وصية الترابي تلوح في سماء الاقتراع المؤتمر العام للمؤتمر الشعبي.. خليفة “العراب” يولّد الخلافات في المنشية

ماهية النظام الخالف.. المشاركة في السلطة.. ومن هو خليفة الترابي أهم تحديّات المؤتمر

الترابي دعا لأن يكون خليفته دون الستين .. فهل سيعود الشيخ السنوسي مجدداً؟

هؤلاء (…) هم أبرز المتنافسين على خلافة الترابي وترجيحات بعودة الحرس القديم

يعتبر المؤتمر العام الأوّل لحزب المؤتمر الشعبي الذي يجري الإعداد له حالياً، حدثاً سياسياً استثنائياً. بداية من توقيته الذي كان مثار اختلاف بين قادته، لا سيما أنّه يجئ بعد شهور من رحيل مؤسسه وأمينه العام د. حسن عبد الله الترابي. ويعطي التوقيت في حد ذاته مثالاً للصعوبات التي يمكن أن يجابهها الحزب في رغبته بالانتقال من حزب يسير بكاريزما عرابه إلى حزب يتحرك بمجموع قياداته من وراث الترابي.

ومن تبعات أزمة التحول التي تتنظر الشعبيين بالضرورة، هي مدى قدرتهم على اختطاط نهج فكري وتنظيمي يجعلهم في ذات مسار الفاعلية السياسية التي كان يتمتع بها الراحل الترابي، ويجنبهم مصيراً مظلماً. حيث لا يزال الكثيرون خارج الحزب هم ما بين مشفق وشامت، ولكنهم اتفقوا على أن سفينة الشعبي ما عاد في قدرتها أن تمخر بعد مغادرة الربان.

أما بالنظر إلى الواقع الماثل، تعقيداته، وقضاياه، فإن محاولة من يسترق البصر إلى ما وراء أكمة المستقبل الخاص بالشعبي؛ يجدها تصطدم بجملة من العوائق، وإن كانت هذه العوائق أقرب إلى أن تعرقل مسيرة الحزب، لا أن تحوّل دون استشفاف لمستقبله المحكوم عليه بالسواد، في حال عجز قياداته الحاليين عن تخطي العتبة الأولى، فكراً وتنظيماً.

وكان حزب المؤتمر الشعبي، تأسس في العام 2001 بعد مفاصلة الإسلاميين الشهيرة في 1999م، التي أفضت إلى انقسام الإسلاميين الحاكمين إلى طودين عظيمين، أحدهما يمثل التيار المستمر إلى يومنا هذا في قيادة دفّة الحكم بقيادة الرئيس عمر البشير، أمّا الثاني الذي يتزعمه الترابي فتنحى إلى الظلّ ثمّ ما لبث اليوم يبحث عن ظلال السلطة.

بقاء ووجود

القيادة التي جاءت بعد رحيل الترابي، تمكنت من الهيمنة على المشهد السياسي والحزبي، لكن المتتبع لمسيرة الشعبي بعد رحيل الترابي من خلال خطابات قادته ومسؤوليه يلحظ أنهم لا يتكلمون ولا يلتزمون لغة سياسية واحدة رغم أنهم ينطلقون من مرجعية فكرية واحدة ويظهر هذا من مشهد عثرتهم الماثل الآن وهم على أعتاب المؤتمر العام الأول الذي يحاولون العبور به من مرحلة الولاء لزعيم واحد بعد رحيله إلى مرحلة الكفاءات في تولّي المناصب، ولسنا هنا في حاجة لنبرهن على الفراغ الذي تركه رحيل الترابي داخل الشعبي وهياكله، ومن الطبيعي جداً أن يبرز هذا الاختلاف في خطاب قادة الحزب وهم يحاولون الخروج به من الولاء للشخصية الواحدة إلى حزب المؤسسات عبر المؤتمر العام، بنقاش حول مشروع الحزب السياسي والأيديولوجي بعد رحيل الترابي ليحدد مرجعياته، التي على رأسها النظام الخالف الذي سيتحول فيه الحزب للتحالف مع أحزاب أخرى ويذوب بعد ستة أشهر من المؤتمر العام فيها ما يعني أن مؤسسات الحزب التي ستنشأ من مؤتمره لن تعمر سوى تلك المدة الزمنية التي حددها الترابي في سياق النظام الخالف وهذا ماجعل بعض القيادات الرافضة لهذا المفهوم منذ حياة الترابي تسعى لحماية الحزب من التلاشي .

تياران

في ظل البحث عن شخصية كاريزمية، مجمع عليها للدفع بها إلى سدة الأمانة العامة قبيل انطلاق المؤتمر، يشترط استيفاء الأحكام التي حددها زعيم الحزب لخلافته وأبرزها ألا يكون المرشح قد بلغ السبعين من العمر (أي يكون من أصحاب الدماء الشابة) الأمر الذي يترتب عليه إخراج الأمين العام الحالي، إبراهيم السنوسي، من مضمار المنافسة، هذا طبعا حال الالتزام الصارم بتلك الوصفة.

كذلك، فالثابت أن اختيار الأمين العام يحمل عدة رسائل مشفرة أهمها تحديد ملامح علاقة الحزب بالدولة قرباً وبعداً، وهذا ما أدى لبروز تيارين يتنافسان حالياً على منصب الأمين العام رغم نفي بعض قيادات الشعبي لهذا الأمر، والقول إن الحزب لا يعرف صراع تيارات بداخله وإنما صراع أفكار.

وتشير عدة مصادر إلى نشوب حرب باردة يدور رحاها حول منصب الأمين العام بين تيار الأمين العام السنوسي بسند من الأمين الاقتصادي د. بشير آدم رحمة، ومساعد الأمين العام ثريا عبدالحي، وعدد من القيادات التي تسعى لاستمرار السنوسي في المنصب بحسبانه الأكبر سناً والأكثر خبرة. أما في حال إعمال وصية الترابي التي حدد فيها عمر الأمين العام بأقل من (70) عاماً، فينتظر أن يدفع التيار ببشير رحمة وهذا هو الراجح.

اللافت أن هذا التيار مؤيد للمشاركة في السلطة في مستوياتها التنفيذية والتشريعية خلافاً لوصية زعيم الحزب وتمسكه بعدم المشاركة في السلطة التنفيذية، وكذلك رؤية قيادات بالحزب في أن المشاركة يمكن أن يفهم منها أن الحزب سعى لها كمحصلة من دخوله في عملية الحوار الوطني التي دعا لها الرئيس البشير.

وفوق ذلك كله يرى كثيرون أن فوز السنوسي بالمنصب سيجر قدم الحزب للمشاركة في السلطة، خاصة وأنه أقرب قيادات الشعبي إلى الرئيس البشير ولم تنقطع علاقته به حسب المصادر حتى في فترة اشتداد الخصومة بين (المنشية والقصر).

أما التيار الثاني، فقد تم التعارف عليه اصطلاحاً بـ (أولاد الترابي) الذين هم أكثر تمسكاً بتنفيذ الخارطة التي رسمها الراحل قبل وفاته ليسير الحزب على نهجها وفي طرقاتها دون انحراف. ومن أبرز قادة هذا الفصيل د. على الحاج وأمينة المرأة سهير أحمد صلاح، وأسماء حسن الترابي، وتاج الدين بانقا.

وظل هذا التيار يرفض المشاركة في السلطة ويستعصم عن أي تقارب مع المؤتمر الوطني بعيداً عن الإجماع السياسي، باعتباره أمر ذو مترتبات مضرة بالحزب ويفهم منها أنه سعى للدخول في الحوار من أجل تحقيقها فقط لا غير. ولذا فهم مستمسكون بالتنفيذ الحرفي لوصايا الشيخ في رفضه المشاركة في السلطة، ومع الالتزام بتطبيق النظام الخالف، وشرط خلافة الأمين العام بأن لا يتجاوز عتبة السبعين، وهذه من أبرز التحديات التي تنتظر المؤتمر العام لحسمها بجانب تحديات أخرى آنية برزت مؤخراً وأكثرها حداثة حل آلية الحوار الوطني المعروفة اختصار باسم (7+7) والتعديلات الدستورية التي يطالب الشعبي بإرجائها فيما أعلن البرلمان أنه بصدد التدارس حولها قبل نهاية العام الجاري 2016م.

ضد معارضة السلطة

مع فشل جميع محاولات الخارج في رأب الصدع بين (البشير – الترابي)؛ نجح هذا الخارج في لم الشمل بلا قصد، حيث اندفعت المعارضة السودانية ممثلة في قوى الإجماع الوطني (تحالف جوبا) في مساندة الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، وهو الأمر الذي اعتبره إسلاميو السودان ممهداً للإطاحة بهم متى لاحت الفرصة لجموع الليبراليين واليساريين.

ومن ثم حصلت القربى بين الطرفين، الذين وصلت خلافاتهما إلى حد الفجور البائن في الخصومة، والطلاق الأكثر بينونة، فكان نتاج تلك الفترة (السجون والمعتقلات، والإقصاء والإقصاء المضاد، والتهم المرسلات بإشعال النار في ثوب الأطراف عساها تحرق المركز ذات يوم).

وبعد أن طرأ تحسن كبير في العلائق، حمل قيادات في الشعبي على الدعوات الشبابية والمعارضة في تنظيم العصيان المدني، وحذر السنوسي من مغبة مصير مظلم للبلاد، في حال جرى انتزاع الحاكمين دون ترتيب مسبق، ومتفق عليه.

بيد أن قيادات شابة داخل الشعبي، تنحو إلى مساندة الشارع، والنأي بجانب الحزب عن التماهي الحكومي الذي قد يؤدي إلى تذويب تام لحزب كان ملء العين والبصر في هياكل السلطة التي انتقدها الترابي غير ما مرة وألصق في إخوانه بالوطني سوءة شراء دينهم بدنياهم.

عقدة المشاركة

بالعودة إلى المؤتمر العام، يقول القيادي بالحزب د. عمار السجاد: إن الحزب لم يحدد بعد تاريخاَ بعينه لأعمال المؤتمر، مشيراً إلى أن الأول من يناير كان مجرد حديث دائر داخل أروقة الحزب، لكنه ليس موعداً قطعته المؤسسات.

وأكد السجاد في حديثه مع (الصيحة) بأن الولايات قد أكملت تصعيد ممثليها في المؤتمر العام، المقرر انقعاده في الخرطوم. مستبعداً فرضية وجود تيارات وكيانات تتصارع على منصب الأمين العام داخل الحزب، وزاد بقوله لكن هناك أكثر من تيار داخل الحزب منقسمة بين رافض ومؤيد للمشاركة في السلطة، مبيناً أن تيار أولاد الترابي هو التيار أو المجموعة التي عملت في الحوار.

وعن الرأي الغالب حول المشاركة قال إن السائد حتى الآن هو لا مشاركة، لكنه توقع أن يقدم مقترح في الشورى أو المؤتمر العام بالمشاركة، وأضاف أنه يرى أن المشاركة ضرورية في حال إصرار المؤتمر الوطني على نهجه المراوغ والالتفاف على توصيات الحوار، وهذا يجعل المؤتمر الشعبي أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يتحول لحزب معارض أو أن يشارك وفي هذه الحالة عليه أن يبحث عن آلية لحماية مخرجات الحوار.

أما بشأن أسباب تراجعهم عن قرار رفض المشاركة، فيرد السجاد بالقول إنهم عندما اتخذوا هذا القرار كان ذلك لاعتقادهم بأن هذه المرحلة ستشهد توافقاً من قبل الوطني يغنيهم عن المشاركة والتفرغ لتنفيذ منظومة النظام الخالف، لكن هذا لم يحدث الأمر الذي وضعهم أمام خيار هو إما أن نشارك أو نبحث عن ضمانات لحماية مخرجات الحوار الوطني، أو يتحول الحزب إلى حزب معارض (والكلام لا يزال للسجاد).

وعن الالتزام بإنفاذ وصية شيخ الترابي حول مواصفات الأمين العام الذي سيخلفه ، أوضح السجاد بأنها لم تكن وصية بقدر ما هي تكليف بالبحث عن شخصية لتخلفه حدد عمرها بين (40 ،60). وعاد قائلاً إن الاتجاه السائد الآن هو عودة الحرس القديم باعتبار أن فترة الأمين العام لا تتعدى العامين بعدها سيحل الحزب ضمن تنفيذ منظومة الخالف ويتحول لحزب جديد ضمن تحالفاته ، وكشف عن أن الأسماء المطروحة الآن لتولي منصب الأمين العام أبرزها الأمين العام الحالي إبراهيم السنوسي وآدم الطاهر حمدون ، ود.بشير آدم رحمة ، د.أحمد إبراهيم الترابي ، صديق الأحمر ، د. الأمين أحمد عثمان ، وإبراهيم عبد الحفيظ، وأشار إلى أن أبرز الملفات التي تواجه المؤتمر العام التحول لمنظومة الخالف وحراسة مخرجات الحوار

لا ترشيحات مسبقة

اتفقت أمينة المرأة بالمؤتمر الشعبي سهير صلاح مع السجاد في أنه حتى الآن لم يحدد الحزب تاريخاً بعينه لعقد مؤتمره العام، وعن الالتزام بوصية الترابي في تحديد مواصفات الأمين العام قالت سهير لـ (الصيحة): إن هذا الحديث ورد في سياق مذكرة وضعها الترابي في حياته لتحديد مواصفات الأمين العام الذي يفترض أن ينتخب في المؤتمر العام الذي حدد له إبريل الماضي لكنه لم ينعقد لرحيل الشيخ. وأضافت بأن تغييراً طرأ على حسابات انعقاد المؤتمر العام في ظل ظهور مستجدات في الساحة متعقلة بالحوار ورؤية الحزب، نافية بأن تكون هناك شخصيات مقترحة لترشحها لمنصب الأمين العام على عكس ما ذهب إليه السجاد وأضافت أن الاختيار لمنصب الأمين العام أمر خاضع للشورى .

وعن أهم التحديات التي تواجه المؤتمر العام الأول للشعبي، نوهت إلى أنها تحديات فكرية لغياب الشيخ مع عدم وجود شخصية بقدراته كمفكر، أما في الجانب التنظيمي فقد أكدت أن الحزب استطاع عبور كافة التحديات التي واجهته بما تدربت عليه القيادات وكوادر الحزب في فترة وجود الترابي باحترام المؤسسية والشوري.

ونفت وجود أي اتجاه حتى الآن بالتراجع عن القرار الذي اتخذته الأمانة العامة في حياة الترابي بعدم المشاركة ولم يتم طرح أي مقترح بشأنها في أجندة المؤتمر العام وزادت أن الأصوات التي تنادي بها داخل الحزب لا تملك أغلبية وإنما هم أفراد فقط. وختمت بالقول إنها عن نفسها ضد مخالفة قرار الأمانة العامة، وزادت: نسعى لأن تشهد المرحلة خطاباً توافقياً يدعوا لدولة مؤسسات تقوم على العدالة والشورى والحرية.

ولكن يبقى السؤال هل سيتمكن المؤتمر الشعبي من العبور إلى ضفة النظام الخالف، أم تراه سيسقط في يم التحول على عكس ما أراد عرابه.
الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.