الإنقاذ لجأت إليها كثيراً نظرية “كبش الفداء”.. “حيلة” لامتصاص الغبن الشعبي!

نظرية “كبش الفداء” واحدة من الأساليب المعروفة في عالم السياسية وكثيراً ما تلجأ إليها الحكومات في حالة الاحتقان التي تصل لمراحل خطيرة خاصة في الظروف الاقتصادية السيئة والضغوط السياسية، حيث تتجه الأحزاب الحاكمة إلى سلوك التضحية بكبش فداء فيتم تحديد أحد موظفي المستويات الدنيا لإلقاء اللوم عليه فيما يتعلق بالمشكلة أو الخطأ الذي ارتكبه مسؤولو الإدارة العليا وذلك لتحاشي تعريض الإدارة العليا للخطر.

اللافت أن حكومة الإنقاذ كثيراً ما لجأت لاستخدام نظرية كبش الفداء في كثير من الأزمات التي واجهتها. وخاصة في حالات النزاع التي ظلت تتكرَّر بين مراكز القوة والنفوذ داخل مؤسسات الدولة وتظهر في شكل خلافات داخلية بين أعضاء الحكومة بعضهم البعض من جهة والحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى من جهة ثانية بسبب اختلاط المهام ومحاولة الاستيلاء على ملفات بعضهم البعض ومن أبرز الشواهد في هذه الأزمات إقالة مدير عام هيئة مياه الخرطوم، خالد حسن، الذي أصدر والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر، قراراً بإعفائه على خلفية أزمة المياه التي عاشتها أحياء العاصمة وأيضاً أطاح الصراع الذي دار بين والي الخرطوم د. المتعافي ومدير عام الشرطة الفريق محجوب حسن سعد حول قومية الشرطة أم جعلها ولائية، أطاح بالفريق سعد من منصبه.

الشاهد أن عمليات اللجوء لنظرية كبش الفداء من المسؤولين لم تتوقف عند هذا الحد بل امتدت إلى قضية نائب رئيس المؤتمر الوطني محمد حاتم سلمان التي أطاحت بوكيل وزارة الإعلام عبد الماجد هارون.

ويرى مراقبون أن زيادة أسعار الدواء التي جاءت في إطار السياسات الاقتصادية الأخيرة تسببت في حالة من الاحتقان ووصلت لدرجة خطيرة تستلزم البحث عن متنفس، الأمر الذي يجعل أطراف المعارضة تنشط في توسيع دائرة الاحتجاجات الشعبية بتعبئة الشارع، وربما هذا ما دعا الحكومة تتحرك لامتصاص الغضب الشعبي من الإجراءات الاقتصادية التي تسببت في موجة غلاء طاحنة شملت أسعار كل السلع والمعاملات الحكومية وليس أسعار الدواء وحدها. وهنا انتهزت الحكومة الفرصة وحصرت خطابها في معالجة الأزمة عامة في ملف الدواء وجيَّشت لذلك مختلف أدواتها السياسية والإعلامية واختارت التضحية بالأمين العام للمجلس القومي للصيدلة والسموم، محمد الحسن العكد، وقدمته كبش فداء بالقرار المفاجئ الذي صدر بإقالته من منصبه وأعلنه وزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبوقردة في مؤتمر صحافي أمس الأول. وحمّل وزير الصحة المسؤولية كاملة للأمين العام لمجلس الصيدلة بإصداره قائمة أسعار جديدة للأدوية واعتبر ذلك خطأً كافياً بالتعجيل بإعفائه من منصبه. ويرى مراقبون أن عملية إقالة العكد هي محاولة من الحكومة لإيجاد وسيلة لامتصاص حالة الاحتقان التي تسببت فيها الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي قابلها الشارع بغضب شعبي. ويرون أن قرار إقالة العكد ليست كافية لمعالجة المشكلة التي تختلط فيها المهام والملفات التي يتحمل مسؤوليتها وزير المالية والصحة نفسه، والسؤال هنا هل قُدِّم أمين عام الصيدلة كبش فداء كما في المرات السابقة واختلف الأمر هذه المرة بالتراجع عن القرار لإيجاد حلول سريعة للأزمة وامتصاص حالة الاحتقان التي تُنذر باندلاع أعمال عنف وتفادي وقوعها. هُنا يُجيب المحلل السياسي بروفسير حسن الساعوري بأن موقف الصيادلة تجاري يتعلَّق بـ(البزنس) باعتبار أنهم يعملون في تجارة الأدوية وليس صناعتها، وقال لـ(الصيحة) إن التجار العاملين في السلع الأخرى لم يحتجوا لأنهم وضعوا أرباحهم بعد الزيادة ولهذا تصبح قضية الصيادلة سياسية وليست مطلبية لأنه يمكن أن يضعوا أرباحهم على الدواء، ويرى أن الصيادلة تجار ورفع الدعم لا يؤثر عليهم ما يجعل وقفتهم سياسية أكثر مما هي تجارية، ويشير إلى أن إعفاء أمين عام مجلس الصيدلة محمد الحسن العكد، ليس له علاقة مباشرة برفع الدعم عن الدواء وقد تكون له أسباب لم يتم الكشف عنها وهو يطالب بالحق المالي للأجهزة التي تحت إدارته، والحكومة هي التي حدَّدت له نسبة الزيادة في أسعار الدواء، ولفت الساعوري إلى أن إعفاء العكد لا يؤثر في الأسعار وكان يمكن تغيير قائمة الأسعار دون اللجوء لإعفائه الذي لا يحل أزمة الدواء لأنها سياسية بحتة أكثر من أزمة الأطباء الذين حددوا مطالبهم، وأعفاؤه لا يغير شيئاً في موقف الصيادلة لأنه تدخل سياسي مباشر لكن الحكومة لم تفهمه في سياقه الصحيح.

من جانبة قال رئيس حزب العدالة، أمين بناني، إن قرار الإقالة في أغلب الأحيان يكون لتقديرات سياسية وعقوبة إدارية. ويرى بناني في حديثه لـ(الصيحة) أن إقالة العكد هي مجرد محاولة لامتصاص غضب الشارع العام من الإجراءات الأخيرة وتحميل هذا المدير المسؤولية، ويؤكد أن أمين مجلس الصيدلة لا يتحمل إلا القليل من تبعات قرار رفع الدعم عن الدواء وكان على وزير الصحة أن يتحمل المسؤولية السياسية، لكن قُدِّم هذا الشخص ككبش فداء بتحميله المسؤولية لكنها خطوة غير مجدية لأن وزير الصحة نفسه أقر بأن هناك زيادة. وأضاف بناني أن جوهر القضية الأساسية في رفع الدعم عن كل السلع هو قرار يجب أن تتحمله الحكومة كلها ومن العار إقالة هذا المسؤول لإقناع المواطن بأن هناك خطأ حدث وتم إصلاحه. وقال إن مثل هذه الإقالة لا يمكن أن تعالج المشكلات بل تؤكد أن الحكومة ليست جادة في معالجة القضايا، ومضى بناني يقول: إن الشخص الذي تم إعفاؤه مظلوم بتحميله مسؤولية قرار لم يتخذه في رفع الدعم عن الدواء، ويقول بناني: “هناك أشخاص كثر في زمن الإنقاذ تمت التضحية بهم بسبب إجراءات لم يتخذوها وذلك لفداء أشخاص آخرين كبار” مضيفاً: “لو أن الرئيس ضحى بمنظومة موجودة في الدولة في سبيل هذا القرار لكان هناك قدر من الجدية”.

الخرطوم: الطيب محمد خير

الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.