قانون “جاستا” يصطدم بالعلاقات الدولية والاقتصادية

يعد تمرير قانون أميركي يسمح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 رفع دعاوى قضائية ضد حكومات أجنبية خطوة غير مسبوقة، قد تفتح أبوابا كثيرة أمام قوانين مشابهة ستطال الولايات المتحدة ودول أخرى، بينما سيكون من الصعب أن تصمد هذه الإجراءات أمام العلاقات والمصالح الاستراتيجية للدول.

ورفض الكونغرس الأميركي بأغلبية ساحقة، الأربعاء، الفيتو الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما ضد قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” المعروف إعلاميا بـ “جاستا”، وهو أول فيتو يتم إسقاطه خلال فترة حكم أوباما.

ولا يحدد القانون بصيغته الحالية دولا بعينها، ولا يستهدف السعودية على وجه التحديد بل كل الدول التي يمكن أن تنطبق عليها بنوده.

وحذر أوباما وكبار قادة الجيش والاستخبارات مرارا من أن هذا القانون لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، ويعرض الحكومة الأميركية لقوانين مشابهة.

وقال أوباما في مقابلة سابقة مع شبكة سي بي سي إنه إذا “أفسحنا المجال أمام أفراد أميركيين لمقاضاة الحكومات بشكل مستمر، فإننا سنفتح الباب أمام مقاضاة الولايات المتحدة من قبل الأفراد في بلدان أخرى”.

ضرر أمني

وقد تجاوز الكونغرس بغرفتيه فيتو أوباما، بعد وقت وجيز على تحذير مدير المخابرات المركزية “سي.آي.أيه”، جون برينان، من أن القانون سيكون له “تداعيات خطيرة” على الأمن القومي الأميركي.

وقبل تصويت الشيوخ، قال برينان “النتيجة الأشد ضررا ستقع على عاتق مسؤولي الحكومة الأميركية الذين يؤدون واجبهم في الخارج نيابة عن بلدنا. مبدأ الحصانة السياسية يحمي المسؤولين الأميركيين كل يوم وهو متأصل في المعاملة بالمثل”.

وكانت السعودية التي تقود تحالفا إسلاميا واسعا ضد الإرهاب، قد حذرت في أكثر من مناسبة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تمرير هذا القانون، وهي تراه غير مبرر.

ويستند داعمو القانون إلى أن مواطنين سعوديين كانوا ضمن خاطفي الطائرات التي هاجمت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر، رغم أن السعودية من بين الدول المتضررة من إرهاب تنظيم القاعدة.

الحرب على الإرهاب

ومع انخراط الولايات المتحدة في حروب مثيرة للجدل مثل حربي أفغانستان عام 2001 و العراق عام 2003، إضافة إلى عمليات عسكرية سقط فيها مدنيون في بلدان أخرى مثل اليمن وباكستان في إطار ما يعرف بالحرب على الإرهاب، فإن الحكومة الأميركية أيضا معرضة لدعاوى فردية في هذه البلدان.

وليست الولايات المتحدة فقط التي يمكن أن تتورط في هذا الشأن فالعديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا لديها عمليات خارج حدودها، كما أن روسيا المتورطة في حرب مباشرة في سوريا دون قرار من مجلس الأمن، تدخل ضمن ذات السياق.

ويخالف القانون ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وأسس العلاقات الدولية القائمة على مبدأ المساواة في السيادة وحصانة الدولة والاحترام المتبادل وعدم فرض القوانين الداخلية على الدول الأخرى.

ووفقا لذلك، لم يكن للمحاكم الأميركية ولاية قضائية تسمح لها بنظر دعاوى من أفراد ضد حكومات سوى تلك المصنفة على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي إيران وسوريا والسودان، حاليا، بعدما تم رفع كوبا من اللائحة عقب تطبيع العلاقات معها.

ومن ناحية أخرى، فإن إيران وكوبا سمحتا في الماضي لمواطنيهما برفع قضايا في المحاكم المحلية ضد الحكومة الأميركية والمطالبة بملايين الدولارات دون أن تعيرها واشنطن أي اهتمام.

مصالح راسخة

ومن شأن “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” الجديد أن يضع دولا كثيرة في مرمى دعاوى التعويضات الأميركية دون أن يكون لهذه الدول أي علاقة بجماعات أو أفراد متهمين في أعمال إرهابية.

ولا يمكن واقعيا تصور تطبيق هكذا قانون إذا اتخذت دول عديدة ذات النهج عملا بمبدأ المعاملة بالمثل، لأن ذلك سيكون له تأثير كبير على العلاقات الاقتصادية والاستثمارات المتبادلة بين الدول.

وكانت السعودية لوحت في وقت سابق ببيع أصول الخزانة الأميركية التي تمتلكها والمقدرة بنحو 750 مليار دولار، وهو ما يعرض الاقتصاد الأميركي لاضطرابات قوية، لكن في ذات الوقت لا يمكن الإقدام عمليا على خطوة كهذه نظرا لعمق العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين والاستفادة المتبادلة من هذه الاستثمارات.

لذا فإنه في وقت تقاس متانة العلاقات بين الدول بقوة التعاملات الاقتصادية والتجارية، فإن القوانين من هذا النوع تصطدم بالمصالح الراسخة التي لا يمكن التضحية بها

اسكاي نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.