دون ممرات آمنة.. كيف يصل الطلاب إلى مراكز امتحانات الشهادة السودانية؟

مع اقتراب امتحانات الشهادة السودانية نهاية كانون الأول/ديسمبر 2024، يعجز آلاف الطلاب والطالبات عن الوصول إلى مراكز تنظيم الامتحانات الواقعة تحت سيطرة الجيش. هذه المعاناة تتزايد بالنسبة للقادمين من أقاليم دارفور، كردفان، الجزيرة، والخرطوم، خاصةً المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.

لن يتمكن آلاف الطلاب في مناطق سيطرة الدعم السريع من الوصول إلى مراكز امتحانات الشهادة السودانية
تبدأ امتحانات الشهادة السودانية لطلاب وطالبات الصف الثالث في المرحلة الثانوية اعتبارًا من 28 كانون الأول/ديسمبر 2024، وتنتهي في التاسع من كانون الثاني/يناير 2025.

تنحصر الامتحانات في مناطق سيطرة القوات المسلحة، عقب تحديد وزارة التربية والتعليم من مقرها في بورتسودان تقويم الامتحانات منتصف هذا العام. لم تتطرق الوزارة لأوضاع المجتمعات التي تقيم في مناطق سيطرة الدعم السريع، ولا لكيفية نقل الطلاب والطالبات إلى مراكز الامتحانات في ظل انعدام الممرات الآمنة.

العاصمة الخرطوم
في قرى صغيرة بمحلية جبل أولياء جنوب العاصمة الخرطوم وقرى غرب أم درمان الواقعة على تخوم خزان جبل أولياء بالنيل الأبيض، تخطط العائلات لإرسال الطلبة عبر التفويج. وتسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من مناطق جنوب وأقصى غرب أم درمان والخرطوم.

قال نصر الدين لـ”الترا سودان”، وهو يقيم في قرية قرب خزان جبل أولياء، إن مئات الطلاب ينتظرون التفويج، وهي عملية نقل جماعي إلى أم درمان. وأضاف أن التفويج يساعدهم على تفادي نقاط عسكرية تقيمها قوات الدعم السريع. إذا أُرسل الطلاب بشكل فردي، لن تشعر العائلات بالأمان على سلامتهم.

وأضاف: “التفويج يعتمد على جهود المجتمع والمتطوعين. لا يقدم أي طرف، سواء كان عسكريًا أو منظمة مساعدات، الدعم هنا. الناس تقطعت بهم السبل جراء توقف الاتصالات والإنترنت منذ شباط/فبراير 2024، والجميع تحت رحمة القوات المسيطرة على الأرض”.

منذ حادثة الشجرة جنوب الخرطوم العام الماضي، أصبح نطاق عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر متأثرًا فيما يتعلق بالعمليات الكلية في أنحاء السودان
وعما إذا كان هناك تواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، استبعد نصر الدين هذا الأمر، قائلًا إن اللجنة الدولية لا وجود لها في هذه المناطق سوى مرافقة الفرق الطبية إلى المستشفيات وتأمين سلامتها.

منذ حادثة الشجرة جنوب الخرطوم العام الماضي، أصبح نطاق عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر متأثرًا فيما يتعلق بالعمليات الكلية في أنحاء السودان، خاصة المناطق الساخنة.

امتحانات الشهادة السودانية
تكتسب امتحانات الشهادة السودانية أهمية بالغة، حيث يجلس لها قرابة نصف مليون طالب سنويًا، وهي تحدد مستقبل ومسار التعليم الأكاديمي لمئات الآلاف. إلا أن الحرب تعمق أزمة العائلات التي وجدت نفسها بين النزوح وانعدام الخدمات الأساسية، مثل المأوى والكهرباء والمياه والطعام، وبين حصارها في مناطق سيطرة الدعم السريع.

وكانت وزارة التربية والتعليم بولاية شمال دارفور قد أكدت أنها ستعمل على نقل وإعاشة الطلاب من مدن الفاشر والمحليات إلى مدينة الأبيض، حاضرة ولاية شمال كردفان، للجلوس لامتحانات الشهادة السودانية. وتُعد هذه الخطوة نادرة في السودان فيما يتعلق بتحمل الحكومة نفقات الطلاب.

بينما حملت لجنة المعلمين السودانيين، وهي كيان نقابي، وزارة التربية والتعليم مسؤولية تنظيم الامتحانات قبل الإجابة عن سؤال إيقاف الحرب، والسماح لجميع الطلاب بالجلوس للامتحانات في جميع أنحاء البلاد. وأعربت عن مخاوفها من أن يتحول التعليم إلى مدخلات لتقسيم البلاد بين فئات لم تصل إلى التعليم وأخرى مستمرة في العملية التعليمية.

ردت وزارة التربية والتعليم من مقرها في بورتسودان، العاصمة المؤقتة للحكومة، على هذه الانتقادات قائلةً إن الامتحانات أُجلت لأكثر من مرة، وهناك تراكم في الصفوف. كما شددت على أن دولاب الدولة يجب أن يستمر في العمل في المناطق الآمنة.

وقت حرج
يقول حسين سليمان، الخبير في قطاع التعليم، لـ”الترا سودان” إن أزمة امتحانات الشهادة السودانية قد تعمق معاناة آلاف الطلاب، وربما تقضي على مستقبلهم تمامًا بسبب الابتعاد كليًا عن التعليم. وأوضح أن الغالبية محاصرون بالنزوح والجوع وانعدام الأمن، مما يجعل الجلوس لأداء الامتحانات مستحيلًا.

وأضاف سليمان أن تنظيم الامتحانات في هذا الوقت الحرج يجب أن يكون مسؤولية كاملة تقع على عاتق الحكومة القائمة في بورتسودان ووزارة التربية والتعليم الاتحادية، عبر وضع خطط كفيلة بنقل الطلاب من المناطق المتضررة إلى المراكز المحددة، مع التنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية لتمويل هذه العملية من حيث النقل، الإعاشة، والإقامة.

ويرى سليمان أن معاناة السودانيين في الحرب جعلت قضية امتحانات الشهادة تواجه عدم اهتمام من المجتمع. لكنه دعا الكيانات النقابية للتحرك والضغط على الدولة لتيسير وصول الطلاب إلى مراكز الامتحانات، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية النقل، الإعاشة، والإقامة، خاصة منظمة اليونسيف.

لم يتمكن الطالب عمر أحمد عبد الهادي من الوصول إلى وجهته في مدينة دنقلا بالولاية الشمالية بعد مغادرته مدينة الخوي بولاية غرب كردفان في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، حيث اعتُقل في نقطة تفتيش عسكرية بمدينة القولد. كان عمر يعتزم الجلوس للامتحانات في دنقلا بسبب تعذر تنظيمها في مدينته الصغيرة، التي تقع أجزاء منها تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

تحذر لجنة المعلمين السودانيين من حلول أحادية إذا ما أصرّت الحكومة على عدم مخاطبة قضايا التعليم في جميع أنحاء البلاد
أخبر عمر العسكريين في نقطة التفتيش بمدينة القولد أنه ينوي الذهاب إلى دنقلا للجلوس للامتحانات، لكن إجابته لم تكن كافية. اعتُقل بناءً على ما يُعرف بقانون “الوجوه الغريبة”، وأُقتيد إلى المحكمة التي قضت بسجنه خمس سنوات.

تحذر لجنة المعلمين السودانيين من حلول أحادية إذا ما أصرّت الحكومة على عدم مخاطبة قضايا التعليم في جميع أنحاء البلاد. قضية الطالب عمر عبد الهادي اختفت عن الأنظار وسط معاناة السودانيين خلال الحرب وعسكرة الحياة المدنية، في ظل تعدد الجماعات المسلحة وتراجع القوى المدنية.

يخشى المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، من أن الإصرار على تنظيم الامتحانات نهاية الشهر الجاري دون مراعاة الظروف الصعبة قد يدفع المجتمعات إلى البحث عن حلول فردية، مما يعزز فعليًا انقسام السودان.

الترا سودان

Exit mobile version