بهدف التطهير الاقتصادي وإخراج “الأموال السوداء”.. الحكومة الهندية أعلنت إلغاء فئات النقد الكبيرة

استيقظ الهنود صبيحة الأربعاء التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ليجدوا كل أموالهم من فئة خمسمئة روبية (7.6 دولارات) وألف روبية قد فقدت قيمتها بموجب قرار مفاجئ من رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

والقصد من القرار هو تطهير الاقتصاد الهندي، الذي يعتقد بأنه يعاني من فساد كبير يتمثل في أحد جوانبه في ثروات مخفية في صورة سائلة بعيدا عن الإدارة والرقابة الرسمية.
الشرطة تحرس صناديق النقود (رويترز)

ويفترض أن يؤدي هذا القرار إلى إخراج هذه “الأموال السوداء”، التي تقدر بمليارات الدولارات، إلى النور، إذ إنها ستفقد قيمتها إذا لم يتقدم أصحابها لاستبدالها من البنوك ومكاتب البريد، وهو الباب الذي فتحته الحكومة للمواطنين حتى الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول المقبل.

لكن رد الفعل الشعبي كان خطيرا، وإن لم يكن مستغربا في اقتصاد يعدّ شديد الاعتماد على السيولة النقدية، وتكفي هنا الإشارة إلى أن أوراق النقد الملغاة -وهي أكبر فئتين في الهند- تشكل أكثر من 80% من العملة المتداولة في البلاد.

فزع وتزاحم بالبنوك
ومعنى ذلك أن ملايين الهنود يعانون حاليا من شح في السيولة، وهو ما دفع الآلاف منهم إلى التدافع نحو البنوك في كافة أنحاء البلاد لتغيير هذه الأوراق النقدية، بل وسحب أموال أخرى للاحتفاظ بها على سبيل الاحتياط خوفا من المستقبل.
طابور أمام بنك الاحتياطي الهندي في نيودلهي لتسليم الأوراق النقدية الملغاة (الأوروبية)

انتشرت مشاهد الفوضى والغضب أمام البنوك في كافة أرجاء الهند، ولم تعد الكثير من أجهزة الصرف الآلي تجدي نفعا، لأنها لم تجهز للفئات النقدية الجديدة، وهي ورقة جديدة بخمسمئة روبية وورقة بألفي روبية.

على أثر ذلك أصدر بنك الاحتياط الهندي (البنك المركزي) بيانا طالب فيه المواطنين بألا يتدافعوا نحو البنوك لسحب الأموال، وحاول طمأنتهم بأن السيولة متاحة عند الحاجة.

لكن يبدو أن ذلك لم يقنع كثيرا منهم، إذ استمرت الطوابير أمام البنوك، واضطرت السلطات إلى رفع حد السحب النقدي تجنبا لتصعيد الغضب الشعبي.
تسجيل الأرقام المسلسلة لأوراق الخمسمئة روبية (رويترز)

وقالت الحكومة في بداية الأسبوع الجاري إن البنوك تلقت ثلاثة تريليونات روبية (نحو 44 مليار دولار) من الفئات النقدية الملغاة منذ صدور القرار.

تطهير الاقتصاد
وبالرغم من أن فكرة تطهير الاقتصاد واستعادة هذه الأموال السوداء إلى النظام الرسمي لها مسوغات قوية، لا سيما في حالة الاقتصاد الهندي، فإن هناك انتقادات من خبراء في الاقتصاد يرون أن الأضرار الجانبية قد تكون أكبر من الفوائد.
ناشطون سياسيون يحرقون دمية لرئيس الوزراء احتجاجا على القرار (رويترز)

ويشرح أستاذ الاقتصاد الهندي كوشيك باسو -الذي كان كبير الاقتصاديين في البنك الدولي وكبير المستشارين الاقتصاديين للحكومة الهندية السابقة- كيف أن هذا الإجراء المعقد قد يضر الاقتصاد، لا سيما في حالة الهند التي تعتمد بشدة على النقد.

ويقول باسو إن هذه الخطوة في الظروف الحالية هي تنظيف للنظام النقدي لمرة واحدة فقط، وإن من المرجح أن تعود الأموال السوداء إلى النظام، حيث سيبدأ الخارجون عن القانون في جمع ثروات بالأوراق النقدية الجديدة حين تصبح متوفرة.

ويشير الاقتصادي برابهات باتنيك إلى أن هذا الإجراء يكشف أن الحكومة لا تفهم النظام الرأسمالي، إذ إن خطواتها ستنتج سوقا سوداء ووسطاء مستغلين يقومون مثلا بشراء الألف روبية الملغاة مقابل ثمانمئة أو سبعمئة روبية، لا سيما في ضوء شح المعروض النقدي الجديد، وتأخر عمليات الطباعة.

عودة المقايضة
ومن المفارقات، أن إلغاء هذه الأوراق النقدية المهمة في الهند ألجأ المواطنين إلى نظام المقايضة حتى يتمكنوا من تدبير احتياجاتهم اليومية. وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف تغريدة لصحفية تحكي كيف استطاعت شراء خضراوات من بائع محلي مقابل قيامها بتعبئة رصيد في هاتفه الجوال.
المقايضة اتخذت أشكالا غريبة مع شح السيولة النقدية لدى ملايين الهنود (رويترز)

ومن الأمثلة الأخرى التي تناقلتها الأخبار، مقايضة ثلاثة كيلوغرامات من القرنبيط مقابل كيلوغرام واحد من السمك في قرية بولاية أوريسا شرقي الهند، حيث قرر السكان تعميم نظام المقايضة لحين انتهاء الأزمة.

ومن المفارقات الأخرى، ظهور ما يسمى اقتصاد الثقة، حيث يقوم أصحاب الخدمة أو السلعة بتقديمها للمشترين الذين يعدون بالدفع لاحقا، وقام بعض الأطباء باعتماد ذلك مع مرضاهم، وقام خياط بإنقاذ حفل زفاف حين وافق على تسليم العروس فستانها مقابل السداد الآجل.

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.