هيئة علماء السودان حرّمت المظاهرات الخروج على الحاكم… فتوى ضد الدستور

وسمت تجربة العمل السياسي بالسودان بالعديد من التجاذبات، وعلى مر تاريخها لم تنج الحكومات المتعاقبة على إدارة شأن الدولة السودانية من وجود معارضين لها، حتى وإن كانت تلك الحكومة شمولية المزاج محروسة بترسانة أمنية قامعة وباطشة للخصوم.

وتبعاً لذلك تنوعت طرائق وأشكال المعارضة، حتى وصلت لحد حمل السلاح، وليس سراً أن كل القوى السياسية لها خصومها الذين يناصبونها العداء، ولا يألون جهداً في الإيقاع بها، سواءً عبر العمل السياسي المنظم، القائم على وسيلة الخروج على الحكومات وتحريك الشارع احتجاجاً على أدائها. ويؤرخ الواقع السياسي بالبلاد، إلى إسقاط حكومتين في ستينيات وثمانينيات القرن المنصرم، عبر مظاهرات شعبية قادتها الجماهير، كما شاركت فيها القوى السياسية، من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وما حدث في شأن تلك الانتفاضات هو ذاته ما يمكن تسميته بالخروج على الحاكم، وعصيانه، ومن ثم عزله عن سدة الحكم.

فتوى الهيئة

في مؤتمرها الذي عقدته أمس الأول بدارها أفتى رئيس هيئة علماء السودان د.محمد عثمان صالح بعدم جواز الخروج على الحاكم، مشيراً إلي حرمة ذلك التصرف ابتداءً، وكان ملخص قول المسؤول الأول بالهيئة يذهب في اتجاه تحريم مدافعة الحاكم في بلاد المسلمين ،ووجوب طاعة ولي الأمر ،ومناصحته بالحسنى ،واجتناب إثارة الفوضى ببلاد المسلمين ،وقال “صالح” ما ملخصه إن الشعب ليس له أن يخرج على الحاكم وتخريب الممتلكات العامة ،معتبراً أن ذلك أدعى إلى خلق الفوضى في الحياة العامة حتى وإن تعلق الأمر بالقرارات الاقتصادية الأخيرة ،وطالب في ذات الوقت الدولة بالتعامل بحكمة مع مظاهر الغضب في الشارع العام ،ومعالجة دواعي الفتنة ،وعدم توظيف القرارات المعنية لتحقيق أهداف غير ذات صلة بمصلحة المواطن ،وشدد على أهمية أن تبدأ الحكومة بنفسها ،عبر إعمال التدابير التقشفية، وترشيد الإنفاق الحكومي، وتقليل الوظائف الحكومية والدستورية .

منع مشروط

وفي هذا الاتجاه يقول الناطق باسم حزب التحرير – ولاية السودان – إبراهيم أبو خليل، إن دعوة هيئة علماء السودان التي دفع بها رئيسها ناقصة، مشيراً إلى أن تحريم الخروج على الحاكم مقيد بكونه حاكماً شرعياً، وقال في حديثه للـ(الصيحة) أمس أن ذلك لا ينطبق على الحكومات الحالية في الدول العربية والإسلامية، وقطع بأن الحاكم الشرعي له حق الطاعة على الرعية وألا يخرجوا عليه طالما كان مكتسباً لصفات الشرعية التي قال إنه بموجبها يكتسب حق البقاء حاكماً طالما توفر فيه هذا الشرط، وقال إن مبايعة الحاكم في الأصل لا تكون إلا في حال ما ذكر من اشتراطات، وهو ما ينفيه أبو خليل عن الحكومات الحالية في الدول العربية والإسلامية، وقال إن السودان ليس استثناءً منها، وخلص إلي القول أن القرار والفتوى التي صدرت من الهيئة على لسان رئيسها ليس جديداً عليها، مشيراً إلى قولها بمثل ما قالت في غير مرة، مؤكداً على أن الفتوى تعبر عن موقف ورأي الهيئة ولكنها على أي حال – والحديث لإبراهيم – لا تتسق مع الشرع الذي لا يمنع بنص صريح الخروج، وقال إن الأمر مقيد باشتراطات بينها في مبتدأ حديثه.

فتوى معيبة

وعلى نحو يتماهى مع الفرضيات التي ركن إليها “أبوخليل” فإن رئيس حركة الإصلاح الآن بولاية الخرطوم خالد نوري، بدأ مندهشاً من فتوى الهيئة، وقال إن ما قاله رئيس هيئة علماء السودان يتعارض مع دستور البلاد ،ومع كثير من القوانين التي تنظم النشاط السياسي ،مشيراً في حديثه للـ(الصيحة) إلى أن كيفية التعامل بين الكيانات السياسية وتنظيم شئون الحكم تحددها القوانين والدساتير ،وليس هيئة علماء السودان ،والتي قال إنها غير معنية بتحديد كيفية التظاهر ،لافتاً إلى أن العديد من الأحزاب والقوى السياسية تنظم مخاطبات جماهيرية راتبة قالت فيها ما قالت من تعريض بالنظام ،متسائلاً ،كيف تكون هنالك معارضة أصلاً إن عمل الجميع بفتوى الهيئة ولم يخرج أحد على الحاكم كما تقول الهيئة في فتواها ،وقطع خالد بأن المشاركة السياسية أمر متاح للقوى السياسية بكافة أطيافها ،لافتاً إلى أن الحكومة نفسها لا يمكنها أن تمنع حزباً من معارضتها ،ومناهضة قراراتها ،وبذل الرجل في ذلك ،العديد من الشواهد قال إنها تدعم صدقية ما يقول ،وهو يشير إلى أن المخاطبات الجماهيرية والندوات التي تعارض الحكومة تقام هنا وهناك ،وقطع بعدم اهتمامهم بفتوى الهيئة ، وشدد على أن كيانهم سيظل ساعياً ومواصلاً لجهوده ومبادراته في مجالدة النظام الحاكم.

فتوى صحيحة

وفي تعليقه على الفتوى يقول القيادي بالمؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي إن ما قال به الأمين العام للهيئة مستقى من نصوص الدين والشريعة، والتي يشير د . ربيع إلي أنها واضحة في هذا الخصوص، منوها إلى أن الخلفية التي تزن منها الهيئة والمنظار الذي تنظر به يشرح الواقع السياسي بحسب نصوص الدين ،وبالتالي فالرجل لا يرى تناقضاً ما بين منهج الحركة وما صدر عن رئيسها من فتوى ،غير أن عبد العاطي عاد ليقول إن الكيانات السياسية تعارفت على نظام وأبجديات في العمل السياسي ،وقال إن التدافع والمعارضة موجودة ما وجدت الحكومات ،ولا يخلو منها عصر ،ولم تسلم منها حكومة أنى كان اتجاهها ومنهجها ،بحسب ما قال ،ويلفت ربيع إلى أن القوانين والدساتير السارية بالفعل لا تحرم النشاط السياسي والتظاهر ضد الحكومات ،ولكنه عاد ليذكر بما أشار إليه في مستهل حديثه عن خلفية الهيئة باعتبارها مؤسسة تتخذ من الدين منهاجاً تهتدي به في إصدار قراراتها.
الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.