كيف تؤثر التكنولوجيا على العمل السياسي؟

تتجّه الحكومات حول العالم أكثر فأكثر نحو الاعتماد على شبكة الإنترنت، إذ بدأت المملكة المتحدة في عام 2013 حملة للتحوّل نحو الفضاء الرقمي، من خلال نقل بعض الخدمات، مثل دفع الضرائب أو التصويت، إلى شبكة الإنترنت. وصنفت المملكة المتحدة في المرتبة الأولى ضمن مؤشر تنمية الحكومات للخدمة الإلكترونية التابع للأمم المتحدة في العام الحالي.
ووجد تقرير الأمم المتحدة أن “البلدان في المناطق كافة حول العالم تتبنى بشكل متزايد مسألة الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات من أجل تقديم خدماتها للمواطنين وزيادة مستوى الشفافية وإشراك الناس في عمليات صنع القرار”.

وأشار تقرير نشره موقع “تِك كرنتش” المتخصص بالأمور التقنية، الأحد، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لم تظهر ضمن الدول العشر الأوائل في المؤشر، لكن فترة ولاية الرئيس، باراك أوباما، شهدت دفعة ملحوظة نحو تبني مبادئ الحكومة الإلكترونية، وساهمت في توفير الخدمات على شبكة الإنترنت قدر الإمكان.

ولفت التقرير إلى أن فكرة النظر إلى الحكومة كـ”خدمة” ليست جديدة تماماً، ووفرت شبكة الإنترنت للمواطنين أدوات عدة للتبليغ عن القضايا التي تعنيهم، بدءاً من الحفريات على الطرقات وصولاً إلى قضايا الفساد الكبرى.
ورأى أن توفير الحكومة لخدماتها في المجال الرقمي ساهم في تحفيز المواطنين على أن يكونوا أكثر اجتماعية وأكثر إحساساً بالمسؤولية بدورهم، لكن التكنولوجيا تغير الطريقة التي يتصرفون بها بالمعنى السياسي للكلمة، وليس ضرورياً أن يكون هذا التغيير نحو الأفضل.

تغيرت طريقة تلقي المواطنين للأخبار على مرّ السنين، واختلفت الكيفية مع اعتمادهم على شبكة الإنترنت من أجل الحصول على هذه الأخبار، فبينما تحتفظ المطبوعات الورقية بمحرريها، تضخ المواقع الإخبارية مواد يمكن استهلاكها بطرق عدة، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو التطبيقات.

كما أن “شخصنة” الأخبار بشكل متزايد، تعني أن المستخدمين سيتابعون مزيداً من الأخبار

اعتماد السياسيين المتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الترويج لمعتقداتهم لا يعكس أفكاراً وأخباراً حقيقية بل يتم تهميش “الحقيقة” على حساب إيصال رسالة شعبية


والمعلومات حول الأشخاص الذين يبدون نحوهم اهتماماً خاصاً، في المجالات الرياضية والترفيهية والسياسية، وتساهم الخوارزميات التي تتحكم بتقديم المحتوى، ومن دون قصد، في انحراف البوصلة عند المستخدمين، وفقاً للتقرير.

والدليل على هذا الموضوع أن دراسات عدة وجدت أخيراً أن الأشخاص على شبكة الإنترنت يميلون إلى التواصل أكثر مع الأشخاص الذين يبدون الاهتمامات والآراء نفسها، وينعزلون أكثر عن المجموعات المختلفة عنهم.
في سياق متصل، أشار التقرير إلى أن اعتماد مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك”، على الخوارزميات الآلية عوضاً عن المحررين البشر، لا يعني بالضرورة أن هذه الخوارزميات ستكون موضوعية، بل ستعرض تحيزاً سياسياً، ولو من دون قصد. وأضاف أن اعتماد المواطنين في الأعوام الأخيرة على “فيسبوك” كمصدر رئيسي للاطلاع على الأخبار، ساهم في زيادة استقطابهم، وانعكس الأمر في العالم الواقعي.

كما رأى التقرير أن اعتماد السياسيين المتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الترويج لمعتقداتهم الخاصة، لا يعكس أفكاراً وأخباراً حقيقية بالضرورة، بل يتم تهميش “الحقيقة” على حساب إيصال رسالة شعبية معينة، واستقطاب المزيد من المؤيدين. ولفت إلى أن الاتهامات المتبادلة بين صحف ومواقع إخبارية عدة بنشر الأكاذيب تحوّلت إلى حملة تشهير مسيئة للطرفين.

في المقابل، رأى الكاتب أن الخوارزميات الآلية يمكن أن تساهم إلى حد ما في إعادة التوازن، في إشارة إلى بدء شركة “غوغل” في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حربها على الأخبار المزيفة، بعد تعرضها لحملة انتقادات قاسية بسبب تأثير الأخبار المزيفة على مسار الانتخابات الأميركية الأخيرة. كما عمدت مواقع إخبارية عدة إلى اعتماد آليات معينة للتأكد من مصداقية الأخبار التي تنشر عليها، لكن يرجح ألا تساعد هذه الخطوات في تغيير آراء ومعتقدات الأشخاص الذين تأثروا بهذه الأخبار على المدى الطويل.

وخلص التقرير إلى ضرورة مواصلة الحكومات حول العالم جهودها من أجل الاستعانة بالإنترنت، لتسهيل حياة المواطنين، لكن يجدر الحذر من تأثير التكنولوجيا على كيفية تفكيرنا وتصرفنا في المجال السياسي، إذ إن المواد المنشورة على شبكة الإنترنت مصممة بطريقة معينة لجذب المزيد من الزوار، عوضاً عن فتح نقاش سياسي حقيقي.
العربي اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.