ظهرت عبر منصة فيسبوك مجموعة “أطفال مبدعون” من قرية شرفت الجموعية بالريف الجنوبي لأم درمان، ولاية الخرطوم. يقف خلف هذه المجموعة السماني محمود بابكر، الذي بدأ دراسة المحاسبة بكلية التجارة، في جامعة النيلين حتى المستوى الثاني، لكن الظروف الاقتصادية القاسية حالت دون إكماله التعليم.
التحق بعد ذلك بالشرطة الأمنية وعمل فيها لمدة ست سنوات، قبل أن يترك الخدمة ويعمل حاليا في مخبز كعامل (فرّان وعجّان)، وهو أب لثلاثة أطفال
يعد السماني صاحب الفكرة، والمخرج، والمصور، وكاتب السيناريو، والمنفذ للمونتاج، حيث يتولى جميع هذه المهام بهدف تنمية مواهب الأطفال وإبراز قدراتهم الفنية.
يقول السماني: “وجدت عند هؤلاء الأطفال حب التمثيل، وأنا معهم نمارسه كهواة، فكمّلنا بعضنا البعض، وأنتجنا الأعمال التي نعرضها عبر صفحتنا في فيسبوك.
نمارس هذا العمل بمحبة شديدة ونسعى أن نقدم المفيد للناس، والتوفيق والقبول من الله سبحانه وتعالى. ونحاول بقدر استطاعتنا أن نعكس ما يجري في حياتنا اليومية، ونقدم محتوى يلامس وجدان الشعب السوداني”.
تضم المجموعة: محمود طه محمود (يدرس في الصف الرابع وهو أكبرهم سنا)، وبابكر البخاري ومحمود آدم نورين (يدرسان في الصف الثالث)، ومصطفى طه محمود وأبو بكر (يدرسان في الصف الثاني)، وأبو بكر لا يشارك كثيرا في التصوير. وتتفاوت أعمارهم بين عشر وتسع سنوات.
لا تقتصر أعمال “أطفال مبدعون” على الترفيه أو المحاكاة العفوية، بل تتناول قضايا من صميم الواقع السوداني، مثل بر الوالدين، وقضايا الزواج، ومشاهد خطبة البنت من والديها، وأهمية التسامح، وتجاوز الأخطاء، والدعوة للعفو عند المقدرة؛ فهم لا يقدمون مجرد مشاهد تمثيلية، بل يقدمون قيَما سودانية أصيلة بأسلوب بسيط وواقعي، يمزج بين الحس الفني الفطري والصدق في الأداء
ورغم أعمارهم الصغيرة، فإنهم يلامسون قضايا اجتماعية وثقافية شكلت جوهر القيم الإنسانية في المجتمع السوداني، مع الاحتفاظ بخصوصية الريف الأصيل بكل ما فيه من دفء وعفوية وتكافل اجتماعي.
أعتقد أن هذه التجربة مميزة للأسباب التالية:
فيها رسائل تربوية وأخلاقية بلهجة قريبة من وجدان المشاهد، ما يجعلها وسيلة مؤثرة لترسيخ القيم لدى الناشئة والكبار.
العمل بإمكانات بسيطة، لكن بعزيمة وإصرار، ودون دعم رسمي، مما يمنح التجربة طابعا حرا ومستقلا.
تقديم صورة حقيقية للحياة الريفية وقضاياها، بعيدا عن الصور النمطية، وفي ظل هيمنة المدن على المحتوى الإعلامي.
تمكين الأطفال بإشراكهم في تمثيل المشاهد، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ومهاراتهم في التعبير والحوار.
استلهام التراث السوداني والعادات الاجتماعية يمنح الأعمال هوية أصيلة، ويجعلها سجلا بصريا للقيم والتقاليد.
إنها تجربة تستحق الاهتمام والدعم، وتمثل نواة لمشاريع أوسع يمكن أن تدمج الفن بالتعليم في بيئات الهامش، بما يسهم في تنمية القدرات الإبداعية للأطفال، ويعكس الوجه الحقيقي للسودان في قالب إبداعي مشوّق.
الجزيرة نت
