجة شح السيولة النقدية في أسواق الفاشر، خاصة سوق الماشية الذي يصدر المركز الرئيسي لتداول النقود الورقية.

وتشهد الفاشر عمليات عسكرية مستمرة بين القوات المسلحة والقوى المتحالفة معها ضد قوات الدعم السريع التي تسعى للسيطرة على المدينة، ونفذت حوالي (150) هجومًا عسكريًا خلال أربعة أشهر، ووفقًا للمتحدث باسم المشتركة فشلت جميعها.

وأدت العمليات الحربية في الفاشر إلى نزوح نحو ثلث السكان البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص، كما قتل حوالي (750) شخصًا، وأُصيب أكثر من ثلاثة آلاف شخص بوقوع القذائف الصاروخية في مراكز الإيواء والأحياء السكنية.

مقاومة الفاشر: القصف المدفعي بدأ صباح اليوم بين الجيش وقوات الدعم السريع، فيما تدخل سلاح الجو السوداني، وقصف أهدافًا للدعم السريع شرق المدينة.
وقالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر، اليوم الخميس، في رسالة إلى “الترا سودان” إن القصف المدفعي بدأ صباح اليوم بين الجيش وقوات الدعم السريع، فيما تدخل سلاح الجو السوداني، وقصف أهدافًا للدعم السريع شرق المدينة.

وانتقلت العمليات الحربية بين القوات المسلحة والقوى المتحالفة من جهة، ضد قوات الدعم السريع في الفاشر مرحلة حرجة بسبب حشود كبيرة، وفق إفادات الشهود الذين تحدثوا مع “الترا سودان”، عن وصول التحشيد العسكري بين الأطراف المتحاربة إلى مرحلة “حسم المعركة بشكل نهائي”.

تندفع القوات المسلحة و”المشتركة” بآمال الحفاظ على المدينة من الوقوع على يد قوات الدعم السريع، بينما الأخيرة تسعى إلى السيطرة على آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، لتحتفظ بكامل التراب في خمس ولايات، هي التي تشكل إقليم دارفور الذي يعادل مساحة فرنسا.

يقول المراقبون إن الفاشر تحدد مصير حرب السودان من خلال رسم خارطة السيطرة العسكرية، والإجابة على السؤال لن تتأخر كثيرًا مع احتدام المعارك بين الأطراف المتحاربة، وفق عمر جلال الباحث في شؤون النزاعات في إفريقيا.ويعتقد جلال في حديث لـ”الترا سودان”، أن أي خسارة للفاشر ستكون لها آثار على مستقبل الحرب في السودان، وتظهر ملامح الانقسام في هذا البلد، ويمكن ملاحظة انسداد الأفق بشأن وقف الحرب، أو مجرد “نقطة ضوء” للحوار بين الأطراف المتحاربة.

ويرى جلال أن الحرب في السودان، لا سيما في الفاشر، توضح بجلاء التدخل الإقليمي والتقاطعات الدولية التي لديها مصالح مع دول الإقليم، مشيرًا إلى أن حرب السودان تمر بحالة ارتباك وسط المجتمع الدولي، الذي لا يمانع في التكيف مع نتائجها سواء أفرزت دولة واحدة أو دول مفككة.

وتابع: “ينبغي الشعور بالقلق من صمت المجتمع الدولي حيال الانتهاكات المروعة في شرق ولاية الجزيرة، وفي استمرار حصار الفاشر رغم القرارات الصادرة من مجلس الأمن الدولي، ما يعني وجود قوى إقليمية ظاهرة للعيان تساند هذه الأمور”.

الترا سودان

Exit mobile version