شبكات الذهب… تحويلات ضخمة لفرنسا والإمارات ونهب خفي لخزينة الدولة!

عمليات استيراد الذهب تجاوزت 40 مليون أورو لشركة “شهير” في ظرف سنة، مقابل ضخ شركة ” كريولاس” مايفوق 800 ألف أورو و850 ألف دولار في 3 أشهر فقط.. معاملات تجارية تقارب 800 مليار سنتيم لتاجر جملة للمعدن الأصفر مع شركتي “وسام بيجو وقولد” خلال 3 سنوات.. أرقام مهولة وتفاصيل صادمة كشفت عنها محاكمة فضيحة الذهب التي أزالت الستار عن التحويلات المالية بالعملة الصعبة إلى فرنسا والإمارات العربية وإيطاليا لاستيراد مادة خام الذهب والذهب المصنع، فضلا عن الملايير التي تدور في السوق السوداء جراء بيع هذه المادة بفواتير وهمية مزيفة وسجلات تجارية صورية.. وهلم جرا.
ولليوم السادس على التوالي محاكمة “الذهب”، على مستوى محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، واجه قاضي الفرع الثالث للمتهمين من فئة أصحاب شركات وتجار الجملة لذهب، بوقائع التحويلات المالية الضخمة واستعمال سجلات تجارية وهمية لاستغلالها في التوقيع والتأشير على الوثائق المحاسبية المتعلقة بعمليات فوترة وهمية ومزيفة لبضاعة الذهب ما نجم عنه القيام بعمليات ايداع مبالغ مالية معتبرة في الحسابات البنكية وهو ما تسبب في تكبيد خزينة الدولة للملايير من الدينارات.

800 مليار معاملات الذهب في أقل من سنة
القاضي وخلال مواجهته للمتهم “ز. سليم”، تاجر بالجملة والتجزئة للمجوهرات والساعات والمعادن الثمينة، كشف عن حقيقة المعاملات التجارية لهذا الأخير مع شركتي “وسام بيجو” و”THE BEST IN GOLD ” والتي قاربت 800 مليار سنتيم.
المتهم حاول بكل الطرق تبرير أفعاله بعد أن أنكر التهم الموجهة إليه، إلا أن القاضي استدرجه رويدا رويدا وبذكاء حتى اعترف بجميع معاملاته، قائلا: “سيدي الرئيس بخصوص نسبة مبالغ الفواتير التي تعاملت بها مع شركة “وسام بيجو” بلغت قيمتها 681 مليار سنتيم من خلال 78 عملية، حيث كنت أقوم بشراء السلع المتمثلة في مواد كيميائية خاصة بتشليل الذهب ومواد أخرى لطلاء الذهب والمادة الأولية للفضة والمادة الأولية للذهب والنصف المصنع للذهب وذهب جاهز”.

القاضي يسأله “وماذا عن شركة “قولد”؟ ليجيب المتهم “نعم تعاملت مع شركة “قولد” من خلال 8 فواتير بقيمة 70 مليار سنتيم”، ليقاطعه رئيس الجلسة “لكن ما هو مصدر أموالك”؟ ليرد عليه المتهم “أنا بدأت معاملاتي مع شركة “وسام بيجو” في سنة 2019 بـ7 مليار سنتيم والحقيقة أن هذا المبلغ المالي تحصلت عليه بموجب عقد اعتراف بدين محرر بيني وبين أم زوجتي.
39 عملية استيراد للذهب في 3 أشهر فقط
القاضي ينتقل إلى استجواب المتهم “ب. رضا” مسير شركة “CRIOLLAS” الناشطة في مجال استيراد المعادن الثمينة وتصنيعها.
القاضي: أنت متابع بجنح الغش الضريبي، تبيض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني ومخالفة التنظيم والتشريع الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج هل تنكر أم تعترف؟
المتهم: لا.. أنكرها سيدي الرئيس.
القاضي: أنت مسير شركة صحيح؟
المتهم: نعم أنا مسير شركة “CRIOLLAS” الكائن مقرها ببن عكنون والناشطة في مجال استيراد المعادن الثمينة وتصنيعها.
القاضي: منذ متى؟
المتهم: منذ سنة 2012، حيث إن الشركة تحصلت على رخصة استيراد المادة الخام ونصف المصنعة من الذهب بتاريخ 18 أكتوبر 2022 ولديها سجل تجاري خاص بهذا النشاط.
القاضي: كم مرة قمت بعملية الاستيراد؟
المتهم: سيدي الرئيس أن قمت بعمليات استيراد لمدة 3 أشهر ونصف تقريبا من دول إيطاليا، الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وشملت نحو 39 عملية..

القاضي: وماذا عن القيمة المالية لعمليات الاستيراد التي قمت بها؟
المتهم: الأولى كانت من دولة إيطاليا بقيمة تقدر بنحو 800 ألف أورو أي ما يعادل 116 مليون دينار جزائري بالعملة الوطنية، والثانية بقيمة 850 ألف دولار وهو ما يعادل 117 مليون دينار جزائري.
القاضي: كيف تمت عملية الاستيراد؟
المتهم: العمليات سيدي القاضي تمت وفقا للقانون عن طريق التوطين البنكي لدى كل من مصرف السلام وكالة دالي براهيم وبنك “سوسيتي جينرال” وكالة سيدي يحيى.
القاضي: قل لنا مصدر أموالك؟
المتهم: مصادر أموالي كلها مشروعة ومبررة، باعتبار أن جميع المعاملات والتحويلات المالية التي قامت بها الشركة مدعمة بمستندات تثبت مصدرها وتؤكد شرعيتها.. وأنا مستعد سيدي الرئيس لتبرير جميع الذمة المالية التي تخصني وتخص الشركة بالوثائق والقرائن التي تثبت ذلك.
القاضي: وماذا عن الضرائب؟
المتهم: منذ تأسيس الشركة سنة 2012 إلى يومنا هذا ونحن نؤدي مستحقات الضريبة بانتظام وليس لدينا أي دين ضريبي، كما أن الشركة لم تخل أبدا بالتزاماتها تجاه إدارة الضرائب وهذا ما يثبته مستخرج جدول الضريبة عن مديرية الضرائب.
القاضي: هل تربطك علاقة مع شركات “وسام بيجو”، “حنان للمجوهرات”، “الأحسن للذهب” وشركة “الاخوة تاسوريت”، وشركة شهير للتصدير والاستيراد؟
المتهم: لا.. سيدي الرئيس لا تربطني أي علاقة مع هؤلاء.
القاضي: وماذا عن شركة “سيمونو”؟
المتهم: نعم شركة “سيمونو” تعتبر زبونة لدى الشركة التي أسيرها.

القاضي: هناك عدد من المتهمين أصحاب السجلات التجارية صرحوا بأنهم أمضوا على فواتير؟
المتهم: أنا لا أعرفهم سيدي القاضي ولا تربطني أي علاقة بهم، باستثناء المتهم “س. موسى” بصفته زبونا عادي للشركة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه من خلال المعاملات التجارية التي أقوم بها من عادتي التأكد جيدا وبصورة دقيقة من ملف الزبون أولا على مستوى تطبيقة السجل التجاري ورقم التعريف الجبائي، شهادة الوجود الضريبي ورقم الإحصاء إلى جانب شهادة ميلاد الزبون ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية الخاصة به والإمضاء على تصريح شرفي يضع عليه توقيعه وبصمته وختمه يتضمن إقرارا باستلامه البضاعة فعليا ووزنها ونوعها وقيمتها المالية بالإضافة إلى توثيق العملية التجارية منذ دخول الزبون إلى غاية خروجه بالبضاعة.
وأردف المتهم “كما أن الشركة تخضع لتفتيشات دورية من طرف محققي مفتشية الضرائب، الذين لم يتوصلوا إلى أي نتائج سلبية أو تجاوزات، زد على ذلك فإن قائمة وضعية الزبائن أقوم بدفعها كل 3 أشهر لدى مفتشية الضرائب التحقيق والمراقبة الجزائر غرب.

تحويلات بالجملة إلى الخارج وشركة “شهير” في “فم المدفع”
القاضي يستجوب المتهم “ب. نجيب” مسيّر شركة “شهير” لاستيراد وتصدير الذهب.
القاضي: أنت متابع بجنح الغش الضريبي، تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية، وباستعمال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني ومخالفة التنظيم والتشريع الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، ما ردك؟
المتهم: أنكر هذه التهم جملة وتفصيلا سيدي الرئيس.
القاضي:ما هو نشاطك؟
المتهم: أنشط في مجال التصدير والاستيراد وأنا مسيّر شركة
EURL CHAHIR IMPORT EXPORT والتي يتمثل نشاطها في تحويل وتصنيع المعادن الثمينة للإنتاج الصناعي للمجوهرات.
القاضي: متى بدأت هذا النشاط ؟
المتهم: سنة 2022، لكن الشركة تحصلت على رخصة الاستيراد للمادة الأولية للذهب في 2021، حيث قمت بعدة عمليات استيراد من دول إيطاليا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة.
القاضي: ما هي الإجراءات التي يتم إتباعها في عملية الاستيراد؟
المتهم: عملية الاستيراد تتم وفقا لدفتر الشروط وكذا الإجراءات القانونية المعمول بها سواء من التوطين البنكي أو الإجراءات الجمركية، وكذا نزع عينات من المادة الأولية المستوردة من الذهب وعرضها على مفتشية الضمان لولاية الجزائر وكذا دمغها بعد تصنيعها.
القاضي: هناك مبلغ مالي ملزم بإيداعه قبل بداية نشاط الاستيراد، صحيح؟
المتهم: نعم سيدي الرئيس، 20 مليار سنتيم.
القاضي: من هم الأشخاص أصحاب السجلات التجارية الذين تعرفهم؟
المتهم: لا أعرفهم سيدي الرئيس.
القاضي: ما هي علاقتك بـ”ش. أحمد”؟
المتهم: أعرف أحمد منذ سنة 2000 بحكم أنه كان يمتهن صناعة الذهب وكانت لديه ورشة ببلدية باتنة، وقد ربطتني به معاملات تجارية حقيقية وفعلية، حيث استلم البضاعة مقابل فواتير محاسبتيه صحيحة وقانونية وقد قام بالإمضاء والختم عليها تشكّل كل واحدة منها القيم المالية الخاصة بكل معاملة تجارية، حيث أن عدد الفواتير يقدّر بـ5 فواتير سنة 2022 وفاتورتين سنة 2023.
القاضي: لكن المتهم “ش. أحمد” يقول في تصريحاته أنه وافق على طلبك المتعلق باستخراج السجل التجاري باسمه لممارسة نشاط التجارة بالجملة للمجوهرات، كان المتفق عليه أن تسلمه البضاعة من الذهب ويقوم ببيعها بالتجزئة ويتلقى هامش الربح، إلا أن الواقع كان غير ذلك ولم يستلم أي بضاعة من الذهب، بماذا ترد؟
المتهم: هذا غير صحيح سيدي الرئيس، تصريحاته بعدم استلام البضاعة لا أساس لها من الصحة.
القاضي ينادي على “ش. أحمد” لإجراء مواجهة بينهما، إلا أن هذا الأخير غائب.
القاضي: رأس المال الذي تستورد به ما هو مصدره؟
المتهم: كان عندي قرض بنكي وكذا عائدات عمليات بيع الذهب.
القاضي: ما هي كمية الذهب التي تعمل بها؟
المتهم: بدأت بـ10 كلغ ثم 20 و30 كلغ وهكذا.
القاضي باستهجان: أنت تدخل الذهب إلى الجزائر، والتحقيق بين أنك حوّلت تقريبا 929 ألف أورو، أي تقريبا مليون أورو.
المتهم: سيدي الرئيس، جميع التحويلات المالية التي قمت بها في إطار نشاط عملية الاستيراد تمت بصفة قانونية وعن طريق بنك الجزائر، وأن مصادر الأموال مشروعة ومن حاصل أرباح الشركة.

أسّست شركتي بمالي الخاص.. ولا علاقة لي بأصحاب السجلات التجارية
القاضي ينتقل إلى استجواب المتهم “و. عمر” مسيّر شركة “حنان” للمجوهرات.
القاضي: أنت متابع بجنح الغش الضريبي، تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود الوطنية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني، التزوير واستعمال المزوّر في محررات تجارية ومصرفية وممارسة نشاطات تجارية تدليسية بتحرير فواتير وهمية ومزيّفة، ماذا تقول؟
المتهم: أنكر جميع التهم المنسوبة لي.
القاضي: حدّثنا عن نشاطك.
المتهم: أنا مسيّر شركة “حنان” للمجوهرات الكائن مقرها في بابا أحسن بالعاصمة والمختص نشاطها في صناعة المجوهرات.
القاضي: ما هي علاقتك بـ”م. كريم صالح” صاحب شركة “وسام بيج”؟
المتهم: كنت أشتغل بشركة “وسام بيجو” كممثل تجاري لمدة سنة وبعدها قمت باستخراج السجل التجاري باسمي لممارسة نشاط صناعة المجوهرات، حيث كنت أقوم بشراء المادة الأولية للذهب الخام من عند شركة “وسام” للمجوهرات وهذا بفواتير صحيحة وقانونية.

القاضي: أنت صرحت عند التحقيق أن “م. كريم صالح” هو من قام بكراء محل تجاري لك لممارسة نشاط الشركة، كما تولى فتح حساب بنكي لك على مستوى البنك الوطني الجزائري وكالة زيغود يوسف وتم الاتفاق بينكما على فوترة مبيعاته على سجلاتك مقابل منحك مبالغ مالية جراء كل عملية فوترة، وقبلت الفكرة وأصبحت تقوم بالتوقيع والبصم على الفواتير فقط بالشركة وتنتقل إلى البنك الوطني الجزائري من أجل إيداع الأموال في حسابك البنكي وتحويلها إلى حساب شركة “وسام بيجو”، صحيح؟
المتهم: لا أبدا سيدي الرئيس، أنكر هذه التصريحات، فأنا لم أدلي بها والشركة تعد ملكا لي وقمت بتأسيسها من رأس مالي الخاص، كما أنني قمت بعدة معاملات تجارية قانونية بموجب فواتير حقيقية وصحيحة.
القاضي يحاصر المتهم عمر وبلهجة شديدة الغضب يخاطبه: “إذن، فسّر لنا مصادر الأموال التي كانت تصب في الحسابات البنكية للمتهمين أصحاب الممارسات التجارية الوهمية، على مستوى البنك الوطني الجزائري ومصرف “السلام” الجزائر بغرض تحويلها إلى حساب شركة “وسام بيجو” للمجوهرات أو حساب شركة “الأحسن في الذهب؟”
المتهم يصمت ويحاول التبرير، إلا أن القاضي يواصل استجوابه: “أغلب المتهمين صرحوا أنك كنت تتواجد على مستوى الوكالتين البنكيتين وكذا على مستوى شركة “وسام بيجو” رفقة المتهم “ع. كمال”، وأنك من كنت تمنح الوثائق للمتهمين من أجل التوقيع والبصم والختم عليها بدون علمهم بمضمونها مما يدل على أن الفواتير التي يتم إعدادها وهمية ومزيّفة؟”
المتهم يرد قائلا: “هذا كذب وافتراء وأفند تصريحات هؤلاء، فأنا لم أسلمهم أي وثائق مصرفية أو محاسبية للإمضاء عليها بدون علمهم ولم أقم بإيداع أي مبالغ مالية في حساباتهم البنكية، حسب مزاعمهم، وإنما كنت ألتقي بهم على مستوى البنكين في إطار نشاطهم التجاري فقط.
القاضي: وماذا عن “ج. عبد الرحمان؟
المتهم: أنا عرفته عن طريق صديقي فريد المتوفي.
القاضي: ما هو رقم الأعمال الذي تحققه سنويا؟ وهل استفدت من قروض بنكية؟
المتهم: لا لم أستفد من أي قرض بنكي، أما رقم الأعمال الذي أحققه سنويا، فلا أتذكره، إلا أنه يمكن القول أن رقم الأعمال وصل إلى مبلغ 30 إلى 40 مليار سنتيم سنويا.

القاضي: تبيّن من خلال التحقيق أن المتهم “ت. عمر” كان يقوم باقتناء أغلب الكميات المستوردة من الذهب من عند شركة “وسام بيجو” وهذا بدون فواتير أو وثائق إدارية أو تجارية تثبت ذلك، حيث كان يستلم الكمية المتواجدة في المخزن من المادة المصنعة بالشركة ويتم بعدها تقسيم المبلغ على أصحاب السجلات الوهمية، وتحرير الفواتير الخاصة بهم، هل هذا صحيح؟
المتهم: ليس لديّ علم بهذه التفاصيل، وأنا لم يسبق لي وأن تعاملت مع “ت.عمر”.
القاضي: أنت صرحت عند الضبطية القضائية أن “م. كريم صالح” يقوم بتسليمك مبالغ مالية قصد تسليمها
لأصحاب السجلات التجارية المستخدمة في إعداد الفواتير المزيّفة عن طريق “ج. عبد الرحمان” وتقتطعان منها عمولة لكما تتراوح من 20 مليون إلى 40 مليون سنتيم، كما أن هذا الأخير، أي عبد الرحمان بدوره، صرح أنك من تسلّمه هذه المبالغ المالية بغرض تسليمها للزبائن الوهميين، هل تؤكد أم تنفي ذلك؟
المتهم: لا سيدي الرئيس، لم أدلي بهذه التصريحات بتاتا، كما أن تصريحات المتهم عبد الرحمان لا أساس لها من الصحة.

نوارة باشوش


إنضم للواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.