إمام الحرم المكي يُصلي “الجمعة” في الضعين

على مدى سنوات متطاولة، ظلت قضية الخلافات الناشبة بين قبيلتي “المعاليا” و”الرزيقات” عصية على الحل، غير أن مبادرة مهمة أطلقها إمام الحرم المكي، الشيخ خالد الغامدي الذي وصل إلى البلاد الأسبوع الماضي، تهدف للتوسط ومحاولة إيجاد حل لنزاعٍ وُصف بأنه أحد أطول النزاعات القبلية بالسودان.

واستكمالاً لمبادرته، يعتزم الشيخ الغامدي زيارة عاصمة ولاية شرق دارفور، مدينة الضعين ـ الجمعة المقبلة ـ لتقديم وساطته على الطرفين، ومهما يكن من أمر أهمية الخطوة لكل مراقب، غير أن فرص نجاحها من عدمه، تبقى طي الغيب، ومع ذلك فإن ثمة دلائل تدعم أياً من الخيارين وترجح كفته على الآخر.

وفي خطوة تمهيدية، اجتمع “الغامدي” بقيادات وممثلين من الطرفين في موسم الحج المنصرم، وقدم إمام الحرم في ذاك الاجتماع رؤية ابتدائية لإجراء صلح بين الطرفين، ورشحت الأنباء الواردة عقب الاجتماع عن موافقة وترحيب من الفرقاء على خطوة الشيخ الغامدي، حيث أبديا – حينها – تجاوبًا وُصف بالكبير لتحقيق المصالحة وطي صفحة النزاع بينهما.

نجاح مشروط

وفي تعليقه على مبادرة إمام الحرم المكي المطروحة، يرى القيادي بالمعاليا عمر موسى أن المبادرة، من حيث المبدأ لا غبار عليها، واصفاً إياها بالخطوة التي تجد الترحيب من الطرفين، لكن عمر قال لـ”الصيحة” أمس إن الزيارة المرتقبة للشيخ الغامدي للضعين لا تعدو كونها قضاء ساعة أو ساعتين على حد تعبيره، لافتاً إلى أنهم كمنتمين لـ “المعاليا” لم تُقدم لهم حتى الآن دعوة لحضور برنامج الشيخ الغامدي المفترض، مبدياً اعتقاده بأن الزيارة ستكون ناجحة بلا شك في حال كونها للوعظ في أمور الدين، لكن في إطار مبادرة الصلح – يقول عمر- “لا أشعر حتى الآن جدية في هذه المبادرة”، مشيراً إلى عدم وجود مؤشرات على أرض الواقع تتعلق بالمبادرة.

لكن عمر عاد وأكد أن اجتماع الشيخ الغامدي مع الخصمين وتذكيرهما بحرمة الدماء وبذل الدلائل التي تؤكد مراعاة الأخوة في الدين والوطن، يدعم فرضية الوصول لحل جذري للإشكال، وقطع أن برنامج الشيخ الغامدي لوحده، معزولاً عن السياقات والتفاصيل الأخرى ومسببات المشكلة لن يجدي فتيلا، ولن يحل المشكلة، ولكن سيكون له دور كبير في الحل، جازماً بتأكيده على أن الأطراف ستكون مستعدة للجلوس حينها وحل المشكلة، وخلص إلى القول أن الجميع يدرك الآن أن زيارة الشيخ الغامدي للضعين لأداء صلاة الجمعة فيها فقط، ولا يعرف أحد أن لفضيلة الشيخ برنامجاً غير ذلك.

ترحيب وتفاؤل

وبدوره، أشار الفارس مادبو القيادي بقبيلة الزريقات إلى أنهم لم يتسلموا إخطاراً رسمياً حول مبادرة الشيخ الغامدي، منوهاً إلى أنهم سمعوا بزيارته إلى الضعين وأدائه لصلاة الجمعة بمسجدها العتيق من خلال الإعلام، بيد أن مادبو عاد وأشار إلى أن الزيارة مُرحّب بها وكذا المبادرة، على اعتبار أن “قبيلة الزريقات ظلت تمد يدها من أجل إرساء وتثبيت دعائم التعايش السلمي بينها وقبيلة المعاليا”، وقال لـ(الصيحة) أمس، إن المبادرة يمكن أن تكون ذات ثمرة كبيرة إذا اقعنت الطرف الآخر بالتوقيع على وثيقة مروي التي شهد عليها أهل السودان، وشهد عليها نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن، منوهاً إلى أن أبناء القبيلتين يعيشان في تناغم، ولا يعكر صفوهما سوى الأصوات المقيمة خارج المنطقة، وفي ولايات السودان الأخرى والمحسوبة على الطرف الآخر. مشيراً إلى أن زيارة الغامدي إلى الضعين لها مدلول كبير لما يملكه الشيخ من مرموز ديني، وقال إن الزيارة تؤكد على وجود الترابط والتلاحم العقائدي، وهي أيضاً بمثابة لفت نظر لمدى التعايش وترابط الجبهة الداخلية.

ومضى الفارس مادبو إلى التأكيد على أن مبادرة الشيخ الغامدي مطلوب منها حث الطرف الآخر، على الركون الى خيار الصلح والاهتداء بوثيقة مروي، لاستمرار حالة التعايش الموجودة حاليًا على الأرض، منوهاً إلى أن المبادرة ينبغي أن تسعى لحث أبناء المعاليا في الولايات الأخرى، على أن يكونوا في مستوى التعايش الذي يحدث بين القبيلتين على أرض الواقع.

مسار إيجابي

ويشير المحلل السياسي المختص في شؤون دارفور د. عبد الله آدم خاطر إلى أن مبادرات حل نزاع “المعاليا” و”الزريقات” لم تنقطع في أي وقت، وعلى الرغم من تعدد منابر الحل عبر مؤتمرات الصلح التي عقدت في السابق، بيد أنها اتفقت جميعها في مخرجاتها التي أبقت الوضع على ما هو عليه دون اختراق إيجابي ينهي الأزمة من جذورها.

ويشير خاطر إلى بروز توجه في مفاوضات سابقة بين الطرفين وبإشراف رسمي من الحكومة لحل الإشكال عبر عدد من الأطراف، ولكن لم يكتب لأي من المبادرات النجاح. وقطع خاطر في حديثه لـ”الصيحة” أمس بأن الحل بيد الطرفين فيما يقتصر دور الوساطات في تقريب شقة الخلاف وإعطاء ضمانات لعدم حدوث خروقات على سبيل المثال، وهو ما ينطبق برأيه على زيارة إمام الحرم المكي المرتقبة للضعين، مشيراً إلى أن زيارة الشيخ خالد الغامدي تمثل توجهاً يمكن وصفه بالإيجابي حتى في حال لم ينجح في وضع حل، لكنه مسار سيؤدي لنتائج إيجابية، لافتاً إلى أن نزاع الطرفين نتيجة لترسبات قديمة غذّاها تراكم عدد من النزاعات والحوادث التي أسهمت في تأجيج الصراع، وأكد على أن إمام الحرم المكي يمكنه تقديم الوعظ والحث على أهمية إنهاء النزاع وتحمل مسؤولية الأجيال القادمة عبر تسليمها مقاليد الأمر وهي لا تعاني من ترسبات لم تشارك فيها، غير أن خاطر قطع بأن الحل في خاتمة الأمر بيد الطرفين وقياداتهما لا غير.

مؤتمرات الصلح

لعل أشهر مؤتمر صلح بين الرزيقات والمعاليا هو ما احتضنته مدينة مروي بالولاية الشمالية في الخامس من ديسمبر 2014م، وجاء ذلك المؤتمر بمبادرة من قبل مفوضية المصالحات بالسلطة الإقليمية لدارفور، وذلك بعد مشاورات بين الأطراف وناظري القبيلتين، وحينها ناشدت العديد من الشخصيات المؤثرة الطرفين بضرورة الجنوح للسلم وتحكيم العقل وتضافر الجهود لترميم النسيج الاجتماعي، ذلك على اعتبار أن الخلافات أقعدت الولاية ودارفور وأسهمت في تأخرها في مجال التنمية، ولكن على الرغم مما بذل من جهود في ذلك المؤتمر إلا أنه لم يسفر عن جديد في شأن إشكالية الطرفين.

وفي ذات العام الذي عقد فيه مؤتمر مروي استضافت عاصمة ولاية غرب كردفان مدينة الفولة مؤتمراً للصلح بين الطرفين، غير أنه لم يختلف كثيراً عن سابقه من حيث المخرجات ونتيجته النهائية، إذ لم يسفر مؤتمر “الفولة” عن تحقيق نتائج ملموسة، وخرج بمحصلة دون الآمال المعقودة عليه مسبقاً، وحينها حمّلت “المعاليا” الطرف الآخر مسؤولية فشل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وأرجع القيادي بقبيلة المعاليا العمدة زكريا عبد الله فشل الصلح إلى إصرار ممثلي “الرزيقات” على التفاوض مع “العقاربة” و”المعاليا” كل على حدة وليس كفصيلين من ذات القبيلة.

نماذج النزاعات

ويشير مراقبون إلى أن ما يدور بين “الرزيقات” و”المعاليا” من صراعات سبق له أن وقع بذات الأسباب بين العديد من المكونات القبلية وفي غير موقع، ويمكن استحضار أمثلة على أنها نماذج وليست حصراً لنزاعات أهلكت الحرث والنسل، وقعت بين “السلامات” و”المسيرية”، وبين “القمر” و”البني هلبة”، وبين “بني حسين” و”الرزيقات” بشمال دارفور وغيرها من النزاعات التي حصدت الكثير من الأرواح، وتعزى كل تلك الكوارث إلى النزاع حول الأرض والموارد.

وتأسيساً على هذه الجزئية يزعم المحللون أن صراع “المعاليا” و”الزريقات” بشرق دارفور، يؤكد بشكل أكثر وضوحًا على فاعلية عنصري الأرض والموارد في الصراعات القبلية، وهو الأمر الذي يتطلب من الجهات المختصة والسلطات وقيادات الأطراف المختلفة ابتداع آلية مناسبة وحاسمة لحل مشكلات الأرض و”الحواكير” عليها بين القبائل سواء في دارفور أو في غيرها من المناطق المرشحة للاشتعال.
الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.