أحمد حلمي حالة خاصة في النتاج السينمائي

يُشكِّل الممثل المصري، أحمد حلمي، حالة خاصّة في النتاج السينمائي الكوميدي، مصرياً وعربياً، متأتية من قدراته الأدائية على تنويعٍ قليلٍ في الأدوار الكوميدية، كما على تحويل المعالجة الدرامية لأسئلة حياتية أساسية ودقيقة إلى صورة كوميدية، تحمل من الدراما ثقلاً إنسانياً مهمّاً، وتضع المُشاهد أمام ما يُشبه المرآة، لاكتشافِ شيء من ذاته ومتاهاته، عبرها.
الطالب الجامعي المتخصّص بالديكور يُصبح أحد أبرز النجوم الشباب في التمثيل الكوميدي، الذي يغلب عليه طابعٌ “جدّي” في رسم ملامح الشخصية، وبناء الدور، وتحديد معالم السياق الفني للحبكة وتفاصيلها. والجدية، هنا، لن تعني أبداً التراجيديا الدرامية، بل تعكس معنى جوهرياً في الأداء الكوميدي: عدم الابتذال، وعدم التورّط في التهريج، وعدم الخضوع لمغريات النجومية المسطّحة، وعدم الانصراف عن إيجاد توازنٍ حقيقي بين متطلّبات السوق التجارية (وهذا حقٌّ للنجم والمنتج تحديداً)، والإمكانيات المهمّة لدى الممثل في كيفية تقديم دورٍ أو شخصية.

في وصفه حالته التمثيلية، يقول الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي إن أحمد حلمي “الفنان الوحيد بين نجوم الكوميديا الذي استطاع أن يقهر “العدو” الشرس الرابض في داخله، الذي يقول له: أنتَ لا تحتاج إلى كاتب ولا إلى مخرج، فأنت الفيلم والفيلم أنت”. يُضيف الشناوي أن هذا الوحش موجودٌ داخل كلِّ نجم، “لكن، عليه أن يتعلّم كيف يمتلك مفاتيح ترويضه”. ينبثق كلامٌ كهذا من قولٍ لحلمي نفسه، يستكمل فيه، بطريقةٍ أو بأخرى، قولاً لصلاح جاهين، يُقارن بينه وبين فؤاد حداد. يقول جاهين: “أنا أشهر، لكن ليس بالضرورة أن أكون الأشطر”. يقول حلمي إن مجرّد تعلّم المرء أنه ليس الأشطر كفيلٌ بجعله الأشهر: “عندما تقول لذاتك أنك لست الأشطر، تُصبح شخصاً سوياً، ويهدأ غرورك”، مشيراً إلى أنه يُمكن للشهرة أن تنبثق من قناعة المرء بأنه ليس أشطر شخص: “أتساءل مراراً عمّا إذا كنتُ أشطر شخص، فيكون الجواب “مستحيل”. عندما تؤمن بهذا، توظِّف تفكيرك وتركيزك وكيانك فيما تصنع، وعندها، فقط، تُحقِّق ذاتك”. وينتهي إلى أن هذا كلّه “هو التميّز والشهرة”.
أهذا تواضعٌ نابعٌ من صِدْقٍ في التعامل مع الذات، أم كلامٌ يُساق في حوارٍ صحافي، لدعم نجومية يستطيبها الفنان، ويجتهد لتحصينها مهما تبلغ تكاليف ذلك من أثمان؟
أميل إلى القول إن أحمد حلمي لن يُضطرّ إلى ركوب موجة النجومية الاستعراضية البائسة، وإنْ لن يخرج من عالم الأضواء كلّياً. فهو، إذْ يبدأ سيرته المهنية على الشاشة الكبيرة عام 1999، يؤكّد، فيلماً بعد آخر، ومرحلة سينمائية بعد أخرى، قدراته الآيلة به إلى مسألتين اثنتين: عدم التردّد في اختبار أي جديد يتلاءم وطموحاته كنجم يحترف المهنة، وعدم الخضوع لابتزاز النجم فيه دائماً، لأنه يُتقن كيفية استخدام أداوته التمثيلية في خدمة الفنان والنجم فيه، كما في خدمة النوع، في سينما مصرية لا تزال تتخبّط في امتلاك خصوصية كوميدية، تُكمل ماضٍ كوميدي عريق بأدوات تعبير أجدّ وأجمل.

مع علاء ولي الدين، الممثل الكاشف براعة كوميدية يوقفها رحيله شاباً عن أربعين عاماً فقط (1963 ـ 2003)، يخطو أحمد حلمي (18 نوفمبر/ تشرين الثاني 1969) خطوته الأولى في التمثيل السينمائيّ الكوميدي، مؤدّياً دور سعيد، في “عبّود على الحدود” لشريف عرفة، الذي يختاره لهذا الدور، بعد مشاهدته إياه في برنامج تلفزيوني للأطفال من تقديمه، بعنوان “لعب عيال”. بعد أعوام قليلة، يلتقي ولي الدين مجدّداً، في “الناظر” (2000) لعرفة أيضاً. بينهما، يُشارك حلمي، عام 2000، في “ليه خلّتني أحبِّك” لساندرا نشأت، و”عمر 2000″ لأحمد عاطف.

هذه بدايات متعثّرة له، لكنها اختبار حقيقي يبلور، لاحقاً، مفهومه لأداء كوميدي صافٍ، يُحافظ معه على سويةٍ مبسّطة في تقديم مهنة تمزج بين إسعادِ المُشاهدين وإضحاكهم، ومحاولة التنقيب الهادئ في أسئلة الصداقة والحب والمغامرات الشبابية والرغبات الأولى والتفاصيل اليومية. لكن أحمد حلمي يبدأ اختراق تلك الدائرة بخَفَرٍ وهدوء، بمشاركته في “سهر الليالي” (2003) لهاني خليفة، الذي يجمع عدداً من أبرز الممثلين والممثلات الشباب: حنان ترك ومنى زكي وجيهان فاضل وعُلا غانم وخالد أبو النجا وشريف منير وفتحي عبد الوهاب. عن العلاقات الزوجية المدمَّرة، والحب الصعب، والصداقة المرتبكة، والقلق الذاتيّ. هذا كلّه مائلٌ إلى الدراما العاطفية، المُحافظة على جمالية بصرية متماسكة الصُنعة والبناء الحكائيّ، مع بعض اللحظات المُضحكة والبهيّة. لذا، يُعتبر “سهر الليالي”، نقدياً على الأقلّ، لحظة تحوّل سينمائي، يُتقن أحمد حلمي الاستفادة منها، مؤكّداً حضوراً تمثيلياً لافتاً للانتباه، لاحقاً، في فيلمي “كده رضا” (2007) لأحمد نادر جلال، و”آسف على الإزعاج” (2008) لخالد مرعي.

في الأول، يؤدّي أحمد حلمي 3 شخصيات في آن واحد، ما يتيح له فرصة إظهار براعته في الانتقال من حساسية إلى أخرى، ومن سلوك إلى آخر، يناقضه تماماً. وفي الثاني، يعيش حالة اضطراب نفسي جرّاء فقدانه والده، فيتوه في أروقة الحياة اليومية كأن شيئاً لم يحصل، قبل أن يصطدم بمرارة الواقع. لكن، بينما يتمتّع الأول بنَفَسٍ كوميدي عالٍ؛ يكتفي الثاني بمشاهد أو لقطات كوميدية، ضمن سياقٍ درامي نفسي اجتماعي.
هذه نماذج. لاحقاً، يُكمل أحمد حلمي تنويعاته السينمائية الكوميدية بعدها، مستفيداً من أداوته وخبراته وحُسن رؤيته الأمور.
العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.