سليمان جودة- كاتب مصري – صحيفة الحياة
أن يصل الحد بإعلامنا إلى أن تكون هذه هى صورته لدى الرئيس السودانى عمر البشير ، فالأمر لابد فى حاجة إلى وقفة من جانب هذا الإعلام مع نفسه، وليس من الدولة طبعاً إزاءه، أو ضده، لأن قناعتى أن الإصلاح يبدأ من داخل إعلامنا، لا من خارجه، وأنه يظل هو الأقدر على ضبط إيقاعه، إذا أراد، وأنه مدعو إلى أن يسارع إلى ذلك ويبادر، حفاظاً على صورته على الأقل، ثم على تاريخه!
لقد أجرى الأستاذ غسان شربل، رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، التى تصدر فى لندن، حواراً مع الرئيس البشير، نشرته الصحيفة على صفحة كاملة، أمس الأول، وفيه تكلم الرئيس السودانى عن أمور كثيرة تخصنا، غير أن الأهم فيها ما قاله عن إعلامنا، وكيف أنه أصبح «مرض العلاقات بين مصر والسودان»، وأنه «يتناول الأمور بصورة غير موفقة»!.. وأنهم فى السودان، وهذا هو الأخطر، قد «تعودوا عليه».. أى أنهم فقدوا فيه الأمل!
إننى أذكر أن البشير كان فى زيارة إلى القاهرة يوماً، وأنه فى نهاية لقائه مع الرئيس السيسى قال إنه لن يسمح للإعلام بأن يفسد العلاقات بين البلدين!.. ويومها قلت: إن كلام الرئيس السودانى، بهذا الشأن، إذا كان يعكس حرصاً منه على إنجاح علاقات الخرطوم مع القاهرة، فإنه يعكس أمراً أخطر، وهو سوء الظن بالإعلام، وبأداء الإعلام، وأن على إعلامنا أن يصحح هذه الصورة عنه، وأن يبدد الشكوك فيه، وأن يُخيب سوء الظن من الطرف الآخر فى نواياه!
وليست هذه هى المرة الأولى التى تأتى فيها الشكوى من الإعلام، من خارج الحدود، قبل أن تأتى من داخلها، فلقد نقلت أنا هنا، قبل ثلاثة أسابيع، عن صديق سعودى كان قد عمل فى موقع مهم فى بلده، أن السحابة العابرة فى سماء القاهرة والرياض تعود، فى أحد أسبابها، إلى الإعلام، وإلى ما يكتبه بعضه عن الملك سلمان، وإلى اعتقاد الحكومة فى السعودية أن الحكومة المصرية تستطيع أن توقف ما يقال عن الملك، وعن حكومته.. إذا شاءت!
لا أريد أن أقع فى خطأ التعميم، ولا أريد أن ينسحب كلامى على الإعلام كله، الجيد فيه والسيئ، ولكن المشكلة أن أداء جزء منه يصيب الكل فى صورته، ويشوش على المهنة جميعها، ويضع الجميع، تقريباً، فى سلة واحدة، وليس أدل على ذلك من أن الرئيس البشير عندما تحدث لم يشأ أن يستثنى أحداً، مع أن هناك إعلاماً مهنياً على أرضنا بالقطع، ومع أن هناك إعلاماً موضوعياً بالتأكيد، ولكن يبدو أنه الأقل حجماً، والأدنى صوتاً!
حين يصل إعلامنا فى جزء كبير منه، أو صغير، إلى حد أن يكون «مرضاً» فى العلاقة بيننا وبين السعودية مرة، وبيننا وبين السودان مرة، ثم إلى أن يفقد البشير الأمل فيه، ويقرر أن يتعود عليه، فهى قصة فى أشد الحاجة إلى مراجعة شاملة، والحقيقة أننا لسنا فى حاجة إلى شىء، قدر حاجتنا إلى أن يتحلى كل ممارس للإعلام بالإحساس بالمسؤولية عما يقوله!
الإعلام يقاوم أمراض المجتمعات، أياً كان نوعها، ولا يجلبها، أو يتسبب فيها، فضلاً عن أن يكون هو ذاته مرضاً فى العلاقات بين بلدين!