شعار (أنا سوداني) مفردة شائعة وسط كل قاطني الرقعة الجغرافية التي تسمى السودان. واحتل هذا الشعار مكانة خاصة لدى معظم المفكرين والمثقفين حيث اجتهد الكثير فى اطروحاتهم العلمية تأطير وتقنين هذه المفردة. كما لا يفوتنا أن نذكر أن كثير من الأدباء أفردوا مساحات مقدرة من صفحاتهم الإبداعية لهذا الشعار، وأيضا أنشد وتغنى بها الشعراء والفنانين فى المحافل الخاصة والعامة. أما السياسيون فهللوا لهذا الشعار واستخدموه في خطاباتهم و ندواتهم السياسية، وجلساتهم الخاصة، وتفاخروا وتباهوا به علي جيرانهم والآخرين. وحتى السلفيين وتجار الدين بكل تنوعاتهم لم يسلم منهم هذا الشعار.
لقد أصبح شعار (أنا سوداني) كالحقيقة المفقودة. نعم، أنها الحقيقة المفقودة فى أرض السودان، ولا جدالا فى ذلك. بفصيح العبارة، يعتبر شعار انا سوداني أكذوبة كبيرة اصبح ينطلي علي قدر كبير من قاطنى السودان. هنالك استحقاقات يجب فعلها حتى تكون سوداني فى هذا البلد (السودان) المترامى الأطراف، والمتحكر في قلب القارة الإفريقية وبوابتها. أولا علينا أن نعترف بأن السودان هى دولة جامعة لشعوب، ولغات وثقافات، وعادات وتقاليد، وأديان مختلفة. أيضا عليك أن تعترف بأن هنالك بعض المهاجرين (العرب وقوميات أخرى) الذين قدموا الى السودان منذ أمد بعيد واستوطنوا فيه مع الاحتفاظ بهوياتهم، وثقافاتهم، وعاداتهم، ولغاتهم المختلفة.
ان تكون سوداني، يحتم عليك الاعتراف بجميع المكونات السودانية. وكما يتحتم عليك ان تكون محل احترام وتقدير لكل هذا الزخم والكم الهائل من التنوع والتعدد الغنى. هذه مسؤولية ليست بالسهلة، لكنها ليست مستحيلة التحقيق أيضاً. وبمعنى أخر، اذا اردت ان تكون سودانياً، عليك توسيع ماعون فهمك، وإدراكك وعيك ليسع لكل هذا التنوع دون تجزئة، مع الاعتراف الكامل بأن هذا التنوع المتفرد هو أصل السودان. وعليك أن تعى أنه تنوع وعقد نادر ، وكل حبة فى هذا التنوع لها خصوصية ديناميكية في ترابطها وانسجامها مع الحبيبات الأخرى. فإذا فقدت أو انتقصت أى واحدة من هذه الحبيبات، سوف ينفرط العقد، وتتناثر حبيباته كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه -كما قال شاعرنا التيجاني يوسف بشير. هكذا يكون حال ومآل عقدنا (السودان) اذا انفرط الأمر عمدا أو سهوا من بين ايدينا.
أن تكون سوداني لابد أن تستوفي قواعد وشروط السودنة. والشروط هي ان تكون كل مفردة من هذا التعدد، فعلا لا قولا، وجدانيا، ثقافيا، دينيا، ولغويا، نفسيا، عادات وتقاليد، املا، طموحا، غيرة وتفاخرا، اعتزازا وحبا. هذه الشروط تؤهلك أن تكون واحدا من هذا العقد النادر والمتفرد. لذا يجب عليك ان تؤمن انك واحد من حبيبات هذا المكون (السودان). وأيضا أن تدرك أهمية، ندرة وتفرد كل حبة من هذه الحبيبات، والتى لا غنىً لأحدهما عن الأخرى، ودونها لن يكتمل العقد، وربما ينفرط وتتناثر حبيباته. فمن المستحيل أن نجمع هذا العقد بعد انفراطه وتناثر حبيباته من بين أيدينا “كدقيق فوق شوك يوم ريح نثروه”.
هل لديك الاستعداد ان تكون سودانيا؟
أنت الحل والمعضلة. لذا، كفانا ضجيجا وصراخا، تباكي و ولولة علي السودان وماهيته، وما سيحدث له. أن خيار الحل عندك أنت. فإذا أنت حريص أن تكون سوداني، فعليك الحفاظ علي هذا العقد النادر المتفرد، وجعله منهجك ودستورك، وعقليتك وشخصيتك، فما عدا ذالك قد يكون العقد (السودان) هباءً منثوراً، وهاوية يلتهم الجميع. فهل لدينا الحرية، الجراءة وشجاعة المواقف أن نكون سودانيين، أم سنظل فاقدي البصر والبصيرة، ننعق ونتباكي علي السودان، والسودان منا برئ ختاما، أن تضميد جراح هذا العقد (السودان) والحفاظ على وحدته ليست تسلية، أو لعبة كراسي للعاطلين والعاجزين فكريا ونفسيا. أنها مهمة تحتاج الى عطاء، وتجرد ونكران الذات. أن السودان وطن عزيز، وشعوبه شعوب كرام لهم امالهم وطموحاتهم، وأيضا لهم آلامهم، وأوجاعهم التى تحتاج الى من يعالجها، فهل نحن قادرين على ذلك؟ هل لدينا القدرة أن نكون سودانيين بحق؟
ونواصل.
بقلم/ محمد صالح رزق الله