عاصمة السودان الإدارية.. مقطورات الدواب تجوب أحياء بورتسودان لبيع المياه

في بورتسودان، العاصمة الإدارية للحكومة السودانية، يشتري غالبية السكان المياه من مقطورات الدواب التي تتنقل بين الأحياء. تفاقمت الأزمة منذ آب/أغسطس الماضي عقب انهيار خزان سد أربعات بفعل الفيضانات.

بعض الأحياء في بورتسودان لا يوجد فيها صنابير مياه داخل المنازل، لأن شبكات التوصيل لم تشق طريقها إلى هناك
يبيع أطفال يتجولون بمقطورات الدواب بين الأحياء. بضع لترات من المياه بسعر يتجاوز (500) جنيه. وتشاهد بوضوح في المدينة، التي تقع على ساحل البحر الأحمر شرق البلاد، انخراط مجموعات كبيرة من الأطفال في “اقتصاد بيع المياه”، لأنها تجارة رائجة بسبب الأزمة والحاجة الماسة.

أدى انهيار سد أربعات إلى نفاد مخزون المياه العذبة التي تعتمد عليها مدينة بورتسودان سنويًا. لم تتطرق وزارة البنى التحتية في الولاية إلى أعمال صيانة بشأن الخزان، كما لم توضح الأسباب التي جعلته يتعرض للانهيار المفاجئ خلال موسم الفيضانات. بالمقابل، رهن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم، في اجتماع مع والي البحر الأحمر مصطفى محمد نور في أيلول/سبتمبر 2024، تنفيذ مشروع مياه بورتسودان باستقطاب التمويل من المؤسسات الدولية، وخص بالذكر بنك التنمية الأفريقي، كما تعهد بتأهيل محطة المياه الرئيسية.

بعض الأحياء في بورتسودان لا يوجد فيها صنابير داخل المنازل، ولم يشاهد المواطنون في الشوارع شبكة المياه. كما أن المطالبة بحل الأزمة تعرضت للقمع منذ اندلاع الحرب، في ظل عسكرة الحياة في المدينة، وتكميم الأصوات المطالبة بتوفير الخدمات الأساسية، وأبرزها الكهرباء والمياه.

الحرب تفاقم الأزمة
وتزايدت وتيرة الأزمة في السودان منذ الحرب التي اندلعت منتصف نيسان/أبريل 2023، لأن عشرات الآلاف من النازحين وصلوا إلى بورتسودان، كما أن المدينة تعتبر نقطة الوصول إلى المطار الرئيسي والموانئ.

لم تتوفر الإرادة لدى الحكومة الولائية ولا الاتحادية لتوصيل شبكات المياه أو تأمين المياه من نهر النيل، الواقع على بعد أقل من (400) كيلومتر غرب الولاية. هذا المشروع ظل متداولًا داخل الأجهزة الحكومية، حتى تراجعت حظوظ تنفيذه على الأرض في السنوات الأخيرة.

يضع الأطفال عبوات المياه على الطرقات، ويتحركون بمقطورات الدواب بين الأحياء والأسواق. اعتاد الناس على سماع صيحات باعة المياه كل صباح؛ فمن لم يخرج ليشتري، لن يتمكن من بداية يومه في هذه المدينة التي تؤوي أكثر من مليوني نسمة.

يستيقظ باعة المياه قبل شروق الشمس ليحصلوا على الزبائن في الأحياء. فالوصول باكرًا إلى الشوارع يعني بيع أكبر كمية، بالتالي العودة من جديد لتفريغ المقطورات التي تتكون من برميلين. وفي بعض الأحيان، يضع الباعة أسعارًا تشجيعية لجذب الزبائن. في ذات الوقت، لا توجد ضمانات إذا كانت المياه غير ملوثة أو لم تتعرض للتلوث في مرحلة من المراحل أثناء النقل من الآبار إلى الشوارع، وفق حديث المواطنين لـ”الترا سودان”.

عبء اقتصادي
تقول سيدة، وهي ربة منزل، إنها تضطر إلى غلي المياه قبل الاستخدام لأغراض الطعام والشرب، لأنها لا تثق في مصادر مياه آمنة، خاصة وأن المقطورات الناقلة ليست آمنة. وتشير إلى أن أزمة المياه في بورتسودان استمرت دون حلول حكومية، التي اكتفت بالفرجة على المواطنين وهم يعانون، رغم أن هذه المدينة هي عاصمة البلاد الرسمية. وليس من اللائق أن يحصل المواطنون على المياه بالشراء يوميًا من الدواب.

وتضيف: “نشتري عبوات كبيرة من مياه الشرب المصنعة، بينما نخصص مياه المقطورات للنظافة والاستخدامات الأخرى. ميزانية المياه شهريًا تتجاوز 70 ألف جنيه” (ما يعادل 24 دولارًا).

خلال أزمة انهيار سد أربعات، تحدثت حكومة الولاية عن جلب مصنع لتحلية مياه البحر الأحمر. بالمقابل، فإن هذا المشروع يحتاج إلى تمويل ضخم، وفق مختصين في شبكات مياه المدن.

حلول للأزمة
يقول محمد نور، وهو مختص في شبكات المياه، لـ”الترا سودان” إن حل أزمة المياه في بورتسودان مرتبط بالحلول القادمة من نهر النيل وتوصيل الأنابيب الناقلة على امتداد أكثر من (400) كيلومتر بدلًا من الحديث عن مصنع تحلية المياه.

ويرى نور أن بورتسودان، عاصمة الحكومة، لا يجب أن تعاني من أزمة المياه، بما في ذلك الأحياء الطرفية. يجب استغلال الفترة الحالية لتحقيق حلم المواطنين بحل الأزمة بشكل جذري، حتى ولو كان بنظام القرض المالي والسداد بنظام “البوت”.

خبير في مياه المدن: تمويل مشروع بورتسودان لن يتحقق قبل توقف الحرب
وأشار نور إلى أن أزمة المياه أصبحت تخصم من دخل المواطنين، لأنهم يضطرون للشراء يوميًا أو خلال اليوم مرتين على الأقل لتأمين هذا المورد الحيوي. ولفت إلى أن الحكومة اكتفت بتوفير الشبكات في المؤسسات الحكومية والأسواق الكبيرة والأحياء الواقعة وسط المدينة وشمالها، بينما الغالبية الساحقة تواجه أزمة المياه.

يوضح محمد نور أن تمويل مشروع توصيل مياه النيل إلى البحر الأحمر تتجاوز تكلفته (200) مليون دولار. ورغم صعوبة تنفيذه قبل توقف الحرب وتعافي الاقتصاد قليلًا، إلا أن أزمة المياه في ولاية البحر الأحمر قد تتعمق خلال فصل الصيف منتصف العام القادم.

الترا سودان


إنضم للواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.