يرفضون نظرة المجتمع السالبة أولاد ميكي.. شباب “إستايل” في رحلة هروب من الواقع

تطلق عليهم العديد من الألقاب مثل “أولاد ميكي، أولاد العز، شباب استايل، شهادة عربية”، وغيرها من نعوت يوسمهم بها المجتمع الذي يتهمهم بالتغريد بعيداً عن قيم المجتمع السوداني، وبالتقليد الأعمى لكل ما هو قادم عبر الفضاء المفتوح، أما هم فيدافعون عن أنفسهم ويقطعون بعدم خروجهم عن المألوف وأن سلوكهم وتصرفاتهم طبيعية تعبر عن مرحلة عمرية محددة، فيما يدمغهم المختصون بالهروب من الواقع، إذن بين الآراء الثلاثة وقفت “الصيحة” في المنتصف وهي تتقصى عن ظاهرة “أولاد ميكي أو الشباب الإستايل”.

قديم متجدد

يقول عبد الله محمود من مجموعة “ما حنك” المجموعة المشهورة بموقع التواصل الاجتماعي التي تقوم بإنتاج مقاطع فيديو لمعالجة بعض الظواهر الاجتماعية، إنه بغض النظر عن كوني مؤيدا أو مخالف لفكرة أن يكون الشاب استايل أو ود ميكي لكن يجب ألا نحكم عليه من مظهره وشكله فقط ولكن من أخلاقه وتصرفاته وصلاته، وأضاف: أغلب الشباب الإستايل يعيشون خارج السودان، وقد تشربوا بثقافات أخرى لذلك لا يجب أن نستهجن تصرفاتهم وأسلوب حياتهم، “والناس المفروض ما تركز مع الحاجات دي ” ومن قديم موضوع الاستايلات موجود وكان في حلاقة الخنفس والشارلستون وغيرها وهي بلا شك فترة وبتعدي على الإنسان.

” كاسر الحنك”

يقول ميدو: حينما أتيت من الخارج للدراسة الجامعية أتيت بإستايلي الخاص واشتريت أغراضي كافة من خارج السودان حتى العطور والساعات والملابس يعني باختصار جيت “كاسر الحنك” وأردت أن آتي بشكل فريد وخاص بي، قد يكون وجد الآخرون أن مظهري غريب بالنسبة لهم، ولأنهم ما عندهم “حنك” بالحاجة السمحة فأطلقوا علينا صفات من شاكلة “ود ميكي” أو حتى “مايع” وصفات كثيرة جداً أطلقوها علينا.

تسريحة شعر غريبة

وبحسب ميدو فهنالك عدد من قصات الشعر المستوحاة من النجوم العالميين في الرياضة والغناء لكن الأكثر انشاراً هي “نيمار” وفيها تتم حلاقة الشعر من الأطراف وعدم حلاقة منطقة نصف الرأس وتركها تنمو، أيضاً كرستيانو وعادة ما يمشط رونالدو شعره بشكل متميز إلى الوراء مع نشر بعض الفوضى على خصلات الشعر مع إطالة الشعر الموجود بالجزء الخلفي من الرأس قليلاً عن ذلك الموجود بالجزء الأعلى، ايضاً افرو وبوب مارلي و”الراستا” في النهاية كلما تحلق حلاقة غريبة بتكون استايل، وهناك عدد من الفنانين الشباب يقصون هذه القصات مثل شريف الفحيل وطه سليمان .

سهرات صباحية

(نحن عايشين عمرنا وما شغالين باي مان) بهذه الكلمات ابتدر طلال حديثه لـ(الصيحة) وأضاف “نحن كدا” بنعمل رحلات ليلية بشارع النيل ونهارية بالحدائق العامة كالساحة الخضراء وغيرها من الأماكن العامة وبشكل أساسي يبتدي يوم طلال عند الساعة الواحدة ظهراً وبعدها يذهب الى الجامعة وبها يبدأ التخطيط للسهرة الليلية وقبلها يقول إنه يشرب قهوة بعد إضافة “حبة ترامدول” إليها تساعده على الفرفشة حسب وصفه, بعدها يدخل المحاضرات، وقال إنه لا يحضر التي تبدأ باكراً نظراً لأنه لا يكون قد استيقظ من النوم بعد وعادة ما ينتهي يومه عند الرابعة صباحاً بعد سهرة “صباحية” مع الشباب في شقة أحد الأصدقاء

طلال قال إن “الروشنة” أصبحت تجارة لعدد من الشباب وأن عددا مقدراً من الشباب يقوم ببيع المخدرات (الخرشة والبنقو وغيرها) وأن الأمر لا يقتصر على الشباب المحتاجين فقط وإنما الكل يبيع المخدرات ومؤخراً دخل الى هذه السوق عدد من فتيات الجامعات الخاصة حسب قول طلال وأنهن يبعن (الترامدول والخرشة)، ويضيف نقوم بعمل حفلات وأعياد ميلاد ورحلات نيلية مع صديقاتنا وأيضاً تكون المخدرات حاضرة بقوة.

رحلة هروب من الواقع

حدثني عدد مقدر ممن قمت باستطلاعهم بأن الهدف الأول من تعاطي المخدرات وحتى طريقة حياتهم هذه من لبس غريب وغيرها تعود في الغالب إلى معاناتهم من مشاكل أسرية معقدة، ويهرب هؤلاء الشباب من واقعهم المرير بالإتيان بأشياء يرفضها المجتمع فيما يرى كثيرٌ منهم أنها طبيعية.. هنا يقول أحد هؤلاء الشباب واسمه عمر إنه يسكن إحدى الأحياء الخرطومية القديمة والشعبية وأنه من أسرة ميسورة الحال لكنها لا تستطيع تلبية متطلباته اليومية من مصروف جامعي وشراء ملابس وجوالات حديثة، عمر قال ذلك، وفجأة أشاح ببصره مني وأنهمر الدمع منه سخيناً وهو يصف لي واقع حياته “الكريه” حسب وصفه، وقطع بأنه لم يجد أي فرصة لاقتناء المال خلاف هذه الطريقة السهلة والسريعة حيث يقوم بشراء الحبوب المخدرة والشاش وبيعه بالجامعة لزملائه مما يشكل له ربحا فورياً يساعده على شراء مستلزماته من هاتف جوال حديث وملابس وحتى “مصاريفه الخاصة”

ومسح عمر دموعه بسرعة خشية أن يراه أحد زملائه في هذه الحالة، وقال بصوت خافض “أنا عارف انو أنا بعمل في حاجة غلط لكن بجي اليوم البخليها فيهو”

من إفادات الشباب هذه تبين أن مصطلح (أولاد ميكي) الذي يطلقه المجتمع على هذه الفئة من الشباب ينقسم إلى نوعين الأول هذه حياته بالفطرة والأخر يهرب من واقع أسري مرير.

مفردات خاصة

“يا مان، ما حنك، ما تحنك معاي بالبيش، وما تخبشن معاي”، هذه هي بعض المفردات التي يستخدمها من يطلق عليهم اسم أولاد ميكي.. مهند طالب جامعي أكد لي أن استايلات اللبس يتم فيها تقليد طلاب الشهاده العربية والفنايين الغربيين الذين يروجون لمثل هذه الأفكار من خلال الأغاني الخاصة بهم وأنهم يعززون الأمر بفيديو كليب يحكي ويفصل هذه الممارسات والعادات التي يريدون بثها للشباب.

وبدوره، يقول سعد إنهم يسافرون في المناسابات العالمية الى دول الجوار وخاصة مصر وإثيوبيا وإرتريا ، وإنهم ينظمون رحلات سنوية للاحتفال برأس السنة هناك، حيث يجدون الحرية و”الشراب النظيف” حسب وصفه.

مراهقة متأخرة

ويقول مازن لـ(الصيحة) لا نريد أن نضيع شباببنا ونحزن عليه لاحقاً لذلك نحتفل ونصيع ونكون استايل، هناك بعض الأشخاص كبار في السن نجدهم في شارع النيل والمقاهي والنوادي والجمبات وهم “خالطين” نسخر منهم جدًا ونقول لأنفسنا ديل ما كملوا شبابهم وعايشين مراهقة متأخرة، ونعرف أيضًا أنه بعد مدة معينة يجب أن نكون أكثر جدية “ونجلي حنك الاستايل دا” عشان نتحول لحياة جديدة بعد التخرج لأنه “ناس البيت بضغطوا عليك” وأحياناً حتى تجد وظيفة وبعدها حتى ملابسنا القديمة لا نرتديها مرة أخرى، مازن يقول إن بعض الشباب “الاستايل” لا يتخرجون من الجامعات بدرجات عالية وحتى الانتقال من مستوى الى آخر يكون بالكاد “باص”، ويضيف: “ينجح كيف وهو داخل المحاضرة “طاشم وطاشي” وما بين الأقواس يعني أنهم يدخلون قاعات المحاضرات بعد تعاطي نسبة مقدرة من المخدرات “الحقن والحبوب وحتى الشم”.

نهايات مأساوية

مازن يستثني من أسماهم “ما دخالين الدنيا” من التخرج بالدرجات المتدنية وأن هذه الفئة من أولاد “ميكي أو الاستايل” دائماً ما يكونوا أوائل الدفعة، مازن يؤكد أن “شباب الاستايل” بأربع، فئات الأولى متأثرة بالفنانين السودانيين كالراحل محمود عبد العزيز “الحوت”، والفئة الثانية متأثرة بفنانين عالميين أو غربيين ولاعبي كرة القدم كـ “نيمار ومسي والمطرب الأمريكي توني خليفة، وبوب مارلي وفنانين البوب” ، والفئة الثالثة تتأثر بالفنانين العرب كتامر حسني ووائل كافوري وغيرهم، وأن كل فئة من الثلاث تقلد طرق حياتهم وكلامهم ويلبسون نفس استايلاتهم في الأزياء بل بعضهم يشتري نفس ماركات السيارات التي يقودونها فضلاً عن نفس ماركات الساعات وقصات الشعر، الفئة الرابعة وصفها بـ”المالاقية أي حاجة” ، أشار الى أن هذه الفئة لا تستطيع أن تتحصل على استايل أو طريقة حياة محددة وتتجه الى الإجرام وترويج المخدرات والاتجار فيها، ويضيف: يعني الواحد بجيب ليهو كيلو “شاشبندي” بمبلغ 2 ألف جنيه ويتم تقسيمها الى أكياس والربح بيكون 1500 جنيه ، وحسب مازن يبيعون أيضاً البنقو والحبوب والحقن وغيرها من المخدرات، وهذه الفئة تتعامل مع “المعلمين” أي تجار المخدرات مباشرة ، مازن يصف هذه الفئة بالحاقدة على الآخرين ويصدر منهم سلوك إجرامي حيث يسرقون الجوالات من أصدقائهم، وكذلك إطارات سياراتهم وأموالهم ومقتنياتهم الثمينة حينما يسهرون معهم بمنازلهم ودائماً نهايتهم تكون سيئة حيث ينتهي بهم المطاف إلى السجون أو الإصلاحية.

تشخيص الظاهرة

بدوره يرجع الخبير في تقويم السلوك خالد رغدان ظاهرة الشباب الاستايل أو أولاد ميكي كما يطلق عليهم الى الانفتاح الكبير الذي حدث في الآونة الأخيرة على العالم حتى أصبح قرية صغيرة، ويضيف: قديماً كانت هنالك قيم مجتمعية (عقل جمعي) وثوابت لا يخرج الناس عليها، فكان شكل الحلاقة معيناً، وكان بالإمكان السيطرة على هذه القيم المجتمعية، وبينما اليوم كل شخص من هؤلاء الشباب لديه هاتف ذكي يستطيع خلاله مشاهدة المسلسلات التركية والأفلام والاطلاع على عدد من الثقافات وأصبح من الصعوبة بمكان التحكم والسيطرة.

وأرجع خالد رغدان السلوكيات التي يتبعها الشباب اليوم للتربية الباكرة من عمر عام الى ست أعوام، وقال “للأسف معظم الأسر تترك أطفالها في هذا السن لتربية التلفاز ولا يعلمون أن هذه المرحلة هي مرحلة التلقين التي تنعكس لاحقاً في سلوك أبنائهم”

تصنيف ودرجات

ويصنف رغدان هؤلاء الشباب إلى نوعين الأول صاحب مرجعية خارجية والثاني مرجعيته داخلية والأخير “يعمل الحاجة ألفي رأسه” لذلك تجده يقلد الممثل أو لاعب كرة قدم أو حتى الفنان الذي يعجبه وبقص شعر رأسه على طريقته، وأضاف: الحلاقة قد تكون شاذة جداً لكنه لا يهتم لأمر الناس حوله، أما الفئة الثانية فهم أصاب المرجعية الخارجية وهو يعمل حسابا لحديث الناس والمجتمع فلا يرتكب هذه التصرفات، وأن عملها يمكن التأثير عليه وإثناؤه مما يقوم به بسهولة جداً.

تأثير سالب

المختص رغدان يقول إن الطامة الكبرى تكمن في استشراء الظاهرة حتى طالت أصحاب المرجعيات الخارجية بتأثرهم بأقرانهم الشباب، وأضاف: مثل هذا يرى أنه إن لم يحلق الحلاقة المعينة أو لم يرتد الموضة المعينة سيتحدث عنه الشباب ويصفونه بالقادم من الريف أو متخلف، وللأسف الحال العام الآن، أن الشباب يلجأون إلى الحلاقات الغريبة والموضة الغريبة في الزي من سستم وغيره ، ويمضي رغدان الممارس المتقدم بالبرمجة العصبية واللغوية قائلاً بشكل عام لكل مرحلة سلوك واحتياج معين، وهو أمر مقبول لدينا كمرحلة المراهقة، لذلك فرض ضوابط وقيود صارمة على الشباب في هذه المرحلة يحدث لهم كبتاً وأنا ضد الانفتاح بشكل عام لكن نريد لهؤلاء الشباب الانضباط وأي وسيلة لفرض أساليب معينة ستكون مرفوضة من قبلهم لأن تأثيرها خارجي ومعلوم أن العقل اللاواعي (الباطن) يعترض ويمانع، ولذلك لأي مثير استجابة، والمثير نوعان إما داخلي وإما خارجي، ولكل منهم أسلوب مختلف في التأثير.

الوصفة السحرية

يعتقد رغدان أن زرع القيم لا يكون من خلال نقد ظاهرة وإنما بالتوعية العامة لأن ارتفاع نسبة الوعي لدى الشباب من شأنها تغيير هذه الظواهر، وعلى الدولة مراجعة المناهج من باب مسؤولياتها وعليها أن تعمل تعديلات جوهرية في هذه المناهج وأن تراعي الاحتياج المعين وأعتقد أن الفجوة بين المناهج وسوق العمل كبيرة جداً وقس على ذلك، بالإضافة إلى ضرورة تنقيح المناهج بصورة دورية والآن علماء الإدارة يقولون إن المعلومة التي يمر عليها أكثر من 6 شهور تعتبر منتهية الصلاحية إن لم تقم بمراجعتها ناهيك عن مناهجنا التي تدرس من أيام الإنجليز، وهذه المناهج هي عبارة عن تاريخ العلم وليست العلم وغير مواكبة.

ضريبة الانفتاح على العالم

وجود القدوة بالمجتمع أمر مطلوب، لكن هل أنت قادر أن تسيطر على الفضاء بحيث تتمكن من عمل توجيه لهؤلاء الشباب، فالآن القدوات أصبحت غير مؤثرة قديماً كان الناظر وشيخ القبيلة والعمدة له كلمة على الناس حالياً مع الانفتاح صار اتّباع قدوة محددة بالصعوبة بمكان، ففي الوقت الذي تبني فيه بوسيلة واحدة هناك آلاف الوسائل الإعلامية تعمل معاول للهدم.

رغدان يقول: دعونا نكون أكثر مصداقية هل الإعلام السوداني اليوم يؤثر في الشباب، وهل القنوات والصحف والإذاعات ترتقي لتخاطب هذه الفئات المستهدفة في الجامعات والثانويات، وهل خاطب الإعلام قضاياهم التي تهمهم، لذلك علينا مراجعة الرسائل الإعلامية التي نقوم بها لكي نجعلهم يتابعونه .

هروب من الواقع

يشير مختصون إلى أن الهروب من الواقع حالة طبيعية وتسمى بـ(الهستريا) وهي رفض العقل اللاواعي للواقع، ويؤكدون أن معظم الشباب اليوم في حالة هستريا مستديمة وأنهم ينظرون إلى أن الواقع ويعتبرونه غير ملبٍّ لتطلعاتهم، لذلك يلجأون إلى المخدرات بأنواعها كافة للهروب من الواقع المعيشي والتدني في المستوى الاقتصادي، ويلفتون إلى أن هذا أدخل الشباب في حالة إحباط يحاولون التخلص منه بتغييب عقولهم.

سلوك خاطئ

ويعود رغدان ليقول إن السلوك الخاطئ المتعلق بالإدمان والمخدر غير مبرر وليس احتياجاً للمرحلة وأردف: وحديث الشباب أنهم يقلعون عن كل هذه الممارسات بعد سن معينة نقول نعم يمكن ذلك “إذا كنت تعتقد أنك تستطيع فأنت محق.. وما هو ممكن لغيرك ممكن لك”، ولكن من يعتقد أنه لا يستطيع فهو لن يستطيع لأن الأمر قناعات داخلية، وبشكل عام من يريد التخلص من أي سلوك أو نمط حياة عليه أن يعلم أن الدافعية الداخلية أقوى دافع بجانب “النية” لأنها محفز داخلي كبير للتغيير, بينما المحفز الخارجي ضعيف جداً.
الصيحة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.