تسعى وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي إلى تدابير جديدة لإدارة الاقتصاد وتعويض الخسائر الناتجة عن الحرب،من خلال أعمال المؤتمر الاقتصادي التي انطلقت اليوم الثلاثاء بمدينة بورتسودان عاصمة الحكومة المدعومة من الجيش، ومع ذلك فإن المؤشرات المتوفرة لديها لتحسين هذا القطاع تبدو بعيدة الآمال وفق إفادات أدلى بها خبراء اقتصاديون لـ”الترا سودان”.
يظهر المحللون الاقتصاديون تشاؤمًا حيال تحسن الاقتصاد في ظل استمرار الحرب وينصحون المالية بوضع توصيات لوقف القتال ومعالجة القضايا سياسيًا
وكان وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم، أقر خلال تصريحات صحفية في آذار/مارس 2024، بفقدان الموازنة ثلثي الإيرادات العامة بسبب الحرب، مشيرًا إلى أن هذه الأزمة حولت الاقتصاد إلى اقتصاد حرب.
لجأت الحكومة في مناطق سيطرة الجيش لإنعاش قطاع الذهب بإجراء تغييرات على إدارة الشركة السودانية للموارد المعدنية، وتوسيع دائرة المناطق المنتجة، وتأمل في الحصول على ملياري دولار بنهاية هذا العام.
بالمقابل فإن الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم، يظهر تشاؤمًا إزاء تحسن الاقتصاد في ظل استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، بسبب فقدان مدن كاملة شكلت روافد رئيسية للاقتصاد مثل الخرطوم وود مدني والفاشر ونيالا، مشيرًا إلى أن أجزاء واسعة من المناطق المنتجة زراعيًا وحيوانيًا تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وتوقفت فيها جميع الأنشطة التجارية والزراعية، وحركة التداول للعملة ونقل السلع خاصة بعد قرار قائد الدعم السريع بوقف شحن السلع إلى مصر.
ويرى إبراهيم في حديث لـ”الترا سودان”، أن الاقتصاد في ظل الحرب إما أن يحصل على دعم خارجي منتظم من الدول الصديقة، أو أن يعتمد على المناطق الآمنة بتطوير خطط الإنتاج ومحاصرة الحرب في نطاق ضيق جدًا.
وتابع: “لا أعتقد أن دولة ما أو صندوق إقليمي أو دولي لديه رغبة إقراض أموال للحكومة القائمة في بورتسودان، لأن الوضع لا يسمح بضخ مئات الملايين من الدولارات، في ظل مظاهر الفوضى التي تصدرها الحكومة بالسماح للمجموعات المسلحة، بتصدر المشهد السياسي وإظهار قدرة الحكومة وكأنها ضعيفة ومفككة”.
تقدر الموازنة العامة في المتوسط خلال السنوات الماضية بنحو ستة مليار دولار، وخلال العامين الأخيرين أحجمت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي من إظهار الأرقام التقديرية للموازنة.
ويشير مصدر من قسم الموازنة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، مشترطًا عدم نشر اسمه إلى أن المؤتمر الاقتصادي يستهدف معالجة الخلل الذي شاب الاقتصاد والإنتاجية والسياسات المالية، جراء الحرب التي تستمر منذ (19) شهرًا.
وتابع: “عندما يتحدث الناس عن المؤتمر الاقتصادي هذا، يعني أنهم يودون البحث عن بدائل، والاقتصاد يقوم على البدائل إذا فقدت البنود المالية التي كانت سارية قبل الحرب، علينا أن نبحث عن القطاعات التي يمكنها أن توفر الإيرادات المالية للإنفاق على الأجور والكهرباء والخدمات العامة، وصيانة الطرق والصحة والتعليم”.
وكان وزير المالية جبريل إبراهيم، أبلغ المبعوث الألماني الذي زار بورتسودان أمس الاثنين، أن المواطنين واجهوا تقصير المجتمع الدولي خلال الحرب، وحتى الدعم الخارجي يتشرط تقديمه عبر طرف ثالث وهي الوكالات الأممية.
ويكشف المصدر الذي تحدث لـ”الترا سودان”، من قسم الموازنة بوزارة المالية عن خطط ما أسماه بـ”الاقتصاد الجديد”، خلال المؤتمر المُنعقد في بورتسودان، اعتبارًا من اليوم الثلاثاء 19 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ويشارك فيه رئيس مجلس السيادة الانتقالي بمعرفة المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة والحكومة ومدى إسهامها في خلق الإيرادات العامة، سواء كانت الضرائب أو الرسوم الأخرى، على أن تعود إلى المواطنين الخدمات الأساسية في قطاعات الصحة والتعليم والأمن وخفض تكلفة المعيشة.
وأضاف: “نتطلع إلى سد الثغرات الاقتصادية وخلق الفوائد العامة، وهذه الخطط تقترن مع استبدال الفئات النقدية، ونقل الأموال من القطاع التقليدي إلى القطاع المصرفي، وتوسيع دائرة المحافظ الإلكترونية لمساعدة الجمهور على التحويلات الإلكترونية، وتقليل تداول الأوراق النقدية في التعاملات الشرائية”.
وارتفع سعر الصرف للجنيه السوداني متأثرًا بالحرب من (560) جنيهًا، إلى (2400) جنيه، حتى تعاملات مطلع هذا الأسبوع، ورغم التراجع في السوق الموازي مؤخرًا من 2800 إلى 2400 جنيه، إلا أن الإطار العام للنقد الأجنبي، لا زال مرتفعًا ومرشحًا للصعود حسب خبراء.
ويعتقد معز فتح الرحمن الباحث الاقتصادي، أن الحرب تلتهم غالبية الإيرادات من الخزانة العامة، ودون الإجابة على هذا السؤال، لا يمكن الإجابة على أسئلة ستطرح خلال المؤتمر الاقتصادي في بورتسودان، مشيرًا إلى أن العملية تشبه مهرجانًا حكوميًا أكثر من كونها تختص بالبحث عن مخارج النجاة.
وأردف: “الاقتصاد لا يدار بمعزل عن بنود الصرف على القطاع الأمني والعسكري والسودان منذ سنوات طويلة يكتوي بنيران الصرف على هذين القطاعين في ظل عسكرة مستمرة للحياة في هذا البلد مع انتشار الحروب في الأطراف وانتقالها منذ عام ونصف إلى مركز البلاد وهي العاصمة السودانية”.
ويقول فتح الرحمن لـ”الترا سودان”، إن الاقتصاد يدار عبر السياسة والقطاعين لديهما اقتران شديد وتأثير على الآخر، والبلدان تتجنب الحروب حتى تنفق الأموال المتوفرة لديها على التنمية، بالتالي على المؤتمر الاقتصادي في بورتسودان أن يخرج بتوصيات قوية بوقف الحرب فورًا ومعالجة الأزمة سياسيًا.
ويوضح فتح الرحمن أن أغلب مناطق الإنتاج تشتعل بالعمليات الحربية، وخرجت قطاعات الصمغ العربي والذهب في كردفان وجنوب دارفور من دائرة الخزانة العامة، كما تأثرت المحاصيل الواردة من إقليم دارفور كردفان والجزيرة بالعمليات العسكرية، وعدم وجود طرق آمنة، والرسوم التي تفرضها قوات الدعم السريع على الشاحنات وتهديد حياة السائقين.
وتابع: “المؤتمر الاقتصادي، عندما ينظر إلى خارطة البلاد، سيجد نفسه يلاحق الاقتصاد في مساحة صغيرة من رقعة جغرافية كبيرة، مثل قطعة واحدة من كيكة كاملة تقع تحت الفوضى العسكرية”.
الترا سودان