عسكرة الولايات: قراءة في توجهات القيادة السودانية

سودافاكس – اتسعت دائرة الإعفاءات في صفوف ولاة الولايات بالسودان، حيث أُعفي الخميس الماضي والي النيل الأبيض عمر الخليفة، وتم تكليف اللواء ركن (م) قمر الدين محمد فضل المولى بديلاً له.

وجاءت هذه الخطوة بعد يومين فقط من إعفاء والي الشمالية عابدين عوض الله وتعيين اللواء ركن (م) عبد الرحمن عبد الحميد بدلاً منه، وسط توقعات بإعفاءات جديدة قد تطال ولايتي الجزيرة ونهر النيل.

هذه التحركات أثارت تساؤلات حول مغزى هذا التوجه نحو “عسكرة الولايات”، وانعكاساته على المشهد السياسي والإداري في البلاد.

تعزيز السيطرة الأمنية

منتصف يناير الماضي، شهد إعفاء والي سنار توفيق عابدين، ليخلفه اللواء الزبير حسن، ما يعزز فرضية سعي الحكومة نحو إحكام القبضة الأمنية.

ويقول الخبير الاستراتيجي د. عمار العركي إن تعيين قادة عسكريين ولاةً يعكس توجهًا واضحًا لتعزيز السيطرة الإدارية والأمنية للدولة، في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد. وأوضح أن هذه الخطوة تأتي استجابة لحالة الانفلات الأمني والحاجة إلى فرض النظام وضمان وحدة القرار التنفيذي بين المركز والولايات.

وأضاف العركي أن التعيينات الجديدة تحمل أبعادًا استراتيجية، أبرزها قطع الطريق أمام محاولات اختراق مؤسسات الحكم المحلي من قِبل الميليشيات أو المجموعات المناوئة، إضافة إلى تأمين خطوط الإمداد للجبهات القتالية.

ورغم الإقرار بضرورات الظرف الأمني، أشار العركي إلى أن الخطوة تثير تساؤلات حول مستقبل المشاركة المدنية في الحكم المحلي، خاصة وأن الحكومة شددت مرارًا على أهمية إشراك القوى السياسية والمدنية في عملية إعادة الهيكلة بعد انتهاء النزاع.

وتساءل العركي: هل كان من الأجدى أولاً تعيين رئيس وزراء مدني يتمتع بكامل الصلاحيات قبل المضي في تعيين ولاة عسكريين؟ أم أن التحديات الأمنية فرضت تقديم أولويات المعركة العسكرية على استحقاقات الدولة المدنية؟

مواقع مدنية بقبضة عسكرية

توجه عسكرة الولايات بدأ فعليًا منذ منتصف أبريل العام الماضي، مع تعيين اللواء ركن (م) محمد أحمد حسن أحمد واليًا للقضارف، وتعيين اللواء (م) الصادق محمد الأزرق واليًا لكسلا.

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية د. بدر الدين حسان أن تعيين ولاة عسكريين يعبر عن تحول استراتيجي يعكس رؤية أمنية للمرحلة الحالية، إلا أنه حذر من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى تآكل الخبرات المدنية وإضعاف البناء المؤسسي على المستوى المحلي.

ودعا بدر الدين إلى ضرورة وضع حدود زمنية لهذه التعيينات، وربطها بخطط واضحة لانتقال تدريجي نحو الحكم المدني، محذرًا من أن عسكرة الإدارة المحلية لا تقتصر آثارها على الجانب الأمني فقط، بل تمس العلاقة بين الدولة والمجتمع بشكل أعمق.

وتواجه الولايات التي تم تطهيرها من ميليشيات آل دقلو تحديات أمنية معقدة، مما يجعل من المنطقي، وفقًا لمراقبين، إسناد المهام مؤقتًا إلى قيادات عسكرية لضمان الاستقرار.

سودافاكس

Exit mobile version