السودان يهدد الأمن القومي الأمريكي!!

أجمع معظم العلماء والمفكرين والخبراء الاستراتيجيين في العالم على أن مهددات الأمن القومي للدور المتقدمة تأتي من الخارج حيث تتأثر مصالحها الاستراتيجية بالتغييرات السياسية التي تشهدها بعض الدول. كما أجمعوا كذلك على أن مهددات الأمن القومي لدول العالم الثالث تأتي من الداخل حيث ان هذه الدول لم تحقق اجماعاً قومياً أو تألفاً في نسجيها الداخلي بالإضافة لمشاكل الجهل والتخلف والفقر والصراعات على السلطة. الولايات المتحدة الأمريكية اتهمت السودان بأنه قد أصبح يهدد أمنها القومي وأنها سوف لا تسمح له بالاحتفاظ بأراضيه الشاسعة واستغلال ثرواته وموارده الضخمة. اسرائيل ربيبة أمريكا تبنت استراتيجيتها ضد السودان على أن يكون دائماً وأبداً مشغولاً بنفسه حتى لا يقف على رجليه ليدعم قضايا أمته العربية والإسلامية. من هذا المنطلق فإن الفلسفة التي قامت عليها حرب الجنوب هي أن تكون حرب استنزاف دائمة حتى لا تتمكن الدولة من استغلال ثروات البلاد. توجت هذه الاستراتيجية العدائية بانفصال الجنوب ومازال مسلسل تقسيم البلاد جارياً. اتهام الولايات المتحدة الأمريكية للسودان بأنه قد أصبح يهدد أمنها القومي من المنظور الاستراتيجي الذي أجمع عليه العلماء والمفكرين والخبراء الاستراتيجيين يعتبر صحيحاً. نعم السودان بسياساته التحررية واستغلال قراره السياسي ووقوفه القوي ضد النظام العالمي الجديد عند تبلوره في حرب الخليج الثانية أخاف الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أصبح رقماً لا تتخطاه السياسة الدولية وتحول من رجل افريقيا المريض إلى قلبها النابض ومركز اشعاعها الذي يبصرها بسياسات النظام العالمي الجديد الذي يستهدفها وخير شاهد على ذلك موقف السودان القوي من المحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر آلية من آليات النظام العالمي الجديد. السودان كان سباقاً ومبادراً في مناهضته لهذه المحكمة ويعود له الفضل في خروج الدول الافريقية من هذه المحكمة وخروج روسيا الدولة العظمي. السودان قال «لا» لدخول القوات الأمريكية للصومال وجنوب لبنان، وقال «لا» لحرب الخليج الثانية، وقال «لا» لمؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو الانهزامية. كل هذه المواقف القوية والشجاعة أخافت الولايات المتحدة الأمريكية من هذا المارد الذي انطلق، ومن هنا جاءت سياسات الحصار السياسي والاقتصادي على السودان الذي تم وضع اسمه على رأس قائمة الدول الراعية للإرهاب والمارقة على سياسات النظام العالمي الجديد الذي حنت كل دول العالم رؤوسها لمرور عاصفته إلا السودان الذي وقف شامخاً أمام هذا النظام ومندداً بسياساته العدوانية التي تستهدف دول العالم الثالث خاصة الدول الافريقية والإسلامية.
السودان استغل الهامش الذي تركه له النظام العالمي الجديد ليتحرك فيه نسبة لانشغاله بأهمية الحفاظ على قوات التحالف التي أنشأها لضرب العراق. السودان استغل هذا الهامش في تغيير بعض الأنظمة في دول الجوار فأزعج هذا السلوك أمريكا، وزاد من روعها لأن السودان قد أصبح يسلك سلوك الدول العظمى في تغيير أنظمة الحكم المعادية.
التخطيط الاستراتيجي الذي انتهجه السودان عبر الاستراتيجية القومية الشاملة لم ترض عنه أمريكا وأخافها كثيراً لأن الدول العظمى بلغت هذا المستوى عن طريق التخطيط الاستراتيجي وخوفاً من أن يصبح السودان دولة عظمى في المستقبل تم فرض الحصار عليه. الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت بأنه لا مثيل لها في العالم من حيث الامكانيات والموارد المتعددة والثروات إلا السودان وإذا ترك لحاله فإنه سوف ينافسها في حكم العالم. السودان يتمتع بموقع جيوبولتيكي متميز حيث انه يقع في قلب القارة الافريقية ويعتبر بوابة للدخول للدول الافريقية شمال الصحراء وجنوبها وهو قريب من منطقة البحيرات العظمى ومنطقة القرن الافريقي ومنطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية. ويطل على التجارة الدولية بساحل بحري عريض. لكل هذا أصبح السودان يحظى باهتمامات الدول العظمى ومحط أنظارها. من المؤسف أن الحكومات المتعاقبة لم تتمكن حتى الآن من استغلال هذا الموقع المتميز الذي يجعل من السودان دولة محورية بالمنطقة.
خلاصة القول: العداء الأمريكي سببه سياسات السودان التحررية واستغلال قراره السياسي وثرواته وموارده المتعددة التي إذا تم استغلالها بالإضافة لاستغلال موقعه الجغرافي المتميز فإنه سوف يصبح دولة محورية بالمنطقة تهدد المصالح الاستراتيجية الأمريكية لأنه لا يخضع للنفوذ الأمريكي. استمرار الحوار الاستراتيجي مع الإدارة الأمريكية الجديدة يعتبر أكثر من ضرورة لإزالة المخاوف والشكوك الأمريكية وطمأنتها على أن مصالحها مرعية داخل السودان وفي المنطقة.
تحسين العلاقات مع أمريكا يتطلب عودة ملف السودان إلى الخارجية الأمريكية بدلاً عن الكونغرس واللوبيات ومجموعات الضغط المختلفة.
ختاماً: لا مجال للتعامل بالندية مع الدول العظمى ولابد من التعامل بالحكمة واتخاذ المرونة منهجاً في العلاقات الدولية مع عدم التفريط في السيادة الوطنية.
وبالله التوفيق.
* زمالة كلية الدفاع الوطني، أكاديمية نميري العسكرية العليا.
الفريق أول ركن : حسن يحيى محمد أحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.